النهار

الانقسام الإسرائيلي يتعمّق... هل ينتج تسوية أم يوسّع الحرب؟
نادر عزالدين
المصدر: النهار العربي
تسود حالة من التخبّط الداخلي والانقسام بين المستويين السياسي والعسكري في إسرائيل مترافقة مع تصاعد الشعور بالإحباط من عدم وجود نهاية واضحة أو خطة في الأفق لما بعد حرب غزّة. ولعلّ أبرز التباينات التي ظهرت مؤخّراً تمثّلت في إعلان الناطق باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هاغاري صراحة أنّه "لا يمكن" القضاء على "حماس". سبق ذلك حلّ رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو لحكومة الحرب تفادياً لضمّ حلفائه من اليمين المتطرّف إليها بعد استقالة بيني غانتس ووزرائه منها.
الانقسام الإسرائيلي يتعمّق... هل ينتج تسوية أم يوسّع الحرب؟
اجتماع لحكومة الحرب الإسرائيلية قبل حلّها
A+   A-

يترافق الانقسام بين المستويين السياسي والعسكري في إسرائيل مع  شعور متزايد بالإحباط من عدم وجود أفق واضح لحرب غزّة وما بعدها. ولعلّ أبرز التباينات التي ظهرت مؤخّراً تمثّل في إعلان الناطق باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هغاري صراحة أنّه "لا يمكن" القضاء على "حماس". سبق ذلك حلّ رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو لحكومة الحرب تفادياً لضمّ حلفائه من اليمين المتطرّف إليها بعد استقالة بيني غانتس ووزرائه منها.

 

ولعلّ تغريد المؤسسة العسكريّة الإسرائيليّة خارج سرب توجّهات المستوى السياسي ليس جديداً، لكنّ الخلاف في التوجهات وطريقة إدارة الحرب بلغ مرحلة متقدّمة ومكشوفة في الأيام الماضية، إذ وافق الجيش الإسرائيلي على "هدنة إنسانية يومية" في رفح دون التنسيق مع نتنياهو، الذي نقل عنه قوله: "إسرائيل دولة لها جيش، وليست جيشاً له دولة"، لينتهي الأمر بالتراجع عن القرار.

 

بعد أيام قليلة، فاجأت تصريحات هغاري المشكّكة في الهدف المعلن للحرب المتمثّل بالقضاء على "حماس" الائتلاف الحكومي. وبشفافية غير معهودة، قال الناطق العسكري، في حديث للقناة 13 العبرية، إنّ "هذا العمل المتمثّل في تدمير حماس، وجعل حماس تختفي، هو ببساطة رمي الرمال في عيون الجمهور". أضاف هغاري: "حماس فكرة، حماس حزب. إنها متجذرة في قلوب الناس. ومن يعتقد أننا نستطيع القضاء عليها فهو مخطئ".

 

سارع نتنياهو لاحتواء ما أمكن من تداعيات هذا الكلام، فذكّر في بيان بأنّ "الجيش الإسرائيلي ملتزم بتدمير القدرات العسكرية والحكوميّة لحماس". وبرّرت المؤسسة العسكرية تصريحات هغاري بالقول إنّها تشير إلى عدم إمكانيّة "تدمير حماس كأيديولوجية وفكرة".

 

"ورطة استراتيجيّة"

ويرى المتخصص في الشأن الإسرائيلي أمير مخّول، في حديث لـ"النهار العربي"، أنّ "معظم ما يحدث في السياسة الداخلية الإسرائيلية كما في السياسة الخارجية هو نتاج الورطة الاستراتيجية في الحرب على غزة، خاصة بعدما سيطر الجيش الإسرائيلي على معظم أراضي القطاع دون أن يتمكّن من تحقيق أهداف الحرب التي يريدها نتنياهو".

 

ويقول إنّ "الجيش يعتبر أنّه قوّض قدرات حماس الحربية والسلطوية في غزة، ولم يعد بمقدور الحركة تشكيل تهديد حقيقي يشبه ما حدث في 7 تشرين الأوّل (أكتوبر)، ولا يريد بالتالي أن يتحوّل إلى شرطة في القطاع ولا الدخول في حرب استنزاف باهظة الثمن".

 

ويرى الجيش الإسرائيلي أنّ "انجاز السيطرة الكاملة على غزّة، والذي يتيح للحكومة التفاوض على صفقة تبادل أسرى ووقف النار، يتآكل ويذهب هباء من دون قرار سياسي يستثمره"، وفقاً لمخّول.

