مع عودة المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين إلى المنطقة والخلافات الحادة التي تعصف بالمستويين العسكري والسياسي في إسرائيل، يسود في إسرائيل قلق استراتيجي، من توسع التصعيد على الجبهة الشمالية أو ما يسميه كبار الضباط السابقين والمحللين العسكريين الإسرائيليين "اتساع وتيرة التصعيد على الحدود اللبنانية"، لا سيما بعد تحذير الناطق باسم الجيش الإسرائيلي دانييل هغاري من أن "حزب الله" يضع إسرائيل على"حافة ما يمكن أن يكون تصعيداً أوسع، وهو تصعيد يمكن أن تكون له عواقب مدمرة على لبنان والمنطقة".
وفيما يحاول هوكشتاين كبح جماح إسرائيل، يرجع محللون حركته إلى خوف أميركي كبير جداً من التحول إلى حرب متعددة الساحات. ويذهب الأميركيونإلى التحذير من أن "حرباً محدودة" قد تخرج أيضاً عن نطاق السيطرة، وقد تدخل إيران والميليشيات الشيعية إلى الساحة.
التهديد الرئيسي والأكثر إلحاحاً
وكتب المحلل العسكري لصحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية رون بن يشاي: "كان يُنظر إلى الصراع مع حزب الله في بداية الحرب على أنه ثانوي، لكنه أصبح التهديد الرئيسي لدولة إسرائيل. فمحور المقاومة بقيادة إيران وحزب الله، استفاد من هجوم السابع من تشرين الأول (أكتوبر)، واعتبره فرصة لتعميق الأضرار التي لحقت بإسرائيل.
لذلك اعتُبرت الحملة النارية التي أطلقها الحزب في الشمال والحوثيون في الجنوب بمثابة أحداث ثانوية، تهدف إلى مساعدة حماس في حربها وإجبار إسرائيل على تقسيم الجيش الإسرائيلي في ثلاث ساحات، بما في ذلك الضفة الغربية. كانت النظرة الاستراتيجية في إسرائيل هي أن حماس يجب أن تُهزم أولاً عسكرياً ومدنياً في غزة، وعندما يحدث ذلك سيتم ردع حزب الله أيضاً وسيوافق على قبول تسوية سياسية تُبعد قوة الرضوان وصواريخها المضادة للدبابات عن الحدود الإسرائيلية حتى نهر الليطاني بمسافة حوالى عشرة كيلومترات".
حرب إقليمية كاملة
لكن الهجوم الإيراني على إسرائيل في نيسان (أبريل) الماضي قلب الأمور، لقد تحولت الحرب من حدث فلسطيني إسرائيلي عنيف للغاية بل ومميت، إلى حرب إقليمية شاملة، ستكون لنتائجها آثار أمنية - استراتيجية وجودية على دولة إسرائيل، بحسب بن يشاي.
ويرى بن يشاي أن "حزب الله الذي يعد رأس حربة النظام الإيراني، أصبح التهديد الرئيسي الذي يجب على دولة إسرائيل إزالته عاجلاً، لأنه يفرغ الجليل الشمالي من سكانه ويزرع الدمار والحرائق في هذه المنطقة، ويحتجز نحو 50 ألف إسرائيلي رهائن لا يستطيعون العودة إلى منازلهم إلا إذا سمح لهم نصر الله وخامنئي بذلك".
من وجهة نظر عسكرية، فقد انقلبت الأمور في الساحة الشمالية، الجيش الإسرائيلي غير قادر على تحقيق أي هدف استراتيجي مهم من شأنه أن يدفع "حزب الله" إلى المطالبة بوقف إطلاق النار، وخلافاً للتوقعات، فإن مشهد الدمار والخراب في قطاع غزة لا يردع التنظيم، فرداً على كل ضربة موجعة من جانب إسرائيل يصعد ردوده النارية.
