النهار

الغلاء يهدّد السياحة في تركيا... والبديل هو سواحل اليونان
سركيس قصارجيان
المصدر: النهار العربي
دفع الغلاء وارتفاع تكاليف السياحة الأتراك إلى التوجّه نحو اليونان وجزرها لقضاء عطلة الأضحى، كما في عيد الفطر الماضي، لتردّ الحكومة برفع قيمة رسوم مغادرة البلاد عشرة أضعاف
الغلاء يهدّد السياحة في تركيا... والبديل هو سواحل اليونان
(تعبيرية)
A+   A-
دفع الغلاء وارتفاع تكاليف السياحة الأتراك إلى التوجّه نحو اليونان وجزرها لقضاء عطلة الأضحى، كما في عيد الفطر الماضي، لتردّ الحكومة برفع قيمة رسوم مغادرة البلاد عشرة أضعاف بعد نهاية عطلة العيد مباشرة.
 
يهدّد التضخّم ودعم العملة المحلية لأسباب سياسية بتراجع القطّاع السياحي، الذي يُعتبر أحد أبرز روافد الاقتصاد التركي، وسط تحذيرات الخبراء الاقتصاديين وأصحاب المنشآت السياحية من انخفاض عدد السياح الوافدين إلى البلاد إلى مستويات غير مسبوقة.
 
تزاحم نحو الجزر اليونانية
كما في عيد الفطر، شهدت الجزر اليونانية القريبة من السواحل التركية توافداً كبيراً لأتراك راغبين في قضاء عطلة عيد الأضحى على سواحلها، ضغطاً لتكاليف السياحة التي باتت في تركيا أعلى منها في العديد من الدول الأوروبية.
 
يروي سميح إيتش لـ "النهار العربي" تجربته في السياحة في الجزر اليونانية مع زوجته وطفليه قائلاً: "كانت زيارتي الأولى لجزيرة ميدللي في عيد الفطر، والآن أكرّر التجربة بزيارة ساكيز. فتكاليف السياحة هنا أرخص من سواحلنا، ودرجة الخدمة تكاد تكون متساوية".
 
بعد اللقاء التاريخي الذي جمع بين رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتشوتاكيس والرئيس التركي رجب طيب أردوغان في 7 كانون الأول (ديسمبر) الماضي، أعلنت أثينا في بادرة لتحسين العلاقات المتوترة بين الجارتين، منح المواطنين الأتراك سمات دخول عبر المنافذ الحدودية لعشر جزر يونانية قريبة من السواحل التركية وهي: ميديللي، ساكيز، سيسام، ليمني، ليروس، كاليمنوس، كوس، سيمي، رودوس، ميس.
 
يقارن المصرفي التركي الأربعيني بين السياحة في كل من السواحل التركية واليونانية بالقول: "الأسعار هنا أقل بين 30 إلى 50 في المئة مقارنة بالسواحل التركية، كما أن العديد من الخدمات الساحلية المدفوعة في تركيا مجانية هنا. فمثلاً، لست مضطراً لأن تدفع مبلغاً إضافياً للحصول على شمسية أو كرسي الاستلقاء، ويمكنك اصطحاب طعامك وشرابك معك، وغير ذلك من الفروقات".
 
تشترط السلطات اليونانية على كل مواطن تركي راغب بزيارة إحدى الجزر المذكورة دفع مبلغ 60 يورو للحصول على تأشيرة دخول عند وصوله إلى البوابة الحدودية، حاملاً جواز سفر صالحاً لمدة 6 أشهر على الأقل، وصورتين شخصيتين، وكشف حساب مصرفياً مدته 3 أشهر فيه رصيد كافٍ لتغطية نفقات السفر، وحجزاً فندقياً، وتذكرة رحلة بحرية، وتأميناً صحياً، ونسخة من الهوية الشخصية، ونسخة من طلب دخول، شرط عدم وجود ختم تأشيرة دخول إلى "جمهورية شمال قبرص التركية"، المعلن استقلالها من طرف واحد.
 
ولا يحق للزائر التركي التجوّل بين الجزر، فعليه اختيار جزيرة يرغب بزيارتها والبقاء فيها 10 أيام في حدّ أقصى.
 
 
 
وتشير الأرقام الرسمية اليونانية إلى تضاعف عدد الزوار الأتراك للجزر المذكورة خلال عيد الفطر بأكثر من 10 أضعاف مقارنة بالعام الماضي (قبل تطبيق التأشيرة على الحدود)، ومتوقّع أن تصل النسبة إلى 25 ضعفاً في العيد الحالي، ما دفع بجزر يونانية أخرى إلى الضغط على الحكومة للحصول على استثناء مماثل.
 
 
يقول ايتش: "هذه الجزر في الأصل ليست موجودة على الخريطة السياحية اليونانية، بل يتجاوز عدد سكانها المئات، ولا يقصدها السياح اليونانيون لبعدها عن اليابسة اليونانية، لذا فلن تجد فيها فروعاً لمطاعم أو مقاهٍ عالمية معروفة ومنتشرة في باقي المناطق السياحية حول العالم، إلّا أنها تحوّلت إلى وجهة محببة للأتراك".
 
 
السواحل الأوروبية بدلاً من المحلية
كشفت دراسة أجرتها مؤسسة "ويتش" البريطانية في بداية العام الجاري حول تكلفة العطلة الصيفية، ارتفاع تكاليف السياحة في تركيا لتصبح أعلى من اليونان وإسبانيا وإيطاليا.
 
ووفقاً لبحث أُجري اعتماداً على 4500 رحلة سياحية من 15 دولة، فإن السفر إلى كوستا برافا في إسبانيا وأمالفي في إيطاليا أرخص من التوجّه إلى السواحل البلغارية والتركية. كما أن أرخص باقة سياحية شاملة تذكرة الطيران والتنقل والإقامة كانت إلى جزيرة كاليمنوس اليونانية، مقابل 847 جنيهاً إسترلينياً. وغابت الوجهات السياحية التركية من لائحة أفضل 10 رحلات سياحية رخيصة الثمن.
 
وتؤكّد الصحفية أوزليم غورسيس، الموجودة في مدينة سيلانيك اليونانية الساحلية لقضاء العطلة، أن "أسعار الإقامة والطعام وحتى التنقّل هنا أرخص من مثيلاتها في تركيا، مع تنوّع الخيارات بدءاً من الشواطئ ذات 5 نجوم وصولاً إلى الشواطئ الشعبية".
 
وتورد غورسيس مثالاً لفاتورة مطعم في شاطئ سيلانيك قائلة: "تناولنا غداءً لثلاثة أشخاص مع مشروبات غير كحولية بـ 50 يورو، وهي تكلفة غداء لشخص واحد على الشواطئ التركية تقريباً".
 
فضّل داغلار شيشكين قضاء عطلة العيد على ساحل "داليان" في موغلا، وهي إحدى الشواطئ المحببة للسياح البريطانيين بشكل خاص، وتتميز بالبحيرات الجبلية المطلّة على البحر. يروي شيشكين لـ "النهار العربي"، أن الشاطئ في هذا العام خلا تقريباً من البريطانيين، "إلّا ما ندر".
 
ويورد شيشكين شكوى أحد السياح الإنكليز من ارتفاع تكاليف السياحة في تركيا قائلاً: "عندما استفسرت عن سبب إحجام السياح الإنكليز عن المجيء، أبدى السائح المسن استغرابه من أن ثمن المشروبات الكحولية على الشاطئ أعلى من ضعف مثيلاتها في لندن".
 
أرقام رسمية مغلوطة
أعلن المركز الرسمي للإحصاء في تركيا (TUIK) ارتفاع إيرادات السياحة في الربع الأول من العام الجاري بنسبة 5.4 في المئة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، متجاوزة 8 مليارات دولار. وتأمل الحكومة التركية في "بلوغ رقم قياسي" للسياحة هذا العام والوصول إلى عائدات تتجاوز 60 مليار دولار، بعدما تجاوز عدد زوار البلاد 56 مليوناً، بحسب الأرقام الرسمية.
 
لكن أرقام اتحاد أصحاب الفنادق الأتراك يدحض الأرقام الرسمية. فبحسب بيانات الاتحاد، انخفض معدل الإشغال الفندقي في إسطنبول من 74.6 في المئة في عام 2022 إلى 65.2 في المئة في عام 2023، كما انخفض معدل الإشغال الفندقي في أنطاليا من 62.2 في المئة في عام 2022 إلى 56.2 في المئة في عام 2023. وانخفض معدل الإشغال في جميع أنحاء تركيا من 53.6 في المئة في عام 2022، إلى 49.1 في المئة في العام الماضي.
 
ويشرح الصحفي الاقتصادي مراد مراد أوغلو التناقض بين البيانات الرسمية والنقابية قائلاً: "الأرقام الرسمية تعتبر كل داخل إلى البلاد سائحاً، وتضمّنه في إحصاءاتها. وبذلك، فإن طالبي اللجوء وركّاب الترانزيت والوافدين اليوميين من الدول الحدودية للتسوّق، باختصار، كل من يمرّ عبر البوابات الحدودية، يُعتبر سائحاً بالنسبة للحكومة، وهؤلاء يظهرون في الأرقام كسياح رغم عدم ممارستهم أي نشاط سياحي".
 
 
يضيف مراد أوغلو لـ "النهار العربي": "الليرة التركية حالياً أغلى من قيمتها الحقيقية، وإذا استمر الأمر على هذا المنوال سنصاب بخيبة أمل في السياحة. الأمر بسيط جداً، عندما ترتفع قيمة العملة، تزيد تكلفة العطلة بالنسبة إلى السياح الأجانب، وهذا يؤدي إلى تراجع أعدادهم. والأسعار في تركيا اليوم غير قادرة على منافسة مثيلاتها في إسبانيا أو إيطاليا أو اليونان".
 
ويرى مراد أوغلو، أن السياح المحليين لا يمكنهم أن يحلّوا مكان الأجانب، "فالسياح الأجانب يجلبون النقد الأجنبي، ومن دونه لا يمكن سدّ العجز في الحساب الجاري التركي". إن السياحة المحلّية تحافظ جزئياً على استمرارية عمل المنشآت السياحية، لكنها لا تساهم في سدّ عجز تركيا من النقد الأجنبي. يضيف: "كما أن السياح الأتراك باتوا يفضّلون الوجهات الخارجية، التي باتت أرخص".
 
للأتراك أغلى من الأجانب
قبل شهر، حجز مواطن تركي غرفة بحرية 4 أيام من خلال شركة سياحية بريطانية، ليتفاجأ بعرض أرخص من السعر الذي حصل عليه عند محاولته الحجز من داخل تركيا، ما فجّر موجة غضب بين الناشطين الأتراك الذين اتّهموا الحكومة "بفتح شواطئ البلاد أمام الأجانب وإغلاقها أمام الأتراك".
 
يوضّح "إ. ب."، المدير التنفيذي لإحدى المنشآت السياحية الساحلية في أنطاليا، لـ "النهار العربي" أن الفنادق تقوم في العادة بتأجير 80 في المئة من غرفها لوكالات سياحية أجنبية، مع إبقاء شواغر بنسبة 20 في المئة للمواطنين الأتراك، وهذه الوكالات تدفع ثمن الغرف مسبقاً لمدة عام وتوزّعها على السياح، لذا فإن سعر الليلة الفندقية تختلف في الفندق ذاته من وكالة إلى أخرى، فلكل واحدة حساباتها وخطّتها السياحية، ولا علاقة لإدارة الفندق بهذا الاختلاف".
 
يضيف: "بالنسبة إلى الأتراك، العرض والطلب محصور في نسبة 20 في المئة المذكورة فقط، لذلك ترتفع الأسعار في المواسم إلى مستويات عالية، مقارنة بما يدفعه السائح الأجنبي الذي حجز رحلته قبل أشهر".
 
 
10 أضعاف
تُعتبر تركيا من الدول القليلة جداً حول العالم التي تفرض رسماً على مواطنيها عند مغادرة البلاد، يبلغ 150 ليرة تركية (أقل قليلاً من 5 دولارات) لكل شخص، عدا الحاصلين على جنسية أخرى أو إقامة في دولة خارجية. وهذا إجراء معمول به منذ الأزمة الاقتصادية التي شهدتها البلاد في نهاية ثمانينيات القرن الماضي.
 
وأعلنت الحكومة عن نيّتها رفع رسم المغادرة بنسبة 1000 في المئة لتتراوح بين 1500 و1700 ليرة تركية (نحو 50 دولاراً).
 
وتعتقد الصحفية بيرتشين ينانج أن ما دفع الحكومة إلى اتخاذ هذا القرار هو محاولة ضبط أعداد الأتراك الراغبين في السياحة الخارجية لإيقاف نزيف النقد الأجنبي. وجاءت الخطوة بعد تضاعف أعداد الأتراك المتّجهين إلى اليونان بشكل خاص.
 
مؤكّدٌ أن هذا القرار يمنع الكثير من الأتراك من السفر إلى الخارج، خصوصاً الراغبين في السياحة على الشواطئ اليونانية، حيث ستضطر عائلة مكوّنة من أربعة أفراد لدفع نحو 300 دولار ثمناً لتأشيرة الخروج و200 دولار رسوم خروج، عدا مصاريف التنقل والإقامة والطعام.
 
الكلمات الدالة

الأكثر قراءة

سياسة 11/23/2024 7:37:00 AM
أعلن برنامج "مكافآت من أجل العدالة" عن مكافأة تصل إلى 7 ملايين دولار أميركي مقابل الإدلاء بمعلومات عن طلال حمية المعروف أيضاً باسم عصمت ميزاراني
سياسة 11/23/2024 9:48:00 AM
إسرائيل هاجمت فجر اليوم في بيروت مبنى كان يتواجد فيه رئيس قسم العمليات في "حزب الله"، محمد حيدر

اقرأ في النهار Premium