يأتي التصعيد الكبير في الحرب الإسرائيلية على لبنان بعد المصادقة على الخطط العمليّاتية الإضافية للجيش الإسرائيلي خلال الساعات الـ24 الماضية، إذ تمّ اتخاذ القرار برفع مستوى التصعيد ضدّ "حزب الله" تدريجياً، لكن من دون الدخول في حرب شاملة، وذلك "بهدف الاستمرار في تقويض القدرات العملياتية" للحزب. وهي خطط تم إعدادها مسبقاً، بحسب مصادر أمنية إسرائيلية.
وبتعبير هيئة البث الإسرائيلية (كان)، فإنّ "القصد هو توسيع إطلاق النار، وبدء عمليات هجومية، بغض النظر عن عمل حزب الله". ووصفت الهجمات بأنها قد تكون "استباقية وواسعة النطاق".
ولفتت إلى إدراك الجيش الإسرائيلي أن "هذا يمكن أن يؤدي إلى التصعيد، لكنها الطريقة الوحيدة لوضع التنظيم في مأزق وربما دفعه إلى وقف إطلاق النار".
وذكرت الهيئة أن القرار الذي تم التوصل إليه بالاتفاق بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت ورئيس هيئة أركان الجيش هيرتسي هاليفي "يهدف إلى رفع مستوى النشاط تدريجياً من دون الدخول مباشرةً في حرب شاملة".
وذكرت "كان" أن "أصواتاً مختلفة تُسمع في غرف النقاش، وتدور لعبة شدّ الحبل بين مختلف الأطراف"، ولكن هناك "إجماع واسع على الاستعداد لأخطار متزايدة في لبنان، حتى لو كان ذلك يعني الانزلاق إلى الحرب الشاملة".
وعما إذا كان التوصّل إلى اتفاق وحلّ دبلوماسي من شأنه أن ينهي التصعيد الحالي إزاء "حزب الله"، نقلت القناة عن مسؤول وصف برفيع المستوى إن "القطار يسير بكل قوته على الطريق العسكري"، وأن استهدافات الجيش تركّز "حصرا على حزب الله" في لبنان"، لكنه نقل عن مسؤول أمنيّ قوله إنّ "كل الخيارات مطروحة على الطاولة" في إشارة إلى أن دائرة الاستهداف الإسرائيلية قد تطال كذلك أهدافاً أخرى كأصول للدولة أو الجيش اللبنانييْن.
وذكرت "القناة 12" العبرية أن نقاشات مكثفة تجرى على المستويين السياسي والأمني، بشأن استمرار المعركة ضد "حزب الله"، وشدّد المسؤول الأمني ذاته على أنه "في الوقت الحالي، لا إمكانية للتوقّف والتوصل إلى تسوية مع حزب الله".
صحيفة "يديعوت أحرونوت" نقلت عن ضباط كبار في الجيش الإسرائيلي قولهم: "كنا نستعد لهذه الهجمات منذ سنوات، ويتم التحقيق في كل هدف من الحصن والقيادة الشمالية، هكذا تسير موجات الهجوم".
وتابعت الصحيفة أن التحضير لهذه العمليات يجرى منذ سنوات في شعبة الاستخبارات العسكرية والقيادة الشمالية والقوات الجوية، و"شملت هذه العملية مئات الطائرات المقاتلة التي هاجمت في الوقت نفسه البنى التحتية لكشف عناصر الحزب وإطلاقهم".
وقدم المسؤولون الأمنيون نظرة من وراء الكواليس على موجات القصف الضخمة التي شنها الجيش في الأيام الأخيرة، ثلاثة منها بدأت اليوم، إذ تم بحسب الجيش، مهاجمة أكثر من 800 هدف، وأوضح المسؤولون الأمنيون الذين تحدثوا للصحيفة أن "كل منزل أو موقع تعرض للهجوم هو منزل فيه عبوة ناسفة".
ووفقاً لهؤلاء المسؤولين، فإن "الأهداف التي تقصفها مئات الطائرات المقاتلة التي تهاجم في وقت واحد في كل أنحاء لبنان، وليس فقط في جنوب البلاد، يتم التحقق منها من قبل مسؤولين في الجيش الإسرائيلي والقيادة الشمالية، ويتم توجيه الهجمات من خلايا الهجوم التابعة للقوات الجوية وفي مركز القيادة الشمالية، حيث قائد القيادة الجنرال أوري غوردين، بينما يتابع العمليات رئيس هيئة الأركان من مقر وزارة الدفاع في الكيرياه".
وحث الجيش الإسرائيلي المواطنين اللبنانيين على الابتعاد عن المباني المعروف أنها تحوي أسلحة "حزب الله" بعدما اخترق محطات إذاعية لبنانية. كما وجه رسائل إلى المدنيين، بما في ذلك في العاصمة بيروت، تحثهم على الإخلاء الفوري. وبحسب المعلومات تم تلقي أكثر من 80 ألف مكالمة مشبوهة، طلبت فيها إسرائيل من المواطنين الإخلاء.
وذكر مصدر أمني في الجيش الإسرائيلي أنه "ربما لم تأت الذروة بعد... الجيش سيشن خلال الساعات المقبلة هجوماً واسع النطاق". ووفقاً للمصدر نفسه، فإن رد "حزب الله" المحتمل قد يشمل أيضاً توسيع دائرة النار، وربما يشمل "أهدافاً مختارة في تل أبيب".
ورأى المحلل العسكري لصحيفة "هآرتس" عاموس هاريئيل أن ثمة شكاً في ما إذا كان بإمكان "حزب الله" الآن تنفيذ هجوم مشابه لهجوم 7 تشرين الأول (أكتوبر)، فيما الجيش الإسرائيلي منتشر بقوات معززة على طول الحدود، وأجهزة الاستخبارات تبذل جهداً هائلاً في متابعة خططه. والأرجح أن قادة "الرضوان" خططوا لعملية انتقامية محدودة وموضعية أكثر قرباً من الحدود.
أما المحلل السياسي في القناة "13" رافيف دروكر، فاعتبر أن الفكرة التي وجهت صناع القرار الإسرائيليين لتنفيذ العمليات الأخيرة "لا تهدف إلى الحسم أو إزالة التهديد، وإنما حتى يفرضوا على حسن نصرالله قطع العلاقة بين غزة ولبنان، وأن يوقّع معنا على اتفاق منفصل ويتجاهل حقيقة أنه لا وقف إطلاق نار في غزة".
وتوقع دروكر ألا يستجيب نصرالله للشرط الإسرائيلي، وأنه "بسبب الضربات الشديدة التي تعرض لها سيصعّد هو أيضاً، وسيجعل إسرائيل تتألم ليصل إلى طاولة المفاوضات وموقفه أقل ضعفاً". ولفت دروكر إلى أن "قدرة نصرالله على إلحاق ألم بإسرائيل سهل تنفيذها نسبياً، ولا تتعلق بآلاف المقاتلين الذين أصيبوا (بتفجير أجهزة الاتصال)، وهذا لا يحتاج أيضاً إلى الكفاءة القيادية لإبراهيم عقيل".
وأضاف أن "إطلاق صواريخ ثقيلة إلى مراكز المدن الكبرى في إسرائيل سيغير المعادلة، وسيحدث على الفور ضغطاً على صناع القرار عندنا ليتحدثوا عن: اجتياح، تنظيف، تطهير، احتلال، وهي الكلمات التي نعشقها جداً".