النهار

هل يحوّل "داعش خراسان" تركيا مركزاً للتجنيد؟
سركيس قصارجيان
المصدر: النهار العربي
بالتزامن مع تراجع "داعش" في كل من سوريا والعراق، كانت الجماعة الإرهابية تعيد تنظيم صفوفها في تركيا، وهذه المرّة تحت مظلّة فرع آخر هو "داعش خراسان"
هل يحوّل "داعش خراسان" تركيا مركزاً للتجنيد؟
اعضاء في تنظيم "داعش خراسان"
A+   A-

بالتزامن مع تراجع "داعش" في كل من سوريا والعراق، كانت الجماعة الإرهابية تعيد تنظيم صفوفها في تركيا، وهذه المرّة تحت مظلّة فرع آخر هو "داعش خراسان" حيث يشكّل مواطنو آسيا الوسطى والشرقية عموده الفقري، بالإضافة إلى استقطاب الأتراك.

 

وبعد العملية الإرهابية التي وقعت قرب موسكو والمعلومات عن مرور منّفذيها عبر تركيا، نفذت  الفرق الأمنية التابعة لوزارة الداخلية التركية مزيداً من عمليات المداهمة لأوكار "داعش" في عموم البلاد، ودفعت لإصدار الرئيس رجب طيب أردوغان قراراً يلغي إعفاء مواطني طاجيكستان من سمات الدخول إلى البلاد.

 

 

لكن معلومات ووثائق حصل عليها "النهار العربي" أكّدت أنّ السلطات الأمنية والقضائية التركية رصدت نشاط التنظيم المتصاعد في البلاد وتفاصيله.

 

وتسبّب تنظيم "داعش خراسان" بمقتل أو جرح الآلاف في أفغانستان وباكستان منذ تأسيسه عام 2015. كما نفّذ هجمات في إيران وباكستان وطاجيكستان وأوزبكستان. ويهدف "داعش خراسان" إلى إنشاء ولاية خراسان التابعة لما يسمّيه بـ"دولة الخلافة"، وذلك في نطاق جغرافيا "خراسان" الاسم القديم للمنطقة التي تقع في كل من إيران وأفغانستان وباكستان اليوم.

 

عمليات أُجهضت لتأخّر الدعم اللوجستي

وبعد حرق القرآن الكريم أمام المسجد الكبير في ستوكهولم، عاصمة السويد، أصدرت سفارات أوروبية عدة تحذيراً لمواطنيها في تركيا في كانون الثاني (يناير) 2023، من احتمال وقوع هجمات إرهابية تستهدفهم بالإضافة إلى إغلاق بعض القنصليات في اسطنبول أبوابها لفترة موقتة.

 

وانتقد وزير الداخلية التركي السابق سليمان صويلو، الدول الأوروبية لإغلاق قنصلياتها في اسطنبول لأسباب أمنية، واصفاً الخطوة بـ"الحرب النفسية" ضدّ بلاده، مضيفاً أنّ معركة تركيا ضدّ "داعش" كانت ناجحة؛ وهي مستمرة.

 

لكن لائحة الاتهام التي أعدّها مكتب المدعي العام في اسطنبول، تؤكّد قيام مقاتلين من "داعش" باستطلاع المنطقة لمهاجمة القنصليتين السويدية والهولندية في اسطنبول بعد حادثة حرق القرآن الكريم في ستوكهولم، وذلك بأوامر من رستم موهجيركا، المسؤول عن التفجيرات والهجمات في "داعش خراسان"، حيث قاموا بتصوير مقاطع فيديو وتجهيز ثلاثة قوقازيين (أذربيجانيين وشيشاني) قاطنين في منزل في اسطنبول، كانتحاريين لتنفيذ المهمّة. لكن بسبب التأخّر في تأمين الأسلحة النارية والقنابل المقرّر استخدامها في الهجوم، تمّ إلغاء الخطة في اللحظة الأخيرة خوفاً من تسرّب معلومات.

 

 

قاعدة للتجنيد

وتؤكّد الصحافية الاستقصائية التركية، هالة غونولتاش، تحوّل تركيا إلى قاعدة لتجنيد العناصر لصالح تنظيم "داعش خراسان".

وفي تحقيق صحافي نشرته في صحيفة "ارتي غارتشيك" التركية في 4 أجزاء، تكشف غونولتاش أنّ التنطيم يحرص مع مسلحين أتراك،  على تجنيد أفراد من أصول آسيوية، وتحديداً من كازاخستان وقيرغيزستان وتركمانستان وأوزبكستان وطاجيكستان، من خلال وسائل التواصل الاجتماعي.

 

وحسب المعلومات التي حصلت عليها غونولتاش، فإنّ مسار "رحل الجهاد" لعناصر "داعش خراسان" يبدأ بالوصول إلى تركيا جواً من الدول المذكورة، ومن ثم الانتقال إلى سوريا والقتال فيها، وبعد العودة من سوريا، واكتساب الخبرات القتالية اللازمة، يتمّ إرسال الراغبين منهم إلى أفغانستان، كما يتمّ توفير الأسلحة للمتشدّدين الذين يستعدون لتنفيذ تفجيرات انتحارية.

 

وفقًا للائحة الاتهام، الموجّهة لـ18 متهماً من داغستان وتركمانستان وقرغيزستان وطاجيكستان وأذربيجان، مع وصول العناصر الراغبة للقتال في أفغانستان إلى تركيا، يتمّ استقبالهم من مسلحين من عناصر التنظيم مقيمين في تركيا وتوزيعهم على فنادق اسطنبول في أحياء فاتح وأكساراي وكومكابي (فندق باريس - فندق ميتروبول 2 - فندق ميتي)، وذلك بعد تزويدهم بجوازات سفر مزورة مجهّزة من قبل المقاتلين الإيغور في التنظيم، الذين يتميزون بخبرتهم في هذا المجال، وتتصدّر سوريا وولايتا عنتاب وهاتاي (لواء إسكندرون) غرف عمليات إصدار جوازات السفر المزورة.

 

أما خلال رحلة الانتقال إلى أفغانستان عبر إيران، فيتمّ منح العناصر هويات أفغانية مزوّرة لإبرازها على الحدود الإيرانية، حيث يتمّ تدريب المسلحين عبر الإنترنت على اللغة واللهجة والثقافة الأفغانية لفترة طويلة قبل وصولهم إلى تركيا.

 

تزعّم فرع تركيا في تنظيم "داعش خراسان" مواطن قرغيزي من أصل طاجيكستاني، "أ.س" (45 عاماً)، حيث انضمّ إلى "داعش" في عام 2014 أثناء قيامه بنشاط تجاري في قيرغيزستان، وكان من بين المهام الموكلة إليه استقبال المسلحين القادمين من آسيا الوسطى وروسيا (وإن بأعداد قليلة) الراغبين في التوجّه إلى سوريا وأفغانستان، من المطارات ومحطات القطار، وإيواؤهم في تركيا لفترة من الوقت، ومن ثم توزيعهم ضمن صفوف التنظيم وفق التعليمات الواردة.

 

وتقول غونولتاش: "تلقّى أ.س. تعليمات من التنظيم بالتوجّه إلى تركيا التي وصل إليها نهاية عام 2015، بشكل غير قانوني قادماً من روسيا عبر إيران، حيث قام باستئجار منزل في سيفاكوي، للإقامة وإيواء الوافدين، قبل أن يتمّ اعتقاله خلال مداهمة للشرطة وترحيله إلى مصر، التي غادرها لاحقاً إلى أوكرانيا".

وحسب تحقيق غونولتاش، فقد شارك أ.س. في صفوف تنظيم "داعش" في أوكرانيا لمدة 3 أشهر، وبعدها تلقّى تعليمات من فرع سوريا في التنظيم بمغادرة أوكرانيا إلى تركيا، وهذه المرّة بجواز سفر مزور، تمّ تأمينه من قِبل الإيغور في تنظيم "داعش" في أوكرانيا باسم "فرخود سفروف". دخل سفروف تركيا من مطار اسطنبول ويحمل خطين هاتفيين منفصلين بأرقام قرغيزية، لتلقّي التعليمات من رستم مهاجيركا، عبر تطبيق "تلغرام".

 

من زعيم لـ"داعش" في تركيا إلى متعاون مع المخابرات

فجّر التأخير في تأمين الأسلحة والمتفجّرات اللازمة لمداهمة وتفجير قنصليتي السويد وهولندا في اسطنبول والكنيس اليهودي فيها، خلافاً بين قيادة التنظيم في أفغانستان وفرع في تركيا، ما دفع بـ "أ.س." إلى اتخاذ قرار بأن يصبح "معترفاً"، وذلك خوفاً من ثأر التنظيم منه، فاتصل بالقنصلية القرغيزية في اسطنبول قائلاً إنّه يريد تقديم معلومات هامة حول الهجوم، وبمساعدة دبلوماسي في القنصلية، تمّ ربطه مع الشرطة التركية لتقديم المعلومات التي بحوزته، مقابل حماية أمنه وسلامته.

 

في اعترافاته أمام القضاء، والتي حصل "النهار العربي" على نسخ منها، كشف "أ.س" عن هوية منفّذ الهجوم الذي تبنّاه تنظيم "داعش" على مسجد شيعي في مدينة بيشاور الباكستانية، في آذار (مارس) 2022، وأدّى إلى مقتل 45 شخصاً وإصابة 65 آخرين، حيث قام شخصياً باستقباله واستئجار منزل له في إزمير كونها أهدأ من اسطنبول وأكثر أماناً لناحية عدم جذب الانتباه.

 

كما اعترف باستقباله مواطناً طاجيكياً يُدعى عبد الكريم عبد الله، وقد حصل الأخير على تدريب على المتفجرات والأسلحة في أفغانستان خلال الفترة 2010- 2011، وكان مجال خبرته الرئيسية في انتاج واستخدام المواد الكيماوية، وتمّ إرساله إلى تركيا ليعبر منها إلى سوريا، عام 2017، ومع وصوله إلى ادلب تمّ احتجازه من قبل "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة)، وتعتقد السلطات التركية أنّه لا يزال موجوداً في تركيا.

 

ومن الاعترافات الملفتة أيضاً لزعيم تنظيم "داعش خراسان" في تركيا، استقباله لشخص يُدعى عمر قادماً من أوروبا (لم يتمّ ذكر البلد) في عام 2023، وهو الذي أقام في أفغانستان في الماضي وتلقّى تدريباً على القنابل والأسلحة هناك، قبل أن يتمّ إرساله إلى موسكو من قبل المنظمة في عام 2022 من أجل تنظيم هجوم بالقنابل ضدّ ضباط الشرطة الروسية في موسكو.

 

واعترف زعيم "داعش" أيضاً بقيامه بتأمين أسلحة لعناصر "داعش" الأتراك، وأذربيجانيين وافدين من ألمانيا، وسترات هجومية تمّ إرسالها إلى روسيا (عدد 100) بعد تأمينها من متجر "مرجان تيجاريت" في اسطنبول، بالإضافة إلى إرسال الأسلحة إلى طاجيكستان عن طريق وضعها في غسالات يتمّ شحنها إلى ذلك البلد.

 

السجن 3 سنوات

وحسب غونولتاش، فإنّ التنظيم وبعد خسارته لمواقعه في العراق وسوريا، عبر الآلاف من أعضائه إلى تركيا من الحدود السورية، حيث يواصل غالبية عناصر "داعش" حياتهم فيها بهويات مزورة أعدّها التنظيم. وحصل بعض المسلحين على الحماية الدولية من مديرية إدارة الهجرة ببطاقات هوية مزورة. ولا يزال بعضهم يعيش في البلاد بشكل غير قانوني، بدعم من عناصر "داعش" الأتراك، ومن يتمّ ترحيلهم يعودون إلى تركيا بجوازات سفر مزورة صادرة عن المنظمة. وبحسب القضاة وأعضاء النيابة العامة، لا يمكن الحديث عن معركة منسقة ضدّ الإرهاب من قبل المخابرات والدرك والشرطة، بخاصة في الفترة التي سبقت الانتخابات العامة في 14 أيار (مايو) 2023.

 

وتضيف غونولتاش: "بسبب غياب التنسيق، هناك تردّد داخل الوحدات الأمنية في اتخاذ إجراءات ما لم تصل شكاوى أو بلاغات. السلطات العامة والحكومة لا تعتبر المنظمات المتطرفة تهديداً رئيسياً".

 

وبحسب إفادات لأعضاء في السلطة القضائية، حصلت عليها غونولتاش خلال استقصائها حول نشاط "داعش خراسان"، فإنّه "خلال محاكمة أحد عناصر "داعش" سواءً كان قيادياً في التنظيم أم لا، لا تؤخذ في الاعتبار الجرائم التي ارتكبها في سوريا والعراق وآسيا الوسطى وأفغانستان. ويُحكم على المتهم الذي يُحاكم بجرائم مثل العضوية أو القيادة في تنظيم "داعش" الإرهابي المسلح، بشكل عام بالسجن لمدة 6 سنوات، كحدّ أقصى 7 سنوات، إذا لم يستفد من قانون الندم. وإذا أكمل عنصر "داعش" ثلاث سنوات من عقوبته، فيمكن إطلاق سراحه بناءً على اعتراض محاميه على "الاحتجاز الطويل". وبينما يتمّ إطلاق سراح بعض المتهمين الأجانب بشرط الرقابة القضائية ومنعهم من السفر إلى الخارج بسبب "نقص الأدلة"، يتمّ إرسال معظمهم إلى مراكز الترحيل".

الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium