في خضمّ الحديث عن التحديات والعراقيل التي تواجه مفاوضات وقف إطلاق النار في غزّة، وأبرزها عدم رغبة بنيامين نتنياهو بإتمام الصفقة، وثبات "حزب الله" بربط ساحات القتال من غزة إلى جنوب لبنان وصولاً إلى الجولان الذي أدخله حديثاً ضمن المعادلة، بات لافتاً التركيز المتزايد للإعلام العبري على الاستعدادات التي تجريها إسرائيل لاحتمال توسّع الحرب عند جبهتي لبنان وسوريا ومواجهة "7 أكتوبر" جديد هناك.
دفاعية أم هجوميّة؟
وفي السياق جاء كشف صحيفة "معاريف" عن مناورات أجراها الجيش الإسرائيلي في الجولان استعداداً لمواجهات عسكرية متوقعة في جنوب لبنان، في مساء اليوم ذاته الذي نشر فيه "حزب الله" الحلقة الثانية من فيديو "الهدهد" الذي يتضمّن مشاهد مفصلة للمواقع العسكرية والأمنية الحساسة، وأماكن انتشار الجنود الإسرائيليين، في المنطقة نفسها.
وتوعّدت الصحيفة العبريّة بـ"مفاجآت يعدها الجيش الإسرائيلي لحزب الله بينما يواصل (الأمين العام لحزب الله حسن) نصرالله التباهي"، مشيرة إلى أنّ "الكتيبة 920 أجرت تدريبات ليومين في مرتفعات الجولان، تحاكي السيناريوهات المحتملة على الحدود اللبنانية، والتي قد تحدث في أي وقت".
والكتيبة 920 هي كتيبة مشاة تابعة للواء الشرقي من الفرقة 91، وتتكوّن من جنود احتياط من لوائي غولاني والمظليين، وتركّزت هذه التدريبات على الالتحامات المباشرة التي تُعدّ ملعب "حزب الله" كونه يقاتل بطريقة حرب العصابات لا بأسلوب الجيوش الكلاسيكيّة، إضافة إلى "تنفيذ مهمات هجومية داخل الأراضي اللبنانية واحتلالها، وتعلّم القتال في مناطق مفتوحة، وكذلك في المناطق الريفية المكتظة".
وفي إطار هذه المناورات "يغادر جنود الكتيبة منازلهم بشكل مفاجئ نحو الحدود الشمالية في سيناريو للحرب على الجبهة اللبنانية".
يعلّق خبير عسكري، رفض الكشف عن اسمه نظراً لحساسية عمله، على الأمر قائلاً: "ما نُشر عن هذه المناورة يشير إلى أنّ إسرائيل تستعدّ للتصدّي لهجوم برّي لا لشنّه".
ويوضح الخبير، لـ"النهار العربي"، أنّ "لا سيناريو حرب في العالم يتضمّن مغادرة الجنود منازلهم بشكل سريع ومفاجئ إلا إذا كان مرتبطاً بالتصدي، إذ لا يمكن أن يكون بهذا الشكل بحال تحديد ساعة صفر للحرب بشكل مسبق".
ويضيف أنّ "الجيش الإسرائيلي يحاول رفع جاهزية الاستجابة لديه في حالات الطوارئ، كمحاولة فرقة الرضوان في حزب الله اقتحام الجليل مثلاً، خاصة بعد الشهادات السيئة التي أدلى بها المستوطنون في غلاف غزّة عقب تأخّر القوات العسكرية للتدخّل يوم 7 تشرين الأول (أكتوبر)، ما ساهم بالنجاح الكبير لهجوم حركة حماس".
بدوره، يُعرب الخبير في الشؤون الإسرائيلية عادل شديد، في حديث لـ"النهار العربي"، عن اعتقاده أنّ "إسرائيل وجيشها غير قادرين على منع 7 أكتوبر جديد من جهة الشمال"، إذا أراد "حزب الله" تنفيذ هجوم يتخذ هذا الطابع.
بين الرغبة والقدرة
وإذا سلّمنا أنّ مناورات الجولان دفاعية، إلا أنّ كشف مصدر أمني إسرائيلي عن نقل أكثر من 50 ألف جندي باتجاه الجبهة الشماليّة لينضموا إلى عشرات آلاف العسكريين المنتشرين هناك بالفعل تمهيداً لحرب على جبهتي لبنان وسوريا، ليس تفصيلاً عابراً إذا صحّ، ويُنذر بإمكانيّة أن تكون إسرائيل متجهة فعلاً نحو تصعيد كبير.
وفي حين يشهد لبنان انقساماً فعليّاً بشأن فتح "حزب الله" لجبهة الجنوب نُصرة لغزّة، تزداد المخاوف من الانجرار نحو حرب مفتوحة. وأصحاب هذا الرأي يرون أنّ "إسرائيل لا يمكنها أن تقبل بهذا الواقع عند حدودها الشمالية، ولا في مستوطناتها، ولا يمكنها أن تستسلم لمعادلات جديدة"، وعلى هذا الأساس "لا بدّ من أنها ستشنّ حرباً على حزب الله تكون آثارها مدمّرة البلد بأسره".
لكن هناك رأي آخر يخالف هذه التقديرات، ويضعها في خانة الضغوط والحرب النفسية التي تحترفها إسرائيل، ويقلّل من قيمة تهديداتها.
وفي هذا السياق يقول شديد: "في بداية الحرب الحالية كان هناك توجّه واضح لشنّ حرب على لبنان، لكن بعد مرور 9 أشهر وما كشفه حزب الله من قدرات فاجأت إسرائيل خاصة ما نشره في تسجيلات هدهد 1 و2، إضافة إلى حالة التآكل في أوساط المؤسسة العسكرية، يوصلنا إلى قناعة إلى أنّه لم يعد بإمكان الجيش الإسرائيلي أن يخوض حرباً على لبنان، لا في الأسابيع ولا الأشهر المقبلة".
ويضيف الخبير في الشؤون الإسرائيلية: "نلاحظ ضغطاً من المستوطنين الإسرائيليين للذهاب باتجاه الحرب على حزب الله نتيجة المأزق الذي أوجده في الشمال"، لكنّه يرى أنّ "المجتمع الإسرائيلي والجبهة الداخلية غير جاهزين للحرب، والاقتصاد لم يعد يحتمل، والجيش وضباطه وجنوده غير جاهزين أيضاً وهم لا يريدون الدخول في حرب جديدة".
يختم شديد: "لو كانت إسرائيل قادرة على خوض حرب ضدّ لبنان لذهبت في هذا الاتجاه. والولايات المتحدة التي تعرضت مصالحها ومشروعها الاستعماري للخطر، معنية بالقضاء على حزب الله وأنصار الله وحلفائهما، ولكنها أصبحت مقتنعة بأنّ هذا غير ممكن. وبالتالي هي أمام خيارين، إما أن تتحيّن الفرصة مستقبلاً لفعل ذلك أو أن تُضطر للتأقلم مع هذا الواقع الجديد".