سيناريوات عدّة يجرى تداولها للخطوات المقبلة التي يعتزم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اتخاذها بشأن ملفات معقدة: مفاوضات وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى في غزّة، صراعه مع وزير الدفاع وقيادة المؤسسة العسكرية، معضلة الجبهة الشمالية مع "حزب الله" وقرار توسيعها من عدمه، والأهم مصير مستقبله السياسي.
بالنسبة إلى معظم وسائل الإعلام العبرية والمحللين الإسرائيليين، فإنّ ذلك كله مرتبط بزيارة نتنياهو لواشنطن ووقوفه خطيباً أمام الكونغرس ولقائه الرئيس جو بايدن، لكن لم يتمكّن أحد حتى اللحظة من تحديد سبب علمي لهذا الربط، وبقي الأمر في إطار عدد من التحليلات والتوقعات.
وبما أنّ لا أحد يعلم ماذا يدور في عقل نتنياهو، إلا نتنياهو نفسه، تباينت الاحتمالات بين عنوانين: الأوّل توسعة الحرب إقليمياً بدعم أميركي، أما الآخر فهو التوصّل إلى صفقة جزئية تُحقّق مكسباً مرحلياً لنتنياهو يساعده بالفوز في انتخابات مُبكرة للكنيست.
استبدال الضباط وتوسعة الحرب
في ما يخصّ الاحتمال الأوّل، سُرّبت معلومات عبر موقع "واللاه نيوز" عن نيّة نتنياهو استبدال رئيس الأركان الحالي هرتسي هليفي باللواء في الاحتياط إيال زمير. صحيح أنّ الموقع العبري وضع هذا الإجراء في إطار "اضطرار رئيس الحكومة إلى القيام بذلك لمواجهة الضغوط السياسية المتوقعة بحال ذهب باتجاه اتفاق هدنة طويل الأمد في غزّة"، لكن سرت مخاوف بأن يكون هذا الإجراء مقدّمة لقرار نتنياهو خوض حرب متعددة الجبهات وخاصة ضدّ "حزب الله".
أصحاب هذا الرأي يستندون إلى قرب زمير من نتنياهو، فهو كان مستشاره العسكري ويتوافق مع رؤيته كلّياً، ولدى تشكيل الحكومة الحالية جرى فرضه على وزير الدفاع يوآف غالانت مديراً عاماً للوزارة، كما أنّه متخصص بملف إيران النووي ومواجهة استراتيجية توحيد الساحات ضدّ إسرائيل. كما يلفت المتشائمون إلى رسالة بعث بها أربعة من نواب حزب "الليكود" إلى نتنياهو، وهم من المقرّبين منه أيضاً، تطالب بإقالة غالانت واستبدال هليفي وجميع الضباط "قبل الدخول في صراع كبير مع لبنان وحزب الله".
لكن للخبير في الشؤون الإسرائيليّة أمير مخول وجهة نظر أخرى بهذا الشأن، رغم تأكيده أنّ لا شيء يُمكن أن يثني نتنياهو عن القيام بإقالات وتعيينات جديدة في الحكومة والجيش الإسرائيلي إذا أراد ذلك.
يقول مخول لـ"النهار العربي" إنّ "رئيس الحكومة يمكنه إقالة غالانت وتسلّم حقيبة الدفاع مكانه واستبدال هليفي، لكن هذا لا يعني أنّ زمير سيتمكّن ببساطة من توسعة الحرب، فالقوى كثيرة ومتشعّبة داخل الجيش الإسرائيلي ومن الممكن أن يسبّب الأمر شرخاً كبيراً بينها".
ويوضح أنّ "المؤسسات العسكرية والأمنية تعدّ عدم تمكّنها من فرض عودة سكان مستوطنات الشمال إلى منازلهم خسارة استراتيجية وإخفاقاً هائلاً، كما الانكشاف لضربات حزب الله القاسية دون القدرة على وقفها. ورغم رغبتها باستعادة ما خسرته من هيبة في الأشهر الماضية إلا أنّه ليس في جعبتها حتى الآن حلول لذلك، وهي متخوفة أيضاً من تحوّل جبهة الردع إلى جبهة رعب".
