هل كانت عملية اغتيال قائد منظومة العمليات الخاصة في "حزب الله" ابراهيم عقيل وقادة آخرين في الضاحية الجنوبية لبيروت، وبعد تفجير أجهزة النداء "البيجير" واللاسلكي والمجازر التي تسببت بها، محاولة إسرائيلية لإخراج الحزب من قواعده وتغيير الواقع على الجبهة الشمالية؟
تسببت الضربات القاسية للحزب في الأيام الأخيرة بأضرار جسيمة على مستوى كوادره البشرية، لكنها لم تؤد بعد إلى المنعطف الاستراتيجي المأمول إسرائيلياً. ويبدو أنه على رغم الضرر الذي لحق به، فإن "حزب الله" لا يزال متمسكاً باستراتيجيته القائمة على معادلة عدم وقف "جبهة الإسناد" قبل وقف حرب غزة، ما يترك إسرائيل أمام معضلة ما إذا كان سيتم تكثيف الهجوم عليها، وإلى أي مدى، مع احتمالات التحول إلى حرب شاملة.
يُظهر الاغتيال استعداداً إسرائيلياً لتحمل مخاطر كبيرة، ويلاحظ أن تل أبيب تتعمد زيادة الأخطار واستفزاز "حزب الله"، وأنها تسعى إلى حشره في الزاوية من أجل التوصل إلى اتفاق يسمح بإخراج قواته من الحدود وعودة سكان الشمال إلى منازلهم.
الاتفاق أو التصعيد
اعتبر المحلل العسكري لصحيفة "اسرائيل اليوم" يوآف ليمور أن "اسرائيل تسعى إلى إلغاء سياسة المعادلات في الشمال، التي من مزاياها تحديد أساليب العمل، وإلغاء سياسة معادلة المناطق وطرق العمل المحددة والمقيدة، وحرمان حزب الله من أصول مهمة.
لكن لهذه السياسة مساوئها أيضاً والتي تتمثل في فقدان الأوراق التي كان من المفترض أن تستخدمها في الحرب، بخاصة في احتمال أن يحشر التنظيم في الزاوية ويبدأ حرباً شاملة ستكون تكاليفها باهظة على الجانب الإسرائيلي".
وكتب ليمور: "يمكن تفسير الأمور بشكل مختلف، بينما تبحث إسرائيل عن نتائج لتغيير الواقع في الشمال، فإن حزب الله مرتاح في الواقع للإبقاء على الواقع كما هو، أي استيعاب الأضرار الجسيمة التي لحقت بالناس والممتلكات، وهو ما يفسر بأنه ضرر تكتيكي مؤلم لكن يمكن تحمله، شرط أن يحافظ على الإنجاز الاستراتيجي المتمثل في «احتلال» الجليل، وهو أمر لا يطاق من وجهة النظر الإسرائيلية، كما أوضح الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله انه سيواصل العمل وإسناد غزة، ما يعني أن المحاولة الإسرائيلية للتفريق بين الساحات لن تنجح".
ورأى ليمور أنه رغم أن "حزب الله أصبح في موقف دفاعي بشكل واضح في الأيام الأخيرة بسبب الضربات التي تلقاها، إلا أنه يظل صاحب اليد العليا، ويتعين على إسرائيل أن تقرر كيفية المضي قدماً. فيما لا تزال المعركة مستمرة في غزة في الخلفية، وفي ظل نشاط عسكري مكثف في الضفة الغربية، الى جانب ضغوط دولية شديدة - بخاصة من الولايات المتحدة وفرنسا - لتجنب التصعيد في الشمال.
تصعيد قد يصل الى غزو بري".
ويبدو أن التهديد الأكثر فعالية الذي يمكن أن تستخدمه إسرائيل الآن هو الغزو البري لجنوب لبنان، الأمر الذي من شأنه أن يحرم "حزب الله" من لقبه الأثمن "المدافع عن لبنان"، بحسب ليمور.
وخلال الأيام الأخيرة لمح الجيش الإسرائيلي أكثر من مرة إلى أن الاستعدادات للغزو البري قد اكتملت، لكن المعضلة هنا واضحة على خلفية تكاليف الحرب (التي كان حزب الله يستعد لها منذ سنوات، من خلال تحصين القرى اللبنانية شمال الحدود)، إضافة الى ذلك هناك الخوف من اقتراب فصل الشتاء. وبالطبع هناك الاحتمال الحقيقي بأن تؤدي العملية البرية إلى اختلال توازن "حزب الله"، ولكنها قد تؤدي أيضا إلى معركة شاملة، تنضم إليها إيران والقوات التابعة لها العاملة في سوريا والعراق واليمن.
في القيادة الشمالية يدفعون من أجل مثل هذه الخطوة منذ أشهر، تابع ليمور، الأمر الذي تم منعه حتى الآن من المستوى السياسي، لكن يبدو أن إسرائيل لا تزال تختار النشاط الذي لا يتضمن وجوداً على الأرض (المقصود أنها تفضل الضربات الجوية)، ما يعني أنها ستواصل محاولاتها لحرمان "حزب الله" من أصول كبيرة من الأفراد والسلاح.
وخلص ليمور إلى إن تحركات إسرائيل الأخيرة قد تؤدي إلى حرب شاملة تتطلب منظومة أوسع لاتخاذ القرار على المستوى السياسي أكثر من تلك التي يتمتع بها الثنائي رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو – ووزير الدفاع يوآف غالانت (مع وزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر وجزئياً وزير الخارجية إسرائيل كاتس)، فالحكومة هي المخولة إصدار الأمر بالحرب.
اضافة الى كل ما سبق، تجدر الإشارة إلى وجود خلافات بين المستويات والأجهزة الاسرائيلية المختلفة، وداخل هيئة الأركان إذ يطالب قائد سلاح الجو تومير بار وقائد القيادة الشمالية أوري غوردين بشن عمليات أشد حزماً، لكن هل يمكن استغلال الحالة التي وصل إليها الحزب للمخاطرة بحرب إقليمية من أجل استهداف قدرات "حزب الله" الهجومية والقضاء على قوته العسكرية، إذا لم يسحب مقاتليه الى شمال الليطاني؟ كثيرون في القيادة الاسرائيلية لا يعارضون بالضرورة سيناريو كهذا بعد عام محبط من دون حسم!