ويضيف بن يشاي: "إذا لم تنه إسرائيل الصراع في الشمال بقرار واضح يعيد إليها قوة الردع، ليس فقط تجاه حزب الله، بل أيضاً تجاه إيران، فقد نواجه هجمات متكررة في سنوات قليلة تهدف إلى إنهاكنا عسكرياً ونفسياً وتتسبب في انهيارنا. وسوف يتفاقم ذلك عندما تمتلك إيران قريباً سلاحاً نووياً، على إسرائيل أن تغير أهداف الحرب، الشمال هو الساحة الرئيسية حالياً، ولن يكون كافياً لاستعادة الهدوء هناك توقع أن تصدأ صواريخ حزب الله وطائراته من دون طيار بمرور الوقت".
الاتفاق لن يكون كافياً
ويؤكد بن يشاي أن الوضع الذي خلقه "حزب الله" في الشمال "يتطلب تغييراً جوهرياً في ترتيب الأولويات الأمنية وأهداف الحرب، فإبعاد حزب الله عن الحدود إلى مسافة عشرة كيلومترات أو حتى أكثر قليلاً، في وضع لا يتم فيه ردع الحزب والإيرانيين، لن يغير التهديد الاستراتيجي الذي نواجهه، حتى لو أنشأ الجيش الإسرائيلي نظاماً دفاعياً ضخماً على الحدود الشمالية، كل هذا لن يزيل التهديد الحقيقي من كل النواحي: الحرب وترسانة الصواريخ والطائرات المسيرة لحزب الله وإيران". ويعتبر أن أي ترتيب دبلوماسي، أو حملة عسكرية محدودة في الشمال، بما في ذلك مناورة برية، سيكون بمثابة "الباراسيتامول لسرطان منتشر ومزمن".
ويشرح بن يشاي أن "حزب الله" وإيران اكتسبا الثقة بالنفس والدافع للمواصلة "وببساطة يجب أن نحقق نصراً استراتيجياً في الحرب المتعددة الساحات التي نخوضها حالياً. ولا يمكن أن نحقق هذا النصر بمفردنا، ويجب تنسيق تحركاتنا لتحقيق هذه الغاية مع الولايات المتحدة والدول الموالية للغرب في المنطقة، واستعادة جزء كبير من الشرعية التي فقدناها في الأشهر الأولى من القتال العنيف في غزة".
ويتساءل بن يشاي: "كيف سيبدو النصر الاستراتيجي في الحرب الإقليمية؟ الهدف الرئيسي للحرب هو خلق الردع في الشمال وتحسين الوضع الأمني، ما يسمح لسكان الحدود اللبنانية بالعودة إلى مستوطناتهم. وسواء كان ذلك نتيجة لتسوية دبلوماسية أم لتحرك عسكري واسع، الهدف الأهم هو أن لا يتمكن حزب الله من تعزيز القدرات العسكرية التي يمتلكها اليوم".
ويرى أنه "إذا قدّر الجيش الإسرائيلي أنه يمكن هزيمة حزب الله خلال فترة قصيرة من خلال هجوم جوي وبري شامل على الأراضي اللبنانية، فسنضطر إلى استيعاب وابل الصواريخ والطائرات من دون طيار، ومن الأفضل أن يحدث ذلك الآن وليس بعد عامين أو ثلاثة، عندما يمتلك صواريخ أكثر دقة، وتمتلك إيران أسلحة نووية.
لكن إذا توصل الجيش الإسرائيلي إلى أن إسرائيل غير قادرة على تقليل تهديد صواريخ الحزب والطائرات من دون طيار، فمن الأفضل التوصل إلى اتفاق حدودي الآن على غرار قرار مجلس الأمن 1701".
ويختم بن يشاي بأن "من غير المرغوب فيه أن تدخل دولة إسرائيل في حرب شاملة من دون ضمان المساعدة الأميركية بكل أنواعها، ليس فقط السياسية واللوجستية، بل المساعدة في اعتراض وابل الصواريخ والطائرات من دون طيار التي ستطلق علينا من الأراضي الإيرانية واللبنانية، وعلينا أن نتذكر أيضاً أن الحرب الشاملة لإزالة تهديد حزب الله سوف تتطلب مناورة عميقة في الأراضي اللبنانية، لكن هذه المناورة يجب أن تكون خلاقة وماكرة وجريئة بحيث تضرب النقاط الأكثر حساسية في حزب الله".