النهار

54 مليون مستخدم تركي لا يصلون إلى "إنستغرام" وتحذيرات من ثغرات أمنية
سركيس قصارجيان
المصدر: النهار العربي
لا يزال مستخدمو تطبيق "انستغرام" للتواصل الاجتماعي في تركيا مضطرين لاتّباع وسائل التفاف على الحظر الحكومي، للولوج إلى المنصّة الاجتماعية الأشهر في البلاد، وسط تزايد الانتقادات لناحية الأضرار الاقتصادية والاجتماعية التي تسبّب بها قرار الحظر المفاجئ.
54 مليون مستخدم تركي لا يصلون إلى "إنستغرام" وتحذيرات من ثغرات أمنية
(تعبيرية)
A+   A-
لا يزال مستخدمو تطبيق "انستغرام" للتواصل الاجتماعي في تركيا مضطرين لاتّباع وسائل التفاف على الحظر الحكومي، للولوج إلى المنصّة الاجتماعية الأشهر في البلاد، وسط تزايد الانتقادات لناحية الأضرار الاقتصادية والاجتماعية التي تسبّب بها قرار الحظر المفاجئ.
 
وأعلنت هيئة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في تركيا (BTK) حظر الوصول إلى هذا التطبيق اعتباراً من صباح الجمعة، بالقرار رقم 490.05.01.2024.-608983، بتهمة ارتكاب المنصة "جرائم مخلّة بالنظام العام"، من دون تقديم تفاصيل إضافية.
 
تعزية هنية وراء قرار الحظر
تتضمن لائحة "الجرائم المخلّة بالنظام العام" الصادرة في عام 2007 في تركيا، والمعروفة باسم "katalog suçlar" والتي تعتبر "دستور الإنترنت" في البلاد، أكثر من 20 مادة مثل "جريمة الإبادة الجماعية وارتكابها المنظم"، و"الاعتداء الجنسي على الأطفال"، و"التحريض على الانتحار"، و"إهانة أتاتورك" وغيرها.
 
وفي حين لم تفصّل الجهات الرسمية التركية جريمