كشفت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية عن تفاصيل "الإحباط الأميركي لعدم إمكانية إنقاذ الأسرى في تشرين الأول (أكتوبر) والمساعدة الاستخباراتية التي أدّت أيضاً إلى عمليات إنقاذ الأسرى الأحياء من قلب قطاع غزة إضافة إلى التخوّف من أن إسرائيل تستخدم المعلومات لأغراض محرّمة دولياً".
ونشرت الصحيفة تقريراً موسعاً عن القدرات الاستخباراتية التي أدّت، من بين أمور أخرى، إلى إنقاذ الأسرى الإسرائيليين الأربعة من قلب مخيّم النصيرات للاجئين، وكشفت عن لمسة أخرى من المساعدات التي قدّمتها الولايات المتحدة لإسرائيل قبل وقت طويل من الحرب.
وبحسب الصحيفة، فإن "أعضاء قيادة العمليات الخاصّة المشتركة للولايات المتحدة (JSOC) يعملون جنباً إلى جنب مع عملاء وكالة الاستخبارات المركزية (CIA) جنباً إلى جنب مع إسرائيل لغرض جمع معلومات استخباراتية في قطاع غزة، وأهمّها موقع الأسرى - بما في ذلك المواطنين الأميركيين"، مضيفة أن الاجتماعات بين أفراد قيادة العمليات الخاصّة المشتركة ونظرائهم الإسرائيليين تعقد بشكل يومي.
بالإضافة إلى ذلك، هناك عملاء لمكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) في إسرائيل يساعدون في التحقيق في جرائم حركة "حماس" ويساعدون في إعادة تأهيل الاسرى الذين عادوا.
وذكر التقرير أنّه في الأسابيع الأولى من الحرب، طلب المسؤولون الإسرائيليون من المسؤولين الأميركيين تحديد مكان الأسرى في قطاع غزة، معلومات محدّدة من الولايات المتحدة للمساعدة في سد الثغرات في المعلومات التي حصلوا عليها من مصادرهم، وشمل ذلك "أجزاء معيّنة من المعلومات".
بالإضافة إلى التقنيات والخبرة في تحليل كميّات كبيرة من الصور ما يسمح بعرض صورة أكثر تفصيلاً، بما في ذلك ثلاثية الأبعاد، لأراضي قطاع غزة.
وقال مسؤول إسرائيلي للصحيفة: "لقد زوّدونا ببعض القدرات التي لم تكن لدينا قبل 7 تشرين الأوب".
وأشار مسؤول آخر إلى أن الولايات المتحدة قدّمت "صوراً مفصّلة للغاية عبر الأقمار الصناعية"، وهو ما تفتقر إليه إسرائيل.
ولفتت إلى أن القوّات الخاصة من "JSOC" (قوّة دلتا)، التي لديها خبرة كبيرة في إنقاذ الأسرى، كانت جاهزة في تشرين الأول للانتشار في قطاع غزة لإنقاذ المواطنين الأميركيين المحتجزين لدى "حماس".
وقال أحد المسؤولين الأميركيين: "إذا تمكّنا من الحصول بشكل أحادي على معلومات يمكننا التصرّف بناء عليها، واعتقدنا أنه من الممكن إنقاذ مواطنين أميركيين أحياء، فسنتحرك. لكن لم يكن هناك سوى القليل من المعلومات المحددة بشأنهم".
وأشارت الصحيفة أيضاً إلى تقرير صادر عن موقع "HIGH SIDE"، يفيد بأن "قوّة دلتا نفّذت واحدة من أكبر عمليات الانتشار في تاريخها في تشرين الأول في أعقاب أزمة الأسرى في غزة، ولكن منذ وصول هذه القوّات إلى الشرق الأوسط - اكتشف أن فرصة إنقاذ الأسرى أحياء تتضاءل، بناءً على نوعية المعلومات الاستخبارية التي كانت متاحة آنذاك".
وأوضحت أن إنقاذ الأسرى الأسبوع الماضي اعتمد على معلومات دقيقة عن موقعهم، وكتبت أن هذا المستوى من المعلومات الاستخبارية - التي تمكّن من العمل ميدانياً - كانت تفتقده إسرائيل منذ سنوات في قطاع غزة. ويُزعم أن السبب في ذلك هو الاعتماد المفرط على التكنولوجيا والفشل في بناء شبكة من الجواسيس البشريين في الميدان.
وكانت ندرة الاستخبارات البشرية، بين أمور أخرى، مسؤولة عن فشل إسرائيل في تحديد وفهم ما كانت "حماس" تخطّط له قبل السابع من تشرين الأول.
