مع تزايد التصريحات الأميركية الداعمة لإسرائيل إذا فكرت في الذهاب إلى "توسيع العمليات العسكرية على الجبهة الشمالية"، يرى محللون وخبراء عسكريون إسرائيليون أن غرق إسرائيل في وحل غزة، لن يجعل الجيش الإسرائيلي قادراً على مواجهة الجبهة الشمالية التي تعتبر الأصعب والأكثر حدة.
كانت التهديدات الإسرائيلية على شاكلة "أن نصر الله سيرتكب خطأ حياته" واضحة بالنسبة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت، وقيادة هيئة الأركان، لكن الحديث ينتقل الآن إلى أن لا جدوى من مواجهة كهذه، فهي لن تحقق نتائج لا يمكن تحقيقها بالطرق الدبلوماسية، إضافة إلى الثمن الباهظ الذي سيُدفع في النهاية.
حرب أو لا حرب
كتب المحلل السياسي في صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية رافيف دروكر: "لا نريد إعادة لبنان إلى العصر الحجري، ولا نريد احتلال المنطقة حتى الليطاني، يتحدثون عن مناورة برية محدودة لبضعة كيلومترات الهدف منها توجيه رسالة إلى سكان الشمال مفادها أن التهديد بالاختراق البري على نمط السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي قد أُزيل. عودوا إلى منازلكم.
هذه التطورات تجعل المناورة البرية ممكنة للمرة الأولى، لكن هذا القرار سيئ، لأن الوضع صعب ومذلّ، ومناورة على هذا النمط يمكن أن تجعله أسوأ، من الصعب رؤية كيف يمكن تحصيل أي فائدة منها، علماً بأن الناطق باسم الجيش سيعلن أنها "عملية بطولية حقيقية" للجنود، الذين قاموا باغتيال "مخربين"، وتفجير مخابئ، لكن الجيش لن يبقى في الميدان بعدها. وليس هناك مَن يريد العودة إلى خطأ الحزام الأمني".
ورأى دروكر في مقالته أنه "بعد خروج الجيش، لن يكون ممكناً الادعاء فعلاً أن تهديد الاختراق البري أُزيل كلياً، ففي كل الأحوال، ستعود الأطراف إلى الاتفاق على ترتيبات مطروحة أصلاً على الطاولة".
ولفت دروكر إلى أن "القضية الشائكة الأخرى ستكون الضربات التي ستواجهها الجبهة الداخلية الإسرائيلية التي ستكون مؤلمة، ومن الممكن أن تحوّل المناورة الصغيرة إلى حرب شاملة. ولن تستطيع إسرائيل عدم الرد بقوة على الضربات الموجهة إلى مواقع استراتيجية. وهذا الرد يمكن أن يواجه تحديات كبيرة".
وأضاف دروكر: "لبنان هو حزب الله - وحزب الله هو لبنان، هل تستطيع إسرائيل الآن.. وفي ظل أوامر اعتقال صادرة من محكمة الجنايات الدولية في لاهاي، والتسونامي الدبلوماسي ضدها والعزل غير المسبوق، أن تضرب بنى تحتية في هذه الدولة المفلسة التي يحاول العالم الغربي بكل قوته إبقاءها على قيد الحياة؟ وإذا قمنا بهذا، فما الذي سندّعيه ضد حزب الله، والضرر الذي سيُلحقه بمواقعنا الاستراتيجية التي ستحولنا إلى دولة للاستثمارات الأجنبية خلال الأعوام المقبلة؟".
وتساءل دروكر: "ما الذي يمكن القيام به فعلاً في الشمال؟
لا احتمالات جيدة، لكن الأقل سوءاً بينها، أن ينسحب الجيش أحادياً من غزة، وأن يعلن أن الحرب مع حماس مستمرة، وأننا نحتفظ لأنفسنا بحق حرية العمل والعودة عندما تستدعي الحاجة إلى ذلك. التوصل إلى ترتيبات في الشمال، وتعزيز خطوط الدفاع عن المستوطنات والخطوط الحدودية في الشمال والجنوب. هذا بعيد عن الانتصار المطلق، لكنه على الأقل ليس هزيمة مطلقة، وهو الاتجاهالذي نذهب فيه الآن".
معضلة "حزب الله"
آفي أشكنازي المحلل في صحيفة "معاريف" رأى أنه "منذ تصفية أيمن غطمة (مسؤول في الجماعة الإسلامية) بتفجير سيارته في البقاع اللبناني، يتواصل التأهب العالي في الشمال، لكن حتى الآن يعمل حزب الله بطريقة مختلفة عما عمل به في الماضي، فلم يرد بقوة رداً انفعالياً مثلما فعل سابقاً. فكل ضربة في منطقة البقاع، التي تعتبر المنطقة الاستراتيجية للحزب، ترافقت في الماضي مع رد انفعالي بنار ثقيلة نحو جبل ميرون، مدينة صفد وخطوط المواجهة في الجليل.
والسؤال الذي يشغل الآن بال منظومات الأخطار في قيادة المنطقة الشمالية: ما الذي يمر في رأس نصر الله وقادة حزب الله العسكريين؟
هل بعد اعتماد سياسة الاغتيالات من قبل الجيش الإسرائيلي، يعد الحزب عملية موضعية أليمة داخل مجال المواجهة؟ وهل يعتزم العمل خارج مدى المواجهة وتحدي إسرائيل؟ أم أنه يمتنع في هذه اللحظة عن العمل المكثف، خوفاً من أن يؤدي رده إلى تدهور التحكم بالوضع المتفجر في كل الأحوال؟
إن نصر الله غير معني في هذه اللحظة بالخروج إلى مواجهة كهذه، لحقيقة أنه ليس الوضع المثالي للخروج إلى مواجهة، علماً بأن حالة التأهب على طرفي الحدود في ذروتها وكل طرف يتابع أعمال الطرف الآخر".
وذهب عيناف شيف في "يديعوت أحرونوت" إلى أن حكومة نتنياهو لا تمتلك تفويضاً شعبياً لخوض حرب واسعة النطاق مع "حزب الله"، فهذه الحرب، في رأيه، "تحتوي على سيناريوات مرعبة حتى لو حدث 20 في المئة منها، فليس هناك شخص واحد شهد أي شيء مماثل لها.
مثل هذه الخطوة بحاجة إلى دعم شعبي وتأييد كامل، ويجب أن يكون الجنود على استعداد للتضحية بأنفسهم بينما عائلاتهم في خطر حقيقي، ونتنياهو يعمل لمصالحه الشخصية.