في كانون الأول (ديسمبر) عام 2022، قرر رئيس الوزراء الإسرائيلي المنتخب لولاية جديدة بنيامين نتنياهو تعيين يوآف غالانت وزيراً للدفاع خلفاً لبيني غانتس رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي الأسبق.
غالانت المولود لعائلة من أصول بولندية عام 1958 بعد عشر سنوات من النكبة الفلسطينية، كان والده قناصاً في الجيش الإسرائيلي وأحد الحائزين شهادة تفوّق عسكرية في لواء غفعاتي، كما شارك في عملية "يوآف" العسكرية في صحراء النقب إبان حرب 1948 وقرر بعدها أن يسمي ابنه نسبة إليها.
يصفه بعض أصدقائه بالقائد العسكري البارع الذي يعرف كيف يقرأ ساحة المعركة، ويحدد خريطة التهديدات، والأهم من ذلك أنه يضع حلولاً جديدة لمواجهتها. وفي حين يعدّ من الضباط المتفوقين عسكرياً، إلا أن حياته السياسية تشوبها بعض الفضائح والمشكلات منذ شق طريقه إلى الأوساط السياسية عام 2015.
في 26 آذار (مارس) 2023، أعلن نتنياهو إقالته إثر تصريحاته المثيرة للجدل حول خطة الإصلاحات القضائية، إذ طالب بتجميد آلية تعديل النظام القضائي التي سعت إليها الحكومة، والتي قوبلت بمعارضة شديدة واحتجاجات شعبية واسعة. قال غالانت يومها إن دافعه هو الخشية من تهديد أمن إسرائيل بسبب الانقسام الشعبي حول هذا الملف، ليلتها خرج الإسرائيليون إلى الشوارع في ليلة عرفت بليلة غالانت.
"ليلة غالانت 2"
أمس، نسبت وسائل الإعلام الإسرائيلية عن مسؤول في مكتب نتنياهو أن رئيس الوزراء يستعد لإقالة وزير الدفاع خلال وقت قصير، وأنه يحضّر الأرضية لإطاحة غالانت وابداله بخصمه اللدود سابقاً جدعون ساعر.
ولكن صحيفة "معاريف" الإسرائيلية رأت، خلافاً للشائعات، أن جدعون ساعر على وشك تسلم حقيبة الخارجية، بعد انضمامه إلى الحكومة، وأن رئيس الوزراء يجري الآن مناقشة أمنية بمشاركة شخصيتين مركزيتين في الدراما الائتلافية الناشئة غالانت ويسرائيل كاتس.
ونقلت هيئة البث الإسرائيلية "كان" نفي مكتب نتنياهو رسمياً الأنباء عن نيته إقالة غالانت، وقالت إن المنشورات المتعلقة بالمفاوضات مع ساعر غير صحيحة، واعتبرت أن غالانت هو قناة الاتصال مع الإدارة الأميركية وإقالته ستمس بالعلاقة مع البيت الأبيض.
وبحسب المحللين والخبراء السياسيين في وسائل الإعلام الإسرائيلية، فإن أي محاولة لإقالة غالانت ستخرج الإسرائيليين من منازلهم خلال نصف ساعة للاحتجاج الواسع، و"ليلة غالانت 2 جاهزة"، فالمجموعات على تطبيقي "واتس أب" و"تليغرام" تحشد أعداداً كبيرة، والمنظمون في حالة استنفار والهواتف تكاد تنفجر من كثرة الرسائل.
وبينما يواجه نتنياهو وائتلافه معارضة شديدة وسط الإسرائيليين القريبين من أحزاب الوسط واليمين المعتدل وما تبقى من الأحزاب التي تعرف أنها من اليسار الصهيوني، يجمع كل هؤلاء على شخصية وزير الدفاع الوحيد الذي يقول لا لنتنياهو ويعارض سياسته وأسلوبه وانفراده بالقرارات بما يجعله يبدو الرجل الأوحد في الدولة وعلى عتبة أن يقلب الأمور باتجاه حكم دكتاتوري.
تتوالى النقاشات في استوديوات القنوات الإخبارية وتحديثات المراسلين السياسين الذين تحدثوا عن تأجيل جلسة المجلس الأمني السياسي المصغر الكابينيت، وعما إذا كان نتنياهو سيتمكن من استكمال جولة التعيينات وإعلانها أمام مجلس الوزراء. ويعتقد أن إبعاد غالانت وسط عملية تغيير واسعة لحقائب وزارية أخرى سيكون وقعه أسهل وأقل شدة على الإسرائيليين.
لكن السؤال الأبرز: ما هو موقف سارة نتنياهو من عودة ساعر وإقالة غالانت وهي صاحبة التأثير الأكبر والقرار الحاسم والأخير؟
فوضى
زعيم حزب "المعسكر الوطني" الوزير السابق بيني غانتس علق على التسريبات بقوله: "بدل أن ينشغل نتنياهو بالانتصار على حركة "حماس" وإعادة الأسرى والمحتجزين الإسرائيليين، والحرب ضد حزب الله وعودة سكان الشمال، ينشغل في مؤامرات سياسية قذرة واستبدال وزير الدفاع قبل الحرب الشديدة في الشمال".
وحاولت القناة "12" الإسرائيلية الإجابة عن السؤال: "لماذا يسعى نتنياهو لإقالة غالانت؟".
ورأت أن غالانت يريد إنهاء الحرب والتوصّل إلى صفقة تبادل الأسرى مع حركة "حماس" والتسوية مع "حزب الله"، وهذا ما لا يريده نتنياهو في الأمد القريب، وهو بات الشخصية الوحيدة التي تواجه رئيس الوزراء وقرارته بشأن إدارة الحرب وقضايا أخرى كتجنيد المتدينين المتشددين الحريديم، لذلك يريد نتنياهو التخلّص منه.
كما أن غالانت يحظى بشعبية واسعة منذ اندلاع الاحتجاجات والتظاهرات على خطة الإصلاح القضائية في أوساط اليمين المعتدل والوسط، ويحظى كذلك بثقة قيادة الجيش، وهذا يعرقل سيطرة نتنياهو على مجريات الأمور.
الخلاصة أن نتنياهو يخطّط للحفاظ على حكومته حتى الرمق الأخير، ووجود غالانت وزير دفاع يزعزع ذلك، ولكن إقالته في هذا التوقيت قد تُخرج مئات آلاف الإسرائيليين إلى الشوارع وتفتح باباً لم يتوقعه.