صمدت التجارة الإسرائيلية التركية في وجه عواصف دبلوماسية كثيرة في العقود الماضية وظلت تسير على الطريق الصحيح وبلغت مليارات الدولارات سنوياً، لكن الإسرائيليين يخشون من أنها قد لا تنجو من أحدث خلاف حول الحرب في غزة.
وأوقفت تركيا هذا الشهر جميع أشكال التجارة الثنائية مع إسرائيل حتى تنتهي الحرب وتتدفق المساعدات من دون عوائق إلى غزة. وقالت إسرائيل إنَّ الخطوة التركية تنتهك قواعد منظمة التجارة العالمية.
وسارع المستوردون الإسرائيليون إلى إيجاد مصادر بديلة لسلع تمتد من المواد الغذائية إلى الأسمنت والسيارات رداً على قرار تركيا الذي يقول اقتصاديون إنَّه قد يؤدي إلى عجز على المدى القريب، لكنه لن يؤثر سلباً على الأرجح على اقتصاد إسرائيل البالغ حجمه 500 مليار دولار.
وقال شموئيل أبرامزون، كبير الاقتصاديين في وزارة المالية الإسرائيلية الذي يعتقد الآن أن النمو الاقتصادي الإسرائيلي لعام 2024 سيتجاوز توقعاته الحالية البالغة 1.6 في المئة "تركيا شريك تجاري مهم لإسرائيل لكننا لا نعتمد حصرياً، ولو من بعيد، على تركيا".
وأضاف: "بعض البدائل قد تؤدي إلى كلفة أعلى، لكننا لا نتوقع حدوث اضطراب كبير أو مستمر في الاقتصاد الإسرائيلي نتيجة تصرفات تركيا".
وتظهر بيانات الحكومة الإسرائيلية أن التجارة الثنائية تراجعت نحو 23 في المئة إلى 6.2 مليار دولار في 2023، ومثلت الواردات الإسرائيلية نحو ثلاثة أرباع هذا الرقم.
وبعد خطوة أنقرة، قال عدد من شركات التصدير التركية لوكالة "رويترز" إنَّها تبحث عن سبل لإرسال بضائع إلى إسرائيل عبر دولة ثالثة، لكن المصدرين والمستوردين في كل من تركيا وإسرائيل قالوا منذ ذلك الحين إنَّه لا يوجد ما يشير إلى إحراز نجاح.
ويقول مسؤولون تجاريون إنَّ اليونان وإيطاليا ودولاً أخرى مستعدة لملء الفراغ الذي خلفته تركيا، وإنَّ الصفقات قريبة، لكن المشكلة الرئيسية ستكون إيجاد وجهات بديلة لأكثر من 1.5 مليار دولار من الصادرات الإسرائيلية ومعظمها من الوقود والمواد الكيميائية وأشباه الموصلات.
وقال روي فيشر، مدير إدارة التجارة الخارجية بوزارة الاقتصاد: "لا أعتقد أن الاقتصاد يجب أن يعتمد على دولة تقول في يوم ما ’نريد التجارة معكم، وفي يوم آخر تقول لا نريد التجارة معكم’".
وأضاف: "التجارة يجب أن تكون موثوقة وقادرة على الاستمرار... لذا نشعر أن هدفنا هو إيجاد مصادر موثوقة على المدى الطويل".
فتور العلاقات
انتقد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بشدة الهجوم العسكري الإسرائيلي في غزة ضد حركة المقاومة الإسلامية "حماس".
وبدأت الحرب بعد هجوم السابع من تشرين الأول (أكتوبر) الذي تمخض عن مقتل 1200 شخص واحتجاز أكثر من 250 رهينة، وفقاً لإحصائيات إسرائيلية. وقالت وزارة الصحة في غزة إن نحو 36 ألف فلسطيني قتلوا في الهجوم الإسرائيلي.
وقبل وقت قصير من اندلاع الحرب، اجتمع أردوغان ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو شخصياً، وسط تحسن بطيء في العلاقات التي ظلت متوترة لفترة طويلة بسبب القضية الفلسطينية. لكن خططهما لتبادل الزيارات تأجلت بعد ذلك.
واستدعت تركيا سفيرها لدى إسرائيل في تشرين الثاني (نوفمبر) للتشاور وتوقفت الرحلات الجوية بين البلدين. ووصف أردوغان "حماس" بأنها "حركة تحرير" واستضاف إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لـ"حماس" في إسطنبول الشهر الماضي.
ورداً على الحظر التجاري، قال وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش إنَّه سيلغي اتفاقية التجارة الحرة مع تركيا، على الأقل حتى يتنحى أردوغان ويحل محله "زعيم رصين وليس كارها لإسرائيل". وأضاف أن الخطة ستُعرض على مجلس الوزراء لإقرارها.
وتركيا هي الشريك التجاري الأول والوحيد حتى الآن، لإسرائيل الذي يعلق التجارة بسبب حرب غزة. وتحتل تركيا المرتبة الخامسة كأكبر شريك تجاري لإسرائيل، لكنها ما زالت تمثل أقل من خمسة في المئة من إجمالي وارداتها.
"ليست كارثة"
قال شاي بوزنر، نائب المدير العام لجمعية بناة إسرائيل إنَّ تركيا تمد إسرائيل بنحو 40 في المئة من الأسمنت الذي تستورده.
وأضاف أن الصناعة تتجه نحو الموردين الأوروبيين، "لكنها ستكون أغلى بكثير من تركيا" المعروفة بالمنتجات الصناعية الرخيصة. وأشار إلى أنها "مشكلة وليست كارثة".
وفي الوقت نفسه، قال اثنان من مستوردي السيارات الرئيسيين في إسرائيل إنَّ طرزا معينة من سيارات "تويوتا" و"هيونداي" عالقة في الموانئ التركية بسبب الحظر التجاري.
وقالت شركة "يونيون موتورز" التي تستورد سيارات "تويوتا" في إسرائيل إنَّ الحظر أثر على تسليم طرازي "كورولا" و"سي- إتش.آر"، وإنها تبحث عن حلول.
وقالت شركة "كولموبيل" التي تستورد سيارات "هيونداي" من تركيا إنَّها ستعلق طلبات بعض الطرازات وتعمل مع الشركة المصنعة على حلول التوريد.
وبالمثل، أوضحت شركة "دبلومات غلوبال" وهي واحدة من أكبر المستوردين في إسرائيل أنها تحاول العثور على بدائل لتركيا لجلب مجموعة من المنتجات الاستهلاكية التي تتضمن علامات تجارية مثل "هاينز" و"غيليت" و"براون" و"بامبرز".
ويقول مسؤولون إسرائيليون إنَّهم يخططون لزيادة الإنتاج المحلي لتجنب العجز. ووجد استطلاع أجرته جمعية المصنعين الإسرائيليين الأسبوع الماضي أن 80 في المئة من المصنعين لديهم بدائل لتركيا، بينما قال 60 في المئة إنَّ لديهم مخزوناً يكفي لمدة ثلاثة أشهر.
وقال رون تومر رئيس جمعية المصنعين الإسرائيليين: "على الرغم من أننا أصبحنا مدمنين على الواردات الرخيصة من تركيا لكن من الممكن أن نتدبر أمرنا بدونها... كدولة، ويتعين علينا تقليص الاعتماد على الدول المعادية قدر الإمكان وتعزيز استقلالنا الإنتاجي".