النهار

‏"من دونه لا حياة هنا"... رحلة الشاي بالتلفريك في تركيا ‏محفوفة بالمخاطر (صور)‏
المصدر: أ ف ب
تتوزع عشرات خطوط التلفريك هذه التي أقامها سكان ‏محليون في قرية داجينيكسو، الواقعة على رأس أحد ‏المرتفعات المشرفة على مدينة ريزي
‏"من دونه لا حياة هنا"... رحلة الشاي بالتلفريك في تركيا ‏محفوفة بالمخاطر (صور)‏
قاسم قره عثمان يستعمل يومياً تلفريكه الذي أقامه ‏عام 1970 ‏‏(أ ف ب).‏
A+   A-
 
تنهمك سيفيلاي سين بتشغيل جهاز دفع، وما هي إلاّ 30 ثانية ‏حتى تصل ثلاث بالات ضخمة من الشاي المقطوف للتوّ، ‏محمّلة على لوح معلّق بأسلاك تلفريك يدويّ الصنع، توضع ‏بعد ذلك في مقطورة تجرّها سيارة متهالكة.‏
 

تقول المرأة الستينية وهي تتصبّب عرقاً "لم أعد أركب اللوح ‏المعلّق، فقد تعرضت لحوادث كثيرة". ولهذا السبب، باتت ‏تفضّل منذ قرابة عامين الانتقال مشياً إلى الحقل الذي تزرع ‏فيه الشاي مع زوجها، نظراً إلى عدم ثقتها بالتلفريك المتقادم ‏والصدئ.‏

وتتوزع عشرات خطوط التلفريك هذه التي أقامها سكان ‏محليون في قرية داجينيكسو، الواقعة على رأس أحد ‏المرتفعات المشرفة على مدينة ريزي في شمال شرق تركيا، ‏وتربط هذه الخطوط الطريق الرئيسية بحقول الشاي المنتشرة ‏على مدّ البصر.‏
 
 
ويقول إركان تشاليك (50 عاماً) أمام نحو ثمانية خطوط ‏تلفريك من هذا النوع يعود بعضها إلى نصف قرن على ‏منحدر تنتج حقوله مئات الأطنان من الشاي كل عام "أنا ‏أستخدم هذه الوسيلة عندما لا يكون لدي أي خيار، ومن دون ‏التلفريك، لا توجد حياة هنا".‏

وهذه الأجهزة البدائية ضرورية لنقل أوراق الشاي الذي تغطي ‏نبتاته 90 في المئة من الأراضي الزراعية في المحافظة، ‏ويستخدمها كثر من السكان للوصول إلى الحقول التي غالباً ما ‏تقع في وديان عميقة لا يمكن الوصول إليها بالسيارة أو ‏الجرار.‏
 

‏"بفضل الله" ‏
لكن الرحلة محفوفة بالخطر على هذه العربات المفتقرة إلى ‏حواف أو أي وسائل حماية أخرى، والمصنوعة من بضعة ‏ألواح خشبية متصلة بإطار معدني معلق بسلك فولاذي.‏

ومطلع نيسان (أبريل)، سقطت اثنتان من جيران سيفيلاي سين ‏من على ارتفاع نحو عشرين متراً، بفعل الطقس العاصف، ‏ولم تنجوا من الموت إلا بأعجوبة.‏

وبغضب وتأثر، يعلّق حسن أوزون، زوج إحداهما، وهي لا ‏تزال طريحة الفراش منذ خروجها من المستشفى "بفضل الله، ‏ستعاودان المشي يوماً ما".‏

وأثار الحادث ذعراً في داجينيكسو حيث تعتاش جميع العائلات ‏تقريباً من الشاي التي تبيعه لشركات هذا القطاع العملاقة، ‏ومن بينها الشركة العامة التركية "تشايكور".‏

ومن أمام منزلها، تؤكد حُرمت يلدريم (64 عاما) أنها لم تعد ‏ترغب في ركوب التلفريك "منذ وقوع الحادث". وتضيف ‏‏"الأمر يتعلق بحياتنا".‏

وقضى 18 شخصاً وأصيب المئات بجروح بين عامَي 2008 ‏و2021، بحسب غرفة المهندسين الميكانيكيين في ريزي ‏التي تقدر عدد خطوط التلفريك في هذه المنطقة الجبلية المطلة ‏على البحر الأسود بحوالى 15 ألفاً.‏
 
 
‏"جبال مكسوّة بالثلج" ‏
وقُتل منذ ذلك الحين اثنان على الأقل من سكان ريزي ‏ومقاطعة طرابزون المجاورة، أحدهما شاب في الخامسة ‏والعشرين أصيب بصعقة كهربائية في تموز (يوليو) 2023 ‏بعد ركوبه تلفريكاً محملاً بالشاي.‏

ونشر طبيبان شرعيان من المنطقة دراسة في مجلة علمية ‏تركية عام 2021 عن ثمانية حوادث مميتة لعربات التلفريك، ‏أودت ستة منها بحياة عمال شاي.‏

ولاحظ معدّا الدراسة أن "أي اختبار أو صيانة دورية لا ‏يجرى لهذه العربات المعلقة البدائية، نظراً إلى عدم وجود ‏تصريح بها".‏

وعلى مسافة ستة كيلومترات من داجينيكسو، في قرية ‏سلاميت، يواصل قاسم قره عثمان (90 عاماً) يومياً ركوب ‏تلفريكه الذي أقامه عام 1970.‏

وليس لديه خيار آخر، إذ يقع منزله على قمة تلة، ولا يمكن ‏تالياً الوصول إليها براً. وبواسطة تلفريكه، نُقلت مواد بناء هذا ‏المنزل قبل خمسين عاماً.‏
 
 
وينصح الرجل من يستقل عربة التلفريك هذه التي تبلغ مسافة ‏رحلتها 300 متر، فوق نهر وحقول شاي، بألاّ ينظر "إلى ‏الأسفل".‏

ومهما تقدّمت به السن أو عظمت الأخطار، لا ينوي الرجل ‏التسعيني مغادرة تلّته ويقول "من هناك، أرى الجبال المكسوّة ‏بالثلوج".‏
 
الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium