النهار

أردوغان يتودّد للمعارضة مثيراً غضب حليفه اليميني في "تحالف الشّعب" لهذه الأسباب
سركيس قصارجيان
المصدر: النهار العربي
أكدت مصادر إعلامية مقرّبة من حزب "الشعب الجمهوري"، استعداد أردوغان، في رحلة البحث عن ضمان مستقبله السياسي، لمنح الحزب 4 وزارات، باستثناء الخارجية والدفاع، وقالت إنّه سيناقش الموضوع مع أوزيل خلال زيارته المرتقبة لمقرّ الحزب، فيما لم يحصل حزب "الحركة القومية" على أي حقيبة وزارية خلال الحكومات الثلاث التي تم تشكيلها منذ انطلاق تحالفه مع أردوغان.
أردوغان يتودّد للمعارضة مثيراً غضب حليفه اليميني في "تحالف الشّعب" لهذه الأسباب
اردوغان وبهتشيلي(أرشيفية)
A+   A-
أظهرت خسارة "تحالف الشعب" المكوّن من حزب "العدالة والتنمية" الحاكم وحزب "الحركة القومية" اليميني المتطرف الانتخابات المحلّية الأخيرة في تركيا التباينات بين الشريكين في الرؤية السياسية إلى العديد من الملفّات الإشكالية في الداخل والخارج، يتصدّرها ملف القضية الكردية والنظام القضائي.
 
وفيما اختار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان نهجاً أكثر ليونة في التعاطي مع الملفات الداخلية، بقي شريكه في الائتلاف دولت باهتشيلي متمسّكاً بمواقفه المتشددة، ومحاولاً في الوقت ذاته جذب أردوغان إلى الخط التقليدي لتحالفهما القائم على إذكاء سياسات الاستقطاب.

4 وزارات للمعارضة
وأبدى باهتشيلي رد فعل عنيفاً ضد سياسة "التطبيع" التي اقترحها رئيس حزب "الشعب الجمهوري" المعارض أوزغور أوزيل على أردوغان، في أول إشارة صريحة إلى أن الأمور لا تسير على ما يرام بين الشريكين، بخاصة بعد 31 آذار (مارس).
 
فقد تجاهل الرئيس التركي مواقف شريكه، فاتحاً أبوابه على مصراعيها أمام زعيم حزب "الشعب الجمهوري" الذي خرج من الانتخابات بانتصار تاريخي للمرة الأولى منذ أكثر من ربع قرن.
وفي دليل إلى حسن نيّته بإطلاق فترة "الليونة" في السياسة الداخلية، وافق أردوغان على إطلاق سراح الجنرالات المعتقلين من المسنين والمرضى بتهمة إقرار مسار 28 شباط (فبراير) 1997، حينما أجبرت المؤسسة العسكرية رئيس الوزراء الإسلامي، الراحل نجم الدين أربكان، على الاستقالة بتأثير التدابير التي اتّخذتها تحت عنوان "محاربة الرجعية".
 
توقيع قرار العفو الذي حصل منتصف الليل، على الرغم من معارضة باهتشيلي، كان بمثابة لفتة إلى أوزيل الذي طالب بالجنرالات المنتمين تقليدياً إلى خط حزب "الشعب الجمهوري"، وربما، إعلاناً من أردوغان لبداية مرحلة تنويع الشراكات في الداخل، لضمان استمراريّته السياسية لما بعد انتخابات 2028.
 
وحل حزب "الحركة القومية" خامساً في الانتخابات المحلّية الأخيرة، متراجعاً مرتبة واحدة عن الانتخابات البرلمانية في أيار (مايو) 2023، ما زاد من الأصوات المشككة داخل حزب "العدالة والتنمية" من جدوى استمرارية الشراكة مع الحزب اليميني المتطرف مستقبلاً.
 
وأكدت مصادر إعلامية مقرّبة من حزب "الشعب الجمهوري"، استعداد أردوغان، في رحلة البحث عن ضمان مستقبله السياسي، لمنح الحزب 4 وزارات، باستثناء الخارجية والدفاع، وقالت إنّه سيناقش الموضوع مع أوزيل خلال زيارته المرتقبة لمقرّ الحزب، فيما لم يحصل حزب "الحركة القومية" على أي حقيبة وزارية خلال الحكومات الثلاث التي تم تشكيلها منذ انطلاق تحالفه مع أردوغان.

التلويح بورقة القضاء
وفي وقت تستمر فيه الدعاوى والمناقشات حول تورّط ضباط الشرطة في قضية رجل المافيا أيهان بورا كابلان ومسؤولي حزب "الحركة القومية" في قضية قتل زعيم الجناح الشبابي السابق في الحزب سنان أتيش، وهما الملفان القضائيان الأكثر تعقيداً وإثارة للجدل في البلاد اليوم، زار وزير الداخلية علي يرليكايا باهتشيلي في مكتبه في البرلمان بطلب من أردوغان، شارحاً له "أنشطة وزارته منذ تسلّمه منصبه وحربها ضد الإرهاب ومنظمات الجريمة المنظمة".
 
وبعد اللقاء، أعلن حزب "الحركة القومية" إنهاء مهمات البرلماني السابق والمستشار الحالي لكتلة الحزب البرلمانية أولجاي كلاووز، المتّهم بضلوعه في جريمة قتل أتيش، بعد أشهر من الدفاع عنه، وتفعيل الضغوط السياسية على القضاء لمنع تضمين اسمه ضمن الشهادات والاعترافات حول الجريمة، بحسب ما أفادت به زوجة المغدور، وذلك بعد إقصاء القاضي السابق الذي كشف عن عائدية السيارات التي استخدمها الجناة إلى حزب "الحركة القومية" وفق نظام تتبع لوحات السيارات.
 
وبحسب المعلومات التي حصل عليها "النهار العربي" من مصادر إعلامية متابعة لملف الدعوى، فإن التطوّر في موقف "الحركة القومية"، جاء بطلب من وزير الداخلية الذي أبلغ باهتشيلي حساسية الوضع، وإصرار حزب "الشعب الجمهوري" على المضي قدماً في الكشف عن تفاصيل الجريمة التي ارتُكبت في وضح النهار.

"تحالف الشعب" مصلحة مشتركة
تبدو خطوة استغناء "الحركة القومية" عن عدد من المسؤولين المعروفين بعلاقاتهم بزعماء المافيات أو المتورّطين في قضايا جنائية، محاولة من زعيم الحزب لتدارك الصدع واستعادة الشراكة المترنّحة مع الرئيس أردوغان، المتودد إلى حزب "الشعب الجمهوري"، من جهة، والمصرّ على المضي قدماً في سياسات الضغط على شريكه التقليدي، من جهة أخرى.
 
في المقابل، يحاول باهتشيلي تفعيل الضغوط على أردوغان من خلال منظومة البيروقراطيين المعيّنين في القصر الرئاسي بدعم منه، بهدف تطويق شريكه ومنع جنوحه عن سكّة الشراكة المستمرة منذ نحو عقد من الزمن.
 
وفي لعبة المد والجزر بين الشريكين، يعتقد الصحافي التركي المتخصص في السياسات الداخلية، علي كمال إرديم، أن "السياسات القومية لا تزال راسخة داخل المجتمع التركي، والجبهة القومية لا تزال الأوسع في السياسة التركية حتى الآن".
 
ويشرح إرديم عبر "النهار العربي" أن "شراكة أردوغان مع الحركة القومية لا تزال حاجة لكلا الطرفين، في ظل عدم وجود بديل مضمون يمكن أن يحل محل الأخيرة. ولا شك في أن هناك اختلافات في العديد من القضايا، لكن الجانبين متفقان على ضرورة استمرار التحالف السياسي بينهما".
 
ويرى الباحث السياسي التركي هاكان أرسان باش أوغلو، في حديث إلى "النهار العربي"، أن "حملات أردوغان السياسية الأخيرة تهدف إلى توريط حزب الشعب الجمهوري في المشكلات التي تعانيها البلاد، من خلال تشكيل ائتلاف كبير والتنازل عن بعض الوزارات، مقابل تحميل المعارضة الرئيسية مسؤولية الأزمات الاقتصادية والسياسية، وانتزاع ورقة استغلال هذه الأزمات من المعارضة لكسب المزيد من الأصوات".
 
ويترقب المحللون والصحافيون الأتراك زيارة أردوغان مقر حزب "الشعب الجمهوري"، الأولى منذ أكثر من 10 سنوات، وما سيُعلن بعدها، وبخاصة حول مسألة منح مقاعد وزارية للحزب الفائز بغالبية البلديات الكبرى في الانتخابات الأخيرة. كما يترقبون تصريحات باهتشيلي الممتعض من تقارب "العدالة والتنمية" والمعارضة الأم، بخاصة في ظل إصرار بعض الصحافيين المحسوبين على القصر الرئاسي أمثال عبد القادر سيلفي على ضرورة إطلاق سراح رجل الأعمال المعتقل عثمان كافالا، وهو ما يرفضه باهتشيلي رفضاً قاطعاً، ومطالبة الصحافي وأوكان مدرّس أوغلو في مقالته بالأمس، بالكشف عن كل الأوراق خلال المحاكمة في قضية اغتيال أتيش وتحقيق العدالة من خلال محاكمة المتورطين في الجريمة، مهدداً بأن "الهيكل البيروقراطي (في الحكومة) متورّط في تسريب منهجي للمعلومات والوثائق والمطالبات".
 

اقرأ في النهار Premium