وقد ذكر أن الجهود المبذولة لتحديد مكان الأسرى كشفت مدى أهمية الذكاء البشري. وقال مسؤولون إسرائيليون، على سبيل المثال، إن عملية انتشال جثث الأسرى من جباليا تمت بعد أن أشار أحد عناصر "حماس" إلى مكان وجودها خلال التحقيقات. ووفقاً للمصادر، أصبحت التحقيقات مع العناصر الآخرين من "حماس" عنصراً هاماً في الصورة الاستخباراتية الشاملة لإسرائيل.
ووجد محلّلو الاستخبارات الإسرائيلية قيمة في الخوادم وأجهزة الكمبيوتر والهواتف والوثائق التي تم الاستيلاء عليها من مخابئ "حماس" في قطاع غزة، وساعد المحلّلون الأميركيون في استخلاص أدلة من هذه المصادر حول مكان وجود الأسرى.
وبحسب مسؤول إسرائيلي رفيع المستوى إن دمج المعلومات التي تم الحصول عليها من السجلات الإلكترونية والمادية مع مصادر استخباراتية أخرى ساعد إسرائيل في تحديد مكان الأسرى خلال عمليتي إنقاذ في الماضي (ربما إنقاذ لويس هار وفرناندو مارمان، وأوري ماجيديش).
ونقلت "واشنطن بوست" عن مسؤول استخباراتي إسرائيلي كبير شرح بالتفصيل كيف غطّت إسرائيل قطاع غزة بالمراقبة الإلكترونية، وفي بعض الحالات تعقّبت أعضاء "حماس" من خلال هواتفهم.
وقال المسؤول: "كنا موجودين في كل حمام في غزة. إذا نمت مع زوجتك - سمعناك".
لكن هذه القدرات أدّت إلى الإفراط في الاعتماد على التكنولوجيا، في حين ضمرت قدرات إسرائيل التحليلية. وقال عضو سابق في 8200 إنّه كان من المعتاد في الماضي إجراء محادثات منتظمة مع زملاء من الموساد والشين بيت- الشاباك، لكن هذا "تغيّر في السنوات الأخيرة".
ومع ذلك، قال الناطق باسم الجيش الإسرائيلي لـ"واشنطن بوست" إن هذه انتقادات كاذبة وتضر بالمجهود الحربي للجنود الذين يعملون منذ ثمانية أشهر في الساحات القريبة والبعيدة لمساعدة القوات على الأرض،و جواً وبحراً ولحماية شعب إسرائيل".
وأشار إلى أن مسؤولي الاستخبارات الإسرائيلية كانوا محصورين في مفهوم مفاده أن حماس مهتمة بالثراء والسيطرة على غزة أكثر من مهاجمة إسرائيل.
واعترف مسؤول استخباراتي إسرائيلي كبير سابق: "اعتقدنا أنهم لن يجرؤ على مهاجمتنا".
وشدّد المسؤولون الأميركيون والإسرائيليون على أن أي معلومات استخباراتية تقدّمها الولايات المتحدة أو تتيح لإسرائيل الوصول إليها، في أي حال من الأحوال، لن تستخدم إلا لتحديد مكان الأسرى ومراقبة قيادة "حماس". ويجب على إسرائيل ألا تستخدم أي معلومات أميركية "عادية" لاستهداف "حماس".
ووفقاً لصحيفة "واشنطن بوست"، فإن هذه القواعد مفصلة في ترتيبات مكتوبة رسمية طويلة الأمد يتم مراجعتها من قبل المحامين في مجتمع الاستخبارات الأمريكي، إلى جانب التوجيهات الجديدة من البيت الأبيض في أعقاب 7 تشرين الأول.
لكن التقرير يلقي ظلالاً من الشك على حقيقة أن إسرائيل لا تستخدم بالفعل المعلومات الاستخباراتية الأميركية لتلك "الأغراض المحرمة".
وذكر المسؤولون أن المعلومات المتعلّقة بالمواقع المحتملة للأسرى يمكن أن يكون لها أيضاً غرض مزدوج: سيتم تطويق الأسرى من قبل عناصر "حماس" الذين يحرسونهم ويستخدمونهم كدروع بشرية؛ فالولايات المتحدة لا تستطيع ضمان عدم استخدام إسرائيل لهذه المعلومات الاستخبارية لاستهداف أعضاء "حماس" ذوي الرتب الأدنى.
وعلى أية حال، قال المصدر الذي يخدم في الوحدة 8200 إن الاستخبارات الإسرائيلية "حريصة للغاية على عدم استخدام ما تستخدمه الولايات المتحدة إذا كان ممنوعاً"، وأكد أن "التعاون جيّد جدّاً ومن المهم الحفاظ على الاتصالات المباشرة".