قضت المحكمة العليا في إسرائيل بأنه يتعين على الحكومة البدء في تجنيد طلاب المعاهد اليهودية المتزمتين دينيا (الحريديم) في الجيش، في قرار ينهي إعفاء هذه الفئة منذ فترة طويلة من الخدمة العسكرية من المرجح أن يقوض ائتلاف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
ومع وجود فرصة أمام نتنياهو للسعي إلى التوصل لحل وسط يحافظ على تماسك الائتلاف الحاكم، قال النائب العام الإسرائيلي إنه يتعين البدء على الفور في تجنيد نحو 3000 من طلاب المعاهد الدينية المتزمتين دينيا.
وصار الإعفاء، المعمول به منذ عقود والذي أعفى على مر السنين عددا متزايدا من الأشخاص، نقطة شائكة بشدة في إسرائيل مع انخراط الجيش في حرب في قطاع غزة وتزايد حدة الصراع على الحدود مع لبنان.
ماذا يحدث الآن؟
يستعد اليهود المتزمتون دينيا لاحتجاج في القدس الساعة 1600 بتوقيت غرينتش اليوم الأربعاء، للتعبير عن غضبهم إزاء الحكم الذي يشمل أيضا قطع التمويل الحكومي عن المعاهد التي لا يمتثل طلابها للتجنيد.
ويعول نتنياهو في تماسك حكومته على دعم اثنين من الأحزاب المتزمتة دينيا. وتحاول الحكومة بالفعل صياغة قانون يتوافق مع قرار المحكمة العليا دون إثارة غضب شركائه في الائتلاف.
ولا يزال مشروع القانون قيد المناقشة في الكنيست، ومن الممكن أن يقضي بتجنيد تدريجي لعدد متزايد من الحريديم في الجيش.
ويمكن للحكومة أن تروج لهذا القانون حال موافقة الكنيست عليه كدليل على أنها تنفذ حكم المحكمة مع توفير تعديلات قانونية من شأنها تخفيف التأثير على طلاب المعاهد الدينية من الحريديم.
ولكن إذا تعثر مشروع القانون ولم يبق سوى الحكم القضائي فقد يضع ضغوطا إضافية على ائتلاف نتنياهو، ما قد يدفع إسرائيل نحو إجراء انتخابات جديدة.
ماذا يكمن وراء الخلاف؟
يعود إعفاء الحريديم إلى الأيام الأولى بعد إعلان قيام دولة إسرائيل في 1948 حينما أعفى الاشتراكي ديفيد بن غوريون، الذي كان أول رئيس للوزراء، نحو 400 طالب من الخدمة العسكرية ليتسنى لهم تكريس أنفسهم للدراسة الدينية. وكان بن غوريون يأمل من خلال ذلك في حماية المعرفة والتقاليد اليهودية بعد أن كادت تُمحى خلال المحرقة النازية (الهولوكوست).
ومنذ ذلك الحين، صارت الإعفاءات مصدر إزعاج متزايد مع توسع الطائفة سريعة النمو لتشكل أكثر من 13 بالمئة من سكان إسرائيل، وهي نسبة من المتوقع أن ترتفع إلى حوالي ثلث السكان في غضون 40 عاما بسبب ارتفاع معدل المواليد بينهم.
وترتكز معارضة الحريديم للانضمام إلى الجيش على إحساسهم القوي بالهوية الدينية، وهو شعور تخشى كثير من الأسر أن يضعف بفعل الخدمة في الجيش.
ويؤدي بعض رجال الحريديم الخدمة العسكرية، لكن معظمهم لا يؤدونها، وهو شيء يشعر الكثير من العلمانيين الإسرائيليين بأنه يفاقم الانقسامات الاجتماعية.
ولا يعمل كثير من رجال الحريديم لكسب المال، بل يعيشون على التبرعات والمعونات الحكومية وعلى أجور زوجاتهم اللائي تعمل الكثيرات منهن بأجور زهيدة غالبا. ويعيش اليهود الحريديم في الغالب في أحياء معظم سكانها من المتدينين ويكرسون حياتهم لدراسة الدين.
وبالنسبة للعلمانيين الإسرائيليين الملزمين بالخدمة في الجيش والذين تسهم ضرائبهم في دعم الحريديم، فإن الإعفاءات تثير لديهم شعورا بالاستياء منذ فترة طويلة. وتزايد هذا الاستياء منذ اندلاع الحرب في غزة.
وينظر كثيرون من الإسرائيليين إلى الحرب على حركة حماس على أنها معركة وجودية من أجل مستقبل الدولة. وانضم نحو 300 ألف من قوات الاحتياط إلى القتال. وتشير استطلاعات الرأي إلى وجود تأييد شعبي واسع للغاية لإلغاء إعفاء الحريديم من التجنيد.
ما المخاطر بالنسبة لنتنياهو؟
بالنسبة لنتنياهو، فالمخاطر كبيرة. فمع أن الرأي العام يبدو مؤيدا لإلغاء الإعفاء، تضم حكومته حزبين دينيين يمكن أن يؤدي انسحابهما من الائتلاف إلى إجراء انتخابات جديدة تشير استطلاعات الرأي إلى أن نتنياهو سيخسرها.
وفي السابق، تعهد الحزبان المتزمتان دينيا، وهما حزب يهودية التوراة المتحدة وحزب شاس، بالتصدي لأي محاولات لإلغاء الإعفاء.
وأظهر البعض داخل حزب ليكود الذي يتزعمه نتنياهو عدم الارتياح أو المعارضة للإعفاء، منهم وزير الدفاع يوآف غالانت، وهو جنرال سابق وعضو بارز في حزب ليكود.