كذلك، يشير مخول إلى ازدياد حالات التململ والاستياء في صفوف الجيش الإسرائيلي، والذي يُترجم بالتخلّف عن الخدمة العسكرية ورفض الالتحاق بقوات الاحتياط، إضافة إلى مشكلة خدمة الحريديم وما تسببه من جدل داخلي وضغوطات.
وفي هذا السياق، أفادت صحيفة "واشنطن بوست" في تقرير، أمس، بأنّ الجنود الإسرائيليين "منهكون وغير مستعدين لجبهة جديدة في الشمال" حيث سيواجهون "عدواً أكبر حجماً وأفضل تسليحاً وأكثر احترافية من حماس في قطاع غزّة". وأكّدت أنّ "ضربات حزب الله تعتبر تجربة بسيطة لما قد يُلحقه بإسرائيل خلال حربٍ واسعة".
ونقلت الصحيفة الأميركية عن المسؤول السابق في مجلس الأمن القومي الإسرائيلي يوئيل غوزانسكي تخوّفه من أن يكون الذهاب إلى لبنان بمثابة "فخ" يجرّ الدولة العبرية لـ"حرب مُرهقة أخرى لا نهاية لها".
حلّ الكنيست وانتخابات مُبكرة
وفي وقت لم تؤدِّ الحرب على "حماس" إلى هزيمتها، بات نتنياهو محاصر سياسياً، وقد فقد الكثير من أوراق اللعب، فهو مُقيّد حتى اللحظة باليمين المتطرّف، شريكه في الائتلاف الحاكم الذي يرفض بشكل قاطع أي حديث عن صفقة ويطالب بحلّ عسكري. ومن جهة أخرى، يريد الحريديم استكمال الصفقة، كما أنهم مستاؤون من مسألة قانون تجنيدهم، إضافة إلى أنّ المعارضة وأهالي الأسرى يضغطون بشكل كبير لإتمام تفاهم يضمن عودة من بقى حيّاً من الإسرائيليين المحتجزين لدى "حماس".
أمام هذا الواقع، كان لافتاً إعلان أفيغدور ليبرمان، زعيم حزب "إسرائيل بيتنا"، عزم نتنياهو حلّ الكنيست في بداية تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، مستدلاً على ذلك بـ"عدم مناقشة الموازنة الجديدة".
هذا التوقّع مرتبط بدرجة عالية برفض طلب رئيس الحكومة تأجيل شهادته أمام المحكمة في القضايا الموجهة ضده حتى آذار (مارس) المقبل، وإلزامه بالإدلاء بها في كان الأول (ديسمبر)، وفقاً لليبرمان.
ويرى مخول أنّ نتنياهو "يمكن أنّه يتّجه للقبول بالجزء الأول من صفقة مع حماس" يضمن فيها الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين ما يمنحه إنجازاً أمام الجمهور الإسرائيلي، وبعدها "سيعلن عن انتخابات مبكرة وليس استكمال المفاوضات".
وإذا استطاع زعيم الليكود حسم الصراع مع غالانت والجيش الإسرائيلي بتحميلهما مسؤولية الاخفاقات منذ 7 تشرين الأول (أكتوبر)، واستعادة الأسرى دون التنازل لـ"حماس"، وتحقيق نصر واضح في الكنيست يُحرّره من الالتزامات مع اليمين، يكون بذلك قد حقّق المستحيل في أحلك فترة مرّ بها خلال مسيرته السياسية.
وما قد يدفعه لقطع نصف هذا المسار على الأقل بسهولة، عمليّة نوعيّة تحظى بتأييد واسع بين الإسرائيليين وترفع أسهمه الشعبية، لذا حاول اغتيال محمد الضيف، القائد العام لكتائب عزالدين القسام، الجناح العسكري لحركة "حماس".
ولهذا سيحاول مرّة أخرى.