 

هذا التقدير العسكري هو نقيض رواية نتنياهو الذي لا يزال يكرر مقولتي "الانتصار الحاسم على حماس" و"الانتصار على بعد خطوة"، والذي يرفض أي وجود سلطوي للحركة أو للسلطة الفلسطينية لإدارة القطاع في "اليوم التالي"، لذا بات تكرار تصريحات الجيش الإسرائيلي أنّ "القرار بيد المستوى السياسي المطالب بأن يحسم وجهة الحرب" نمطاً سائداً في الشهر التاسع للقتال، فيما تكرّر تسريب معطيات بشأن قبول المؤسسة العسكريّة بصفقة تنهي الحرب القائمة.

 

مخاوف أخرى تواجهها قيادة الجيش الإسرائيلي، مرتبطة بشكل مباشر بجعلها كبش محرقة أمام المحكمة الجنائيّة الدولية بتحميلها منفردة مسؤولية المجازر بحق المدنيين.

 

وبهذا الشأن، يشير مخّول إلى أنّ "العمليات اليومية التكتيكية الفتاكة تورِّط الجيش وضباطه بتهم جرائم الحرب، كما أنها تتسبب في اتساع الوعي بين الجنود وعائلاتهم بأنها حرب سياسية ولا يمكن اعتبارها وجودية بخلاف ما يروج له نتنياهو، وبأن انهاء الحرب من خلال صفقة تعيد الأسرى والمحتجزين هو الإنجاز الأكبر لإسرائيل، وبأن نتنياهو يريد إطالة أمدها لدوافع سياسية وشخصية".

 

خلافات داخل الائتلاف

توازياً مع ذلك، يواجه نتنياهو أيضاً مشاكل داخل ائتلافه الذي يضم متطرّفين يمينيين يعارضون أي نوع من التسوية مع "حماس". يقول مخوّل إنّ "تبنّي رئيس الحكومة الإسرائيليّة لهذا النهج الرافض لأيّ حلّ مطروح سوى العسكري تسبب بإخفاقه" وتعثّر محادثات الهدنة بوساطة دولية منذ أشهر، بما في ذلك الاقتراح الأخير الذي طرحه الرئيس الأميركي جو بايدن.

 

وانسحب بيني غانتس، القائد العسكري السابق والمصنّف على أنّه وسطي، من حكومة نتنياهو الحربية في وقت سابق، في خطوة أرجعها إلى "الإحباط إزاء سلوك رئيس الوزراء في الحرب"، لكنّ مراقبين ومسؤولين في "حماس" يرون أنّها "جاءت بإيعاز من الولايات المتحدة" قبيل زيارة وزير خارجيتها أنطوني بلينكن إلى الشرق الأوسط في "محاولة لتطويق نتنياهو" ودفعه نحو القبول بصفقة تنهي الحرب "التي باتت تؤثّر مباشرة على مصالح واشنطن في المنطقة، والحرب في أوكرانيا، وصراعها مع الصين، وقد تمتدّ تداعياتها لتصيب مساعي بايدن للبقاء في البيت الأبيض لولاية ثانية".

 

أما في ما يخصّ المناوشات بين نتنياهو ووزير الأمن الوطني إيتمار بن غفير، وآخرها اتهامه   بـ"تسريب أسرار الدولة"، وحلّ حكومة الحرب لتفادي انضمامه إليها كما تردّد، واسترضائه لاحقاً بهيئة أمنية مصغّرة بلا صلاحيات، فيرى مخّول أنّ "مواقف بن غفير ووزير المال بتسلئيل سموتريتش وظيفية تخدم نتنياهو في مواجهة الآخرين وليست معارضة له ولحكومته".

 

صفقة أم حرب واسعة؟

ومن هذا المنطلق فإنّ رفض نتنياهو لأي صفقة حلّ "غير مرتبط بما يقال عن تهديد بن غفير وسموتريتش بالاستقالة من الحكومة، بل هو نابع عن قناعة لديه بضرورة تحقيق انتصار حتى يتمكّن من الاستمرار بالحكم، وهذا ما يؤدي به إلى اللامخرج". لكنّ عدم قدرة إسرائيل على تحقيق "النصر المطلق"، وإقرار جيشها بذلك، والانقسامات السياسية والعسكرية، والضغوط الدوليّة، قد تجعل نتنياهو "ينصاع إلى الصفقة" التي تُعدّ مفتاح التهدئة على كل الجبهات، وفقاً لمخّول.

 

لكن يبقى رفض نتنياهو لأيّ تسوية وارد أيضاً، وإمكانيّة دفع التصعيد مع "حزب الله" في الشمال للهروب نحو الأمام مرتفعة، وهذه الجبهة في حال خروجها عن السيطرة قد تؤدي إلى حرب إقليمية بأبعاد دوليّة، يقول مراقبون إنّ إسرائيل "لا تملك القدرة على مواجهتها منفردة"، ما يستدعي تورطاً عسكريّاً أميركيّاً مباشراً تسعى واشنطن جاهدة منذ أشهر إلى تجنّبه.

اقرأ في النهار Premium