تمنح استعادة إسرائيل أربعة من الأسرى أحياءً من مخيم النصيرات في وسط قطاع غزة السبت، رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو فرصة موقتة لالتقاط الأنفاس، وتعيد تشكيل الجهود الدبلوماسية الرامية إلى التوصل إلى وقف للنار بمقتضى "العرض الإسرائيلي" الذي أعلنه الرئيس الأميركي جو بايدن في 31 أيار (مايو) الماضي.
ترافقت عملية الكوماندوس التي سارع الناطق باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هاغاري إلى إسقاطها على عملية إنقاذ رهائن في مطار عنتيبي في أوغندا عام 1976 (الإشارة إلى عنتيبي لها دلالة كون شقيق نتنياهو قتل فيها)، مع زيادة الضغط الأميركي على "حماس" كي توافق على إعلان بايدن، وفق ما جاء، ومن دون الحصول على التزام واضح، بأن تفضي عملية التبادل إلى وضع حد للحرب.
لم تكن الولايات المتحدة بعيدة عن عملية الكوماندوس. إذ إنه منذ أشهر يساعد فريق عسكري أميركي صغير إسرائيل في البحث عن الأسرى، باستخدام المسيّرات. كما أن الاستخبارات الأميركية قدمت دعماً للعملية. لكن البنتاغون نفى أن يكون الكوماندوس الإسرائيلي قد استخدم الرصيف الأميركي العائم قبالة غزة في تنفيذ العملية. وتبرر واشنطن المساعدة في عملية البحث عن الأسرى، انطلاقاً من كون عدد من هؤلاء هم من حملة الجنسية الأميركية.
هل كانت واشنطن معنية بمساعدة نتنياهو على تحقيق "صورة نصر" ولو محدودة باستعادة أربعة رهائن، كي يقبل بتقديم تنازلات في مفاوضات وقف النار؟ أم أن المساعدة الأميركية هي رسالة إلى "حماس" كي تقبل بما هو معروض عليها، خصوصاً بعدما كشفته صحيفة "وول ستريت جورنال"، من طلب أميركي من قطر ممارسة ضغوط على الحركة تصل إلى حد التوقيفات وفرض عقوبات وطرد كوادرها من الدوحة؟
وما من شك في أن بايدن عندما وضع ثقله الشخصي خلف الجهود المبذولة للتوصل إلى هدنة في غزة وتبادل للأسرى، كان يدرك جيداً أن استمرار الحرب يهدد حملته للفوز بولاية رئاسية ثانية في تشرين الثاني (نوفمبر)، مع تنامي الاحتجاجات في الداخل الأميركي على سياسة بايدن.
ومثلاً، بينما كان الرئيس الأميركي يواصل زيارته الرسمية لفرنسا السبت، كان الآلاف من المحتجين يطوقون البيت الأبيض احتجاجاً على سياسته في الشرق الأوسط، وهناك تخطيط لمزيد من التظاهرات المطالبة بوقف الحرب هذا الأسبوع.
ومع تعثر مساعي مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية "سي آي إي" وليم بيرنز ومدير قسم الشرق الأوسط في البيت الأبيض بريت ماكغورك في الدوحة، يستعين بايدن مجدداً بوزير الخارجية أنطوني بلينكن الذي سيبدأ جولة في المنطقة اعتباراً من الأربعاء، في ضوء تداعيات عملية النصيرات.
الشيء الأكيد، أن نتنياهو كان يبحث عن هذه لحظة كهذه منذ ثمانية أشهر من حرب تحولت إلى مستنقع وعزلت إسرائيل دولياً وزادت الشكوك في إمكان تحقيق "النصر الكامل"، كي يقول إن سياسته القائمة على "تحرير الأسرى" بواسطة الضغط العسكري وليس بالمفاوضات وحدها، تؤتي ثمارها، وأن كل ما يحتاجه مزيد من الوقت.
وسريعاً قطف نتنياهو المطوق داخلياً ثمار عملية النصيرات، إذ أحرجت الوزير في مجلس الحرب بيني غانتس ودفعته إلى إرجاء مؤتمر صحافي كان سيعقده السبت لإعلان استقالته مع انتهاء المهلة التي كان قد حددها لنتنياهو لوضع استراتيجية لمرحلة ما بعد الحرب في غزة.
وعلى الأرجح أن غانتس سيتريث في المضي بقرار الاستقالة، لمعرفة ما إذا كانت العملية الإسرائيلية ستشكل تغييراً جوهرياً في مسار الحرب، وفق صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية.
النجاح التكتيكي لإسرائيل في استعادة أربعة أسرى بعدما كانت استعادت في وقت سابق من العام ثلاثة أسرى من مخيم الشاطئ، يعطي دفعاً معنوياً لأنصار استمرار الحرب في إسرائيل، لكنه لا يلغي أن "حماس" لا تزال تحتفظ بـ120 أسيراً وبأن ما تعتبره إسرائيل إنجازاً قد تحقق بعد ثمانية أشهر من الحرب الدامية، فكم يحتاج الأمر لاستعادة ما تبقى من أسرى، على طريقة النصيرات؟ وأبلغ دليل إلى ذلك أن "منتدى عائلات الرهائن" طلب من نتيناهو الذهاب فوراً إلى إبرام اتفاق للتبادل.
ثم إن استعادة الرهائن، تتم كل مرة على أشلاء المدنيين الفلسطينيين. إسرائيل اعترفت بقتل مئة مدني فلسطيني خلال عملية النصيرات، بينما تحدثت "حماس" عن سقوط 210 مدنيين في القصف الذي لم يشهد له مخيم النصيرات مثيلاً منذ بدء الحرب.
المقررة الخاصة للأمم المتحدة فرنشيسكا ألبانيزي، وإن أبدت "ارتياحها" إلى استعادة الأسرى الأربعة، قالت إن "ذلك تم على حساب مقتل ما لا يقل عن 200 فلسطيني وجرح أكثر من 400". الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش صرخ أن "أوقفوا هذا الرعب".
السؤال الأساسي الآن: هل تشكل عملية النصيرات مخرجاً لتنازل إسرائيلي في مفاوضات وقف النار، أم ستأخذ إسرائيل إلى مزيد من التشدد؟ وكيف يمكن أن ينعكس التطور الأخير على موقف "حماس" التي كان التعليق الأول لرئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية، بأن الحركة "لن تستسلم"؟