أحيت قبرص السبت الذكرى الخمسين لغزو القوات التركية الذي قسم الجزيرة المتوسطية إلى شطرين، وسط تصريحات للرئيسين التركي والقبرصي أظهرت مدى التباعد الحاد في موقفيهما.
وقال الرئيس القبرصي الذي يسعى لإقامة اتحاد فيدرالي في إطار اقترحته الأمم المتحدة إن "لا خيار" سوى إعادة التوحيد.
لكن في خطاب متزامن تقريبا في الجانب الآخر من المنطقة العازلة التي تشرف عليها الأمم المتحدة، قال الرئيس التركي رجب طيب إردوغان إنه لا يرى فائدة من مواصلة المفاوضات برعاية الأمم المتحدة بشأن مستقبل الجزيرة المقسمة.
مع بزوغ الفجر في الشطر الجنوبي للجزيرة المعترف به دوليا دوت صافرات الإنذار عند الساعة 5,30 صباحا (02,30 ت غ)، ساعة بدء "عملية أتيلا" في 1974.
نفذ الغزو بعد خمسة أيام على محاولة انقلاب قادها قوميون قبارصة يونانيون لإلحاق الجزيرة باليونان، وأفضى الاجتياح التركي إلى سيطرة القوات التركية على ثلث مساحة قبرص ونزوح قرابة 40 بالمئة من السكان.
وتمتد المنطقة العازلة، حيث تتداعى مبان مهجورة، من شمال غرب الجزيرة إلى جنوبها الشرقي وتفصل بين المجموعتين القبرصية اليونانية في الجنوب والقبرصية التركية في الشمال. وتنتشر فيها نقاط تفتيش ومعابر حدودية.
في 1983، أعلن الشطر الشمالي من جانب واحد قيام "جمهورية شمال قبرص التركية"، وهي كيان انفصالي لا تعترف به سوى تركيا التي تنشر فيه 40,000 جندي وفق الأمم المتحدة.
وفشلت عقود من المفاوضات برعاية الأمم المتحدة في توحيد الجزيرة. وانهارت آخر جولة من محادثات السلام في كرانس-مونتانا بسويسرا في 2017.
وقال إردوغان خلال زيارته الشطر الشمالي المحتل من قبرص: "نعتقد أن حلا على أساس فيدرالي غير ممكن في قبرص. لا فائدة لأي طرف في القول لنواصل المفاوضات من حيث تركناها في سويسرا قبل سنوات".
وأضاف قبل حضور عرض عسكري تضمن فرقا راجلة وآليات مدرعة: "ينبغي ان يجلس الجانب القبرصي التركي على الطاولة على قدم المساواة مع الجانب القبرصي اليوناني... (على هذا الأساس) نحن مستعدون للتفاوض والتوصل لسلام دائم وحلّ".
ورُفعت أعلام تركية وأعلام "جمهورية شمال قبرص التركية" جنبا إلى جنب خلال العرض.
في الشطر الجنوبي من العاصمة، آخر عاصمة مقسمة في العالم، أزاح خريستودوليدس الستار عن تماثيل نصفية لضباط سقطوا في القتال. كما وضع إكليل زهور أمام نصب لضحايا الحرب ومقبرة عسكرية حيث دوت طلقات مدفعية.
وصرح خريستودوليدس للصحافيين: "مهما قال أو فعل السيد إردوغان وممثلوه في المناطق المحتلة، فإن تركيا، بعد مرور 50 عاما، لا تزال مسؤولة عن انتهاك حقوق الإنسان للشعب القبرصي بأكمله وعن انتهاك القانون الدولي".
وبعد عقود ما زال الأهالي يبكون أحبتهم الذين قتلوا في الغزو.
في المقبرة وقفت امرأة متشحة بالسواد تحت شمس حارقة تبكي أمام قبر ابنها. ولمست برفق صورة الشاب المثبتة على صليب رخامي، فيما مسحت نسوة في الجوار دموعهن.
وارتفعت أعلام يونانية على مقابر أخرى امتدت في صفوف بينما راح أقارب يضعون الزهور ويحرقون البخور.
ولا يزال أكثر من 750 من القبارصة اليونانيين ونحو 200 من القبارصة الأتراك في عداد المفقودين، على ما تقول لجنة المفقودين في قبرص التي تسعى لتحديد مكان الرفات وتسليمها للأهالي.
قبل إحياء الذكرى، عبّر محاربون قدامى قبارصة يونانيون شاركوا في التصدي للغزو لوكالة فرانس برس عن تشاؤمهم حيال آفاق السلام.
وقال ديميتريس تومازيس الذي كان من بين أسرى الحرب الذين نقلوا إلى تركيا في 1974: "مضت 50 سنة ولا حل بعد، ولا أمل".
يزور رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس قبرص مساء السبت لحضور مراسم في ذكرى الغزو إلى جانب الرئيس خريستودوليدس.
ويعتمد الشطر الشمالي بشدة على تركيا في ظل المقاطعة الدولية له وشبه انقطاعه عن العالم.
عشية إحياء الذكرى تبنى البرلمان التركي قرارا يدعو إلى "وضع حد للعزلة غير الإنسانية المفروضة على القبارصة الأتراك".
فرص ضائعة
وبمناسبة ذكرى الغزو كتبت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين على منصة إكس "في هذه الذكرى الخمسين المأساوية، وفي كل يوم، نقف مع قبرص. نقف مع وحدة الأراضي والسيادة"، مضيفة أن "المسألة القبرصية هي مسألة أوروبية. وسنواصل دعمنا القوي لقبرص في جهودها الرامية إلى إعادة توحيد آخر دولة عضو في الاتحاد الأوروبي منقسمة، بموجب قرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة".
وقال السفير البريطاني لدى قبرص عرفان صديق على منصة إكس: "ضاعت الكثير من الفرص لإعادة التوحيد".
وفي السياق قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في تقرير قدمه إلى مجلس الأمن هذا الشهر إن "حل القضية القبرصية تأخر كثيرا".
وأسف غوتيريش "للعسكرة التدريجية الجارية في الجزيرة".
انهارت آخر جولة من محادثات السلام في 2017، وقبل 20 عاما في نيسان (أبريل) رفض القبارصة اليونانيون في استفتاء خطة مدعومة من الأمم المتحدة لتوحيد الجزيرة.
كانت قبرص مستعمرة بريطانية من العام 1878 حتى العام 1960 حين نالت استقلالها.
وجرت مفاوضات الاستقلال بين المملكة المتحدة واليونان وتركيا والقادة القبارصة، في سياق دستور يضمن خصوصا تمثيل القبارصة الأتراك. وكان الإطار يحظّر إلحاق الجزيرة سواء باليونان أو بتركيا أو تقسيمها، لكنه انهار في نهاية 1963 وسط أعمال العنف بين المجموعتين.