النهار

نتائج الانتخابات البلدية والأزمة الاقتصادية تدفعان أردوغان إلى "مرحلة الليونة"
سركيس قصارجيان
المصدر: النهار العربي
أحدثت الخسارة المزدوجة لحزب العدالة والتنمية ومرشّحيه في الانتخابات البلدية التي جرت في نهاية آذار (مارس) الماضي، تغييراً في سياسات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الداخلية، ودفعته نحو صوغ خطاب توافقي
نتائج الانتخابات البلدية والأزمة الاقتصادية تدفعان أردوغان إلى "مرحلة الليونة"
لقاء أردوغان وأوزيل.
A+   A-
أحدثت الخسارة المزدوجة لحزب العدالة والتنمية ومرشّحيه في الانتخابات البلدية التي جرت في نهاية آذار (مارس) الماضي، تغييراً في سياسات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الداخلية، ودفعته نحو صوغ خطاب توافقي، بعد أكثر من عقد على اعتماده الاستقطاب السياسي ولغة سياسية اتّسمت بالحدّية والهجومية، على كل من يخالف آراءه وتوجّهاته.
 
للمرّة الأولى خلال مسيرته الرئاسية، أعلن أردوغان عن إطلاق "مرحلة الليونة" في السياسة الداخلية التركية، متّخذاً عدداً من الخطوات القضائية والتشريعية التي توحي بأجواء أكثر إيجابية في البلاد، مجدداً الآمال لدى الأحزاب والشخصيات المعارضة بانتهاء عهد القرارات والمحاكمات السياسية التي أوصلت العديد من البرلمانيين ورؤساء البلديات المنتخبين إلى السجون.
 
المعارضة تسعى إلى زيادة أصواتها
متسلّحاً بفوزه بمعظم البلديات الكبرى في البلاد، وتصدّر حزبه للانتخابات الأخيرة، عقد رئيس حزب الشعب الجمهوري أوزغور أوزيل سلسلة من اللقاءات، بدأها بزيارة الرئيس أردوغان أولاً، بعد 8 سنوات من آخر لقاء جمع أردوغان بزعيم المعارضة الأم في البلاد، وأتبعها بزيارة زعيم حزب الحركة القومية دولت بهجلي، الشريك غير الرسمي في الائتلاف الحكومي، بعد 7 سنوات من لقاء مماثل.
 
 
 
وعلى الرغم من الانتقادات التي صاحبت خطوة أوزيل من قِبل بعض المعارضين، الذين اتّهموه بإلقاء طوق النجاة للرئيس أردوغان بدلاً من الإطاحة به سياسياً من خلال الدعوة إلى انتخابات مبكرة، إلّا أنّ استبعاد تنحّي أردوغان عن منصبه وعجز المعارضة عن فرض انتخابات عامة مبكرة عليه بسبب افتقادها للأغلبية البرلمانية المطلوبة، وبالتالي استحالة الانتظار لأكثر من 4 سنوات ونصف السنة، في وقت تعاني فيه البلاد من أزمات سياسية واقتصادية ملحّة، تزيد من أهمّية مبادرات زعيم المعارضة "لتليين" السياسة الداخلية.
 
وعلى الرغم من تصدّره المشهد الانتخابي، إلّا أنّ حزب الشعب الجمهوري، المعارضة الأم في البلاد، يبدو مستسلماً لحقيقة إمساك الرئيس أردوغان وشريكه بهجلي بالسلطة الفعلية في البلاد، وتحكّمهما بالقضاء والقرار الاقتصادي والمالي والمعيشي، وبالتالي استحالة تجاهلهما أو تجاوزهما أثناء ممارسة السياسة الداخلية.
 
في المقابل، تحاول المعارضة إظهار قدرتها على ترسيخ وجودها خارج البرلمان، وتسلّم زمام المبادرة في إجراءات بنّاءة بالتوازي مع انتقاد الحكومة بشدّة، على أمل الحصول على المزيد من المناصرين عبر إظهار النجاح في إدارة البلديات.
 
ويرى الصحافي التركي المتخصص في السياسات الداخلية، علي كمال أرديم، في تصريح لـ"النهار العربي" أنّ "حزب الشعب الجمهوري حصل في الانتخابات الأخيرة على أصوات من ناخبي حزب الجيد، وحزب الديموقراطية ومساواة الشعوب، وعلى أصوات من ناخبي حزب العدالة والتنمية ولو بدرجة أقل، وذلك على خلفية الصعوبات الاقتصادية الكبيرة في تركيا. والآن، لكي يواصل حزب الشعب الجمهوري نموّه، من الضروري بالنسبة له أن يحصل على أصوات أكبر من ناخبي حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية".
 
ويشرح أرديم أنّه "بسبب الاستقطاب في تركيا، وبغض النظر عن سوء الظروف المعيشية، يقوم ناخبو السلطة بمنح أصواتهم في الانتخابات العامة بناءً على تفضيلاتهم الأيديولوجية، وقد وضع حزب العدالة والتنمية حزب الشعب الجمهوري في موقع العدو لسنوات، وبالتالي فإنّ خطاباً ليناً من قبل حزب الشعب يركّز على إمكان التوصل إلى حل وسط مع السلطة أو تخفيف الاحتقان في الشارع، قد يؤدي إلى تحوّل في أصوات العدالة والتنمية، تماماً مثل سياسات تحالف كمال كيليتشدار أوغلو ضمن الطاولة السداسية، والذي أكسب المعارضة أصوات بعض الناخبين القوميين والمحافظين والأكراد".
 
لكن، برأي أرديم فإنّ "الخطوات التي تقوم بها المعارضة غير صحيحة، لأنّ سبب زيادة أصوات حزب الشعب الجمهوري هو عدم الرضا عن حزب العدالة والتنمية، وهذه الأصوات لم تمنح لحزب الشعب الجمهوري من أجل المصالحة مع حزب العدالة والتنمية، بل كردّ فعل على حزب العدالة والتنمية. وفي هذه الحالة كان لا بدّ للمعارضة من إرضاء حساسية الناخبين عبر زيادة جرعة الانتقادات والتركيز على عدم كفاءة حزب العدالة والتنمية في الإدارة، ما تسبّب في أزمة اقتصادية. ومن السابق لأوانه تخفيف اللهجة الانتقادية في الوقت الحالي، في هذه المرحلة يجب أن يُسمع صوت الرأي العام والتركيز على مطالب الانتخابات المبكرة".
 
مطالب المعارضة من أردوغان
اكتفى كل من الرئيس التركي أردوغان وزعيم المعارضة أوزيل بتصريحات عامة ودبلوماسية عن اللقاء، رافضين الكشف عن تفاصيله، وذلك حرصاً على إمكان الوصول إلى تفاهمات استراتيجية في قضايا خلافية عميقة.
 
مصدر إعلامي مقرّب من حزب الشعب الجمهوري كشف لـ"النهار العربي" عن بعض تفاصيل الاجتماع، مشترطاً عدم الكشف عن اسمه، حيث أكّد "إصرار أوزيل على إزالة القيود المفروضة على الحرّيات السياسية، والإفراج عن السجناء السياسيين والعفو عن السجناء المسنين والمرضى، وكبح جماح الطرق الدينية التي باتت خارج نطاق السيطرة، مع إبداء الانزعاج من تزايد المبادرات الدينية في نظام التعليم، وتخفيف الرقابة والموافقة المركزية على المشاريع البلدية ومصادر تمويلها وتعييناتها، وتصفية الديون الكبيرة التي خلّفها رؤساء حزب العدالة والتنمية".
 
كما طالبت المعارضة الرئيس التركي بتقديم معلومات منتظمة لها في مجالات السياسة الخارجية والأمن، وطلب الآراء والتشاور بشأن القرارات المهمّة، والاستفادة من الكادر الاقتصادي للمعارضة لتحسين الوضع الاقتصادي وأخذ اقتراحاتهم في الاعتبار".
 
ويرى أرديم أنّ "مطالب الشعب الجمهوري حول الإفراج عن متظاهري غيزي وجنرالات انقلاب 28 شباط (فبراير)، ومشاكل بلديات حزب الشعب الجمهوري، هي من الأمور التي تكسبه تعاطفاً شعبياً وتؤمّن له المزيد من الأصوات".
 
هل يخفّف أردوغان من حدّة الاستقطاب داخلياً؟
أثار توزيع كراسي الجلوس خلال اللقاء جدلاً في أوساط المعارضة ومناصري حزب الشعب الجمهوري، حين تقصّد الرئيس التركي الجلوس بين كرسيين، إلى يمينه زعيم حزب الشعب الجمهوري فيما بقي المقعد إلى يساره شاغراً.
 
ومع تعالي الأصوات المنتقدة لأوزال وزيارته، بادر الرئيس التركي إلى الإعلان عن نيّته بردّ الزيارة من خلال عقد لقاء آخر، وهذه المرّة في مبنى حزب الشعب الجمهوري، مؤكّداً أهمية "التواصل مع المعارضة، لإرساء الليونة في السياسة"، فيما دفعت الانتقادات بأوزيل إلى التحذير من كون "العهود التي خلت من إمكان مصافحة المعارضة للسلطة كارثية على البلاد وديموقراطيتها"، في إشارة إلى الفترة التي سبقت الانقلاب العسكري في مطلع العقد الثامن من القرن الماضي، والاضطراب السياسي في منتصف عقده التاسع.
 
ووفق أرديم، فإنّ "أردوغان في حال اقتناعه بإمكان الحصول على مكاسب وتنازلات من حزب الشعب الجمهوري، يمكن أن يخفف من مواقفه تجاه متظاهري غيزي وقضايا أخرى. لكن السبب وراء هذا التخفيف ليس فقط حزب الشعب الجمهوري، إذ أنّ تركيا تمر بأزمة اقتصادية حادّة، وأوروبا لديها حساسية تجاه قضية غيزي وموقوفيها مثل عثمان كافالا وجان دوندار، لذا هناك حاجة إلى التخفيف لضمان تدفق أموال الائتمان من الغرب إلى تركيا".
 
ويضيف أرديم: "يحتاج أردوغان في المستقبل إلى تخفيف نسبي في الاستقطاب السياسي، لأنّ سياسات وزير المالية محمد شيمشك الاقتصادية ستزيد من حالة عدم الرضا في الشارع، فإذا انخفضت الجرعة في السياسة، تقلّ فرص المعارضة الاجتماعية في الشارع في التعبير عن استيائها بصوت عالٍ. وبعبارة أخرى، فإنّ هذا التخفيف النسبي يفيد أيضاً حزب العدالة والتنمية إلى حدّ ما".
 
ويعتقد أرديم أنّه "من خلال هذه الخطوات يسعى أردوغان أيضاً إلى تعزيز صورة أوزغور أوزيل، وهو أمر مفيد بالنسبة لحزب العدالة والتنمية، لناحية شق صفوف حزب الشعب الجمهوري، حيث توجد منافسة حالياً بين أكرم إمام أوغلو (رئيس بلدية اسطنبول) ومنصور يافاش (رئيس بلدية أنقرة) على الترشّح (للرئاسة) في انتخابات مبكرة محتملة، وإذا تمّ تضمين أوزغور أوزيل أيضاً في هذه المعادلة، فإنّ المناقشات الداخلية في حزب الشعب الجمهوري ستزداد حدّة".
 
ويختم أرديم بالقول، إنّ "أردوغان يخفّف من خطاب الاستقطاب حينما يشعر بوجود نقاط ضعف، بينما يصبح أكثر صرامة عندما يعزز سلطته، وإذا قام بتعزيز قوته مرّة أخرى خلال الأشهر المقبلة، فسوف يعود إلى خطابه حاداً مجدداً".

اقرأ في النهار Premium