في أعقاب هجمات السابع من تشرين الأول (أكتوبر( على إسرائيل ومع انضمام مئات الآلاف من جنود الاحتياط الإسرائيليين إلى القتال ضد حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، قال القائد العسكري السابق بيني غانتس إنه شعر أن الواجب يحتم عليه الانضمام إلى المجهود الحربي.
وقال غانتس الذي ينتمي لتيار الوسط لمجموعة من الصحفيين بعد وقت قصير من موافقته على الانضمام إلى حكومة وحدة طارئة شكلها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في وقت الحرب: "هذه ليست شراكة سياسية أخوض غمارها... (ولكنه) القدر".
وأضاف: "حماس هي التي بدأت الحرب لكن إسرائيل ستنتصر فيها. ليس هناك شك في ذلك. سننتصر في هذه الحرب".
ولكن بعد مرور ثمانية أشهر على الحرب، تراجعت حالة الثقة التي انطوت عليها هذه التصريحات في بادئ الأمر على ما يبدو مع بدء استعادة إسرائيل توازنها مجددا بعد صدمة السابع من تشرين الأول (أكتوبر).
وبعد خلافات متكررة مع نتنياهو والأحزاب الدينية القومية المتطرفة في الائتلاف الحاكم، أعلن غانتس استقالته بعد ثلاثة أسابيع من منحه رئيس الوزراء مهلة من أجل التوصل إلى استراتيجية واضحة لما بعد الحرب في غزة.
وباستقالة غانتس، سوف تفقد حكومة الطوارئ أحد أعضائها القلائل الذين لا يزالون يحظون على ما يبدو بثقة الإدارة الأميركية التي أصبح غضبها من نتنياهو أمرا جليا مع استمرار الحرب.
وحتى قبل انقضاء المهلة، عبر غانتس عن استيائه في أكثر من مناسبة من أداء الحكومة وأثار جدلا حول عدد من القضايا مثل قيادة الجيش وضرورة فتح المجال للتوصل لاتفاق بشأن حل الدولتين مع الفلسطينيين.
وفي نيسان (أبريل)، دعا غانتس لإجراء انتخابات جديدة في أيلول (سبتمبر)، لكن دعوته قوبلت بالرفض.
وبعد أن كان يتقدم هو وتيار الوسط على نتنياهو بفارق مريح في استطلاعات الرأي في البداية، تقلص هذا الفارق وبات مستقبله السياسي غير واضح مع احتفاظ الائتلاف الحاكم بالأغلبية في الكنيست.
كان غانتس جنديا في سلاح المظلات وقاد وحدة القوات الخاصة المعروفة باسم "شالداغ" وهو ابن أحد الناجين من المحرقة وقضى معظم حياته المهنية في الجيش. وعندما شغل منصب رئيس هيئة أركان الجيش في 2012، أشرف على عملية استمرت ثمانية أيام في قطاع غزة بدأت بقتل قائد الجناح العسكري لحركة "حماس"ط في غزة.
وشغل غانتس منصب وزير الدفاع في الحكومة السابقة، وأسهمت خلفيته العسكرية المتشددة ومعارضته لحملة نتنياهو الرامية إلى تقليص صلاحيات السلطة القضائية العام الماضي في المطالبة باختياره لقيادة حكومة في المستقبل.
وكان غانتس منفتحا بشكل ملحوظ على فكرة التوصل لتسوية سياسية مع الفلسطينيين أكثر من نتنياهو وحلفائه اليمينيين مثل وزير المالية بتسلئيل سموتريتش ووزير الأمن الوطني إيتمار بن غفير، الذين يرون أن إقامة دولة فلسطينية أمر مستحيل.
وعلى الرغم من عدم ثقته في عدد كبير من القادة الفلسطينيين، بدا غانتس دائما أكثر استعدادا لقبول حقيقة أنه يتعين على الإسرائيليين والفلسطينيين في نهاية المطاف أن يتعلموا العيش في منطقة واحدة. وقال: "لن يذهب أحد إلى أي مكان".
ومع وصول العلاقات بين واشنطن وإسرائيل إلى أدنى مستوياتها منذ سنوات بسبب سير الحرب وتزايد عدد القتلى في غزة، كان غانتس ووزير الدفاع يوآف غالانت من بين قلائل في الحكومة يحظون بثقة الإدارة الأميركية.
وفي وقت سابق من هذا العام، زار غانتس واشنطن مما أثار غضب حلفاء نتنياهو الذي لم يتلق حتى الآن دعوة لزيارة البيت الأبيض. لكن غرائزه السياسية لم تكن يوما تضاهي نتنياهو، أحد أكثر الرجال دهاء في إسرائيل والذي اجتاز مرحلة الرفض من بايدن ومن المقرر أن يلقي كلمة أمام مجلسي الكونغرس الشهر المقبل.
ويعتقد كثيرون في اليسار أن غانتس وشركاءه الوسطيين كان عليهم مغادرة الحكومة في وقت مبكر عن ذلك. ولكن آخرين، مثل إيناف تسينجوكار والدة أحد الرهائن الإسرائيليين الذين ما زالوا في غزة، توسلوا إليه للبقاء في الحكومة ومحاولة تمرير اتفاق لإعادة الرهائن. لكن في النهاية بدا رحيله حتميا.
وقال أفيف بوشينيسكسي، المستشار الإعلامي السابق لنتنياهو، إن محاولة غانتس الضغط على نتنياهو لم تنجح إلا في تمهيد الطريق لخروجه في النهاية.
وأضاف: "لقد حاصر غانتس نفسه لأنه لا يستطيع التراجع، لا يمكنه التراجع عن تحذيره النهائي".