أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف تعليق "بريكس" انضمام الأعضاء الجدد، منهياً الجدل حول خيارات أنقرة في الانضمام إلى المجموعة التي ينظر إليها كبديل شرقي بقيادة روسية - صينية مشتركة لمجموعة "G7" الغربية.
وتتجه الأنظار إلى المشاركة المحتلمة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان في قمة "شنغهاي" بداية تموز (يوليو) المقبل، للحكم على مسار العلاقة التركية - الروسية التي باتت تصدر إشارات مضطربة، وسط تزايد نقاط الخلاف بين الجانبين.
المساعدات العسكرية التركية لكييف تزعج بوتين
جاء إعلان لافروف في خضم الرسائل الإعلامية المتبادلة بين أنقرة وموسكو، التي وجدت نفسها مضطرة لتحذير شريكتها من تداعيات الانجرار خلف المطالب الغربية، في خضم سعيها إلى الحصول على الموارد المالية الكفيلة بإخراج البلاد من خطر تعثر سداد الديون الخارجية.
وخلال لقاء مع ممثلي وكالات الأنباء العالمية على هامش منتدى سانت بطرسبرغ الاقتصادي مطلع الشهر الجاري، حذر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أنقرة بالقول: "يبدو أن الفريق الاقتصادي للحكومة التركية أصبحت تركّز في الآونة الأخيرة على الحصول على القروض والاستثمارات والمنح المقدّمة من المؤسسات المالية الغربية. ربما لا يكون هذا أمراً سيئاً، لكن إذا ارتبط بتقييد العلاقات التجارية والاقتصادية مع روسيا، فإن الاقتصاد التركي سيخسر أكثر مما يكسب".
يقول الدبلوماسي التركي السابق أيدين سيزير لـ"النهار العربي" إن التطورات الأخيرة في العلاقات التركية - الروسية "تكشف عن التوازن الدقيق والتعقيد الذي تتسم به هذه العلاقات"، قائلاً إن موقع أنقرة داخل حلف شمال الأطلسي وعلاقاتها بالغرب "تضيف أبعاداً جديدة لهذه المعادلة".
ويشرح السياسي التركي المستقل أن إحدى النقاط التي تزعج بوتين هي المساعدات العسكرية التي تقدمها تركيا لأوكرانيا. فعلى الرغم من أن موسكو كانت طرفاً مباشراً في فوز أردوغان في الانتخابات الرئاسية الأخيرة وقدمت مساعدات اقتصادية ومالية (تدفقات نقدية جديدة إلى محطة أكويو النووية وتأجيل مدفوعات الغاز الطبيعي)، فإن تطبيق أنقرة العقوبات ضد روسيا تطبيقاً غير معلن بناءً على طلب الولايات المتحدة والمؤسسات المالية الغربية يزيد من التوتر في العلاقات".
في لقاء مع شبكة "سي أن أن تورك" مؤخّراً، قال السفير الأميركي في أنقرة جيف فليك إن العلاقات التركية - الأميركية في مستوى أفضل مما كانت عليه في السنوات القليلة الماضية، وهذا يرجع إلى دور تركيا كحليف كامل في الناتو في الحرب الروسية – الأوكرانية، ما يعتبره سيزير "مؤشراً آخر على تقارب تركيا مع الغرب" قائلاً إن "الكرملين سجّل هذا البيان أيضاً في ملاحظاته".
شمشيك مؤشّر علاقات أنقرة مع الغرب
بعد تهديداته الاقتصادية غير المباشرة بأيام، استقبل الرئيس الروسي وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، في حدث نادر بالنسبة إلى الدبلوماسية الروسية، التي تولي بروتوكولات التمثيل الدبلوماسي أهمية بالغة، لناحية إسناد مهمات لقاء وزراء الخارجية للوزير لافروف.
يمكن اعتبار كسر بوتين القاعدة المذكورة واجتماعه بالوزير فيدان، الذي حضر قمة وزراء خارجية "بريكس" في روسيا في 11 حزيران (يونيو)، دليلاً إلى رغبة الكرملين الجادة في الحفاظ على قوّة الشراكة مع تركيا، التي باتت رئة روسيا للتنفّس بعد العقوبات الغربية غير المسبوقة المفروضة على البلاد منذ الحرب على أوكرانيا في شباط (فبراير) 2022.
ركّز فيدان خلال لقاءاته وتصريحاته طوال الشهرين الماضيين، في الصين ثم في روسيا، على إظهار اهتمام بلاده بمجموعة "بريكس" التي تأسست في عام 2009 باسم "بريك" مؤلفةً من البرازيل وروسيا والهند والصين، قبل تسميتها "بريكس" بانضمام جنوب أفريقيا إليها في عام 2011، نظراً إلى أن المنظمة تأخذ اسمها من الأحرف الأولى للتسميات الإنكليزية للدول الأعضاء.
لم يصدر أي بيان عن اللقاء ومضمونه من الجانبين، لكن سيزير يعتقد أن بوتين نقل وجهات نظره ومطالبه في ما يتعلق بالاجتماع حول أوكرانيا الذي عقد في سويسرا، إضافة إلى المشكلات في العلاقات الثنائية، معززاً اعتقاده بتصريح فيدان لاحقاً خلال المؤتمر حين قال: "كان ينبغي أن تكون روسيا حاضرة هنا".
من جانبه، يشير الخبير الأمني الضابط التركي المتقاعد سعاد ديلغين إلى أن "العلاقات التركية - الغربية يجب قراءتها من خلال وزير الخزانة والمالية محمد شيميشك، وليس فيدان".
ويشرح دلغين الذي عمل ضابط ارتباط بين الجيش التركي وحلف شمال الأطلسي خلال خدمته، أن "شيمشيك المركّز على العواصم الغربية للحصول على الموارد المالية اللازمة للاقتصاد التركي يستمر في إرسال إشارات الدفء والتمسّك بالعلاقات التركية - الغربية غير مكترث بتهديدات بوتين الأخيرة".
في كلمة له في الأسبوع الماضي، استغرقت أكثر من نصف ساعة، أكد شيمشك في "تشاتام هاوس" أن بلاده كانت تقليدياً ولا تزال تتوجّه نحو الغرب، معطياً أمثلة حول عضويّة تركيا في حلف شمال الأطلسي والمجلس الأوروبي.
كما وصف شيميشك "بريكس" بأنها "منصّة للحوار على عكس المؤسسات (الغربية) الأخرى"، مشيراً إلى أن تركيا يمكنها التواصل مع بريكس إذا رأت فائدة من ذلك.
لكن أكثر تصريحات شيمشيك إثارة للجدل كان تأكيده امتثال بلاده للعقوبات الغربية على روسيا، في أول تصريح رسمي لمسؤول تركي رفيع المستوى حول الموضوع، والذي يعتبره سيزير "صادراً في وقت غير ملائم وفي غير محله"، مشيراً إلى أن السياسة الاقتصادية التي ينفّذها شيمشيك "تخلّف تأثيراً حاسماً على السياسة الداخلية والخارجية في تركيا وتحمل في طياتها خطر عواقب حتمية لناحية وضع تركيا في مسار معيّن".
لقاء بوتين وأردوغان في كازاخستان
بعد الإعلان عن مواعيد عدة للقاء المنتظر بين أردوغان وبوتين، كشف الرئيس الروسي في المؤتمر الصحافي بمنتدى سانت بطرسبورغ عن إمكانية لقائه بأردوغان على هامش أعمال قمة منظمة شنغهاي للتعاون التي ستعقد في كازاخستان يومي 3 و4 تموز (يوليو) القادمين.
يشير سيزير إلى أن الإعلان المذكور يثير تساؤلات حول طريقة وسبب مشاركة تركيا في القمة، "فهل أردوغان محرج لحضور القمة بسبب دعوة بوتين غير المباشرة، أم أن الزيارة كانت مقررة بالفعل؟".
ويضيف: "يبدو أن بوتين كان يعلم بهذه الزيارة، التي لا علم للرأي العام التركي بها. ولعل ذلك يثير تساؤلات أخرى حول قنوات الاتصال بين البلدين".
يشكّل البعد الاقتصادي إحدى أهم ركائز العلاقات التركية - الروسية، لكن الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها تركيا، خصوصاً في قضايا مثل عدم القدرة على استكمال دفع أقساط نظام إس-400 للدفاع الجوي وتأجيل مدفوعات الغاز الطبيعي، "تزيد من إمكانية استخدام روسيا لأوراقها الاقتصادية الرابحة" بحسب سيزير الذي يرى أن اعتماد تركيا على روسيا في قطاعي السياحة والطاقة "من العوامل التي تمنع انهيار العلاقات".
ويتّفق سيزير وديلغين على أن التحدّي الأكبر الذي تواجهه تركيا اليوم هو "إدارة علاقاتها مع روسيا مع الحفاظ على التوازن بين عضويتها في حلف شمال الأطلسي وعلاقاتها مع الغرب في الوقت ذاته".
وبرأي سيزير، ذلك يتطلب اتّباع نهج استراتيجي ودبلوماسية حذر للحفاظ على هذا التوازن الدقيق، وحماية المصالح الاقتصادية للبلاد، والمساهمة في الاستقرار الإقليمي.
ينظر إلى قمّة قادة الناتو التي ستعقد في تموز (يوليو) المقبل والقرارات التي ستصدر عنها مؤشر اختبار جديد للعلاقات التركية - الروسية، في ظل خطط إنشاء وحدة عسكرية جديدة داخل "الناتو" لتدريب الجنود الأوكرانيين وتنسيق أنشطة المساعدات العسكرية لكييف، ما يعني بحسب ديلغين "أن الناتو سيصبح طرفاً مباشراً في الحرب الروسية الأوكرانية"، في تحدّ جديد للعلاقات بين تركيا وروسيا.