في الوقت الذي تعيش فيه إسرائيل تحت وطأة حرب نفسية تتواتر فيها معطيات عن طبيعة الردود المتوقعة من إيران و"حزب الله"، يتواصل القتال في قطاع غزة. وفيما تمارس الإدارة الأميركية ضغوطاً شديدة للتوصل إلى صفقة تبادل أسرى وتدخل إسرائيل أسبوعاً دراماتيكياً آخر، نقلت وسائل الإعلام عن مصادر أمنية إسرائيلية أن "إسرائيل لن تتردد في القيام بضربة استباقية في لبنان".
المنطقة بأسرها على فوهة بركان، وأي حادثة بسيطة يمكن أن تفجر حرباً إقليمية لا تريدها أميركا ولا إيران ولا "حزب الله" ولا حركة "حماس"، لكن أحداً من الخبراء والمحللين العسكريين لا ينكر أن هذا ما يريده رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وسيسعى لتحقيقه في الفترة المقبلة، بخاصة في ظل الضغط الأميركي لعقد قمة للوسطاء وإنجاز صفقة تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار الخميس المقبل.
الوسطاء إجمالاً ملوا من نتنياهو، وفهموا جيداً قيوده وتكتيكاته السياسية، وأنه سيلعب دور الصلب حتى نهاية إجازة الكنيست، وأنه ليس جدياً ولا يريد إتمام الصفقة، بل يؤخر الأجوبة عن قصد ويمنع التقدم في ما يخص محور فيلادلفيا ومعبر رفح، ويرون أن اغتيال فؤاد شكر وإسماعيل هنية كان مدخلاً آخر للتدهور الإقليمي.
منع الحرب لحماية إسرائيل
في ظل التخوفات الأميركية وصعوبة توقع طبيعة الرد وتوقيته، أرسل الرئيس الأميركي جو بايدن أسراباً وسفناً ومشاة البحرية إلى المنطقة، طائرات "الشبح" من طراز أف 22 ذات "التفوق الجوي" قطعت مسافة 10 آلاف كيلومتر من ألاسكا، وسفينة برمائية عملاقة رست في قاعدة سرية في جزيرة قبرص، وحاملة طائرات تعمل على مسافة ليست بعيدة عن إيران، هذا ما سمح بنشره عن التعزيزات الأميركية إلى المنطقة وفقاً لصحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية.
على غرار الأيام الأولى بعد هجوم السابع من تشرين الأول (أكتوبر)، وكما حدث قبل الهجوم الإيراني في نيسان (أبريل)، تعمل الولايات المتحدة على زيادة قواتها العسكرية زيادة كبيرة في الشرق الأوسط، والهدف ردع إيران ومحور المقاومة عن تنفيذ وعود الانتقام بعد الاغتيالين في طهران وبيروت، ولحماية القوات الأميركية المتمركزة في المنطقة ولمساعدة إسرائيل في صد الهجمات المتوقعة، ويستعدون للسيناريو الأسوأ...
وأشارت الصحيفة إلى أن طائرات "إف-22" تعد من أكثر الطائرات المقاتلة الأميركية تقدماً في المنطقة، وتم تطوير طائرات الجيل الخامس لتكون طائرات "التفوق الجوي"، ويمكنها المساعدة في المهمات الدفاعية بحيث "يمكن استخدامها منصة دفاعية ذات قيمة، وتضيف القدرة على المناورة وتوفر للقيادة مجموعة واسعة من الخيارات".
كما تم نقل سرب البحرية الأميركية التي تتمتع بقوة جوية إلى قاعدة برية "أقرب إلى إسرائيل"، ووفقاً لتقرير الصحيفة تم نقل نحو 12 طائرة من طراز إف/إيه-18 "سوبر هورنت" - التي تتمركز عادة على حاملة الطائرات "تيودور روزفلت" إلى بعض القواعد الجوية في المنطقة، الأقرب إلى إسرائيل والقوات الأميركية العاملة في العراق وسوريا والأردن، لكن موقعها الدقيق بقي سرياً.
وبحسب التقرير، فإن نقل السرب إلى القاعدة البرية سيسمح للطائرات بالعمل بسرعة أكبر، إذ إن حاملة الطائرات "روزفلت" الآن على مسافة أبعد بكثير من خليج عمان.
وحتى لا تترك المنطقة من دون أي حاملة طائرات، سيتم استبدال، بـ"روزفلت"، حاملة الطائرات "أبراهام لينكولن" التي تشق طريقها إلى المنطقة من المحيط الهادئ، لكن ليس من الواضح أين ستتمركز بالضبط في الشرق الأوسط.
تجدر الإشارة إلى أن تموضع المجموعة القتالية "روزفلت" التي تضم مدمرات وسفناً حربية إضافية وغواصات في خليج عمان ليس عشوائياً ويمكن أن يساعد في مراقبة النشاط الإيراني في المنطقة.
كما أن سفينة حربية ضخمة هي "يو أس أس واسب" ويطلق عليها "حاملة الطائرات الصغيرة"، تعمل في الجزء الشرقي من البحر المتوسط منذ أسابيع. وقد وصلت السفينة الهجومية البرمائية إلى المنطقة ورست يوم الأربعاء الماضي في ميناء ليماسول في قبرص. وحصلت السفينة على لقبها لأنها تحمل على متنها طائرات مقاتلة من طراز AV-8B "هارير" قادرة على الهبوط والإقلاع عمودياً، إلى جانب المروحيات القتالية ووحدة من مشاة البحرية عددها غير واضح.
كما أن الولايات المتحدة لا تهمل ساحة البحر الأحمر، حيث تمر الطائرات من دون طيار والصواريخ التي يطلقها الحوثيون تكراراً من اليمن لمهاجمة السفن التجارية وإسرائيل، ووفقاً لتقرير على موقع إلكتروني للبحرية الأميركية، فإن المدمرتين "يو إس إس لابون" و"يو إس إس كول"، اللتين انفصلتا عن المجموعة القتالية المرافقة لحاملة الطائرات "روزفلت" دخلتا البحر الأحمر.
وبالإضافة إلى القوات الجديدة التي أرسلتها الولايات المتحدة، فإن لها وجوداً دائماً في المنطقة: حوالي 2500 جندي في العراق، و900 جندي آخر في سوريا، وقوة صغيرة في الأردن.
تصعيد يتطور إلى حرب إقليمية
ورأى المحلل العسكري للقناة 13 الإسرائيلية ألون بن دافيد أن التوترات والاستعدادات للهجوم في الشرق الأوسط بلغت ذروتها، لذلك سيتعين على القيادة الإسرائيلية أن تقرر ما إذا كانت ستلجأ إلى التصعيد الذي يمكن أن يتطور إلى حرب إقليمية، مشيراً إلى أن الأميركيين يعملون على تشكيل تحالف لحماية إسرائيل مع القوات البريطانية والفرنسية والإيطالية إلى جانب دول عربية تفضل القيام بذلك في الظل.
عدد من المسؤولين الأمنيين زعموا أنها اللحظة المناسبة لشن حرب ضد "حزب الله"، دون الأخذ في الاعتبار أن هناك إرهاقاً كبيراً في صفوف الجيش الإسرائيلي، بعد عشرة أشهر من القتال العنيف. إضافة إلى أن الجيش تعلم خلال الحرب أن استهلاكه الأسلحة أكبر بكثير مما خطط له، ولا تستطيع إسرائيل أن تحضر مفاجأة كبيرة لـ"حزب الله"، فالتنظيم على علم بتفوق إسرائيل الاستخباري والجوي وقد استعد لذلك.
يمتلك "حزب الله" ترسانة تحتوي على أسلحة متطورة، بما في ذلك الصواريخ الدقيقة، والتي لم تضطر إسرائيل إلى التعامل معها حتى الآن، مر وقت طويل منذ أن استعد الجيش الإسرائيلي استعداداً صحيحاً، لكن من المتوقع أن يأتي رد "حزب الله" في كل الأحوال، يقول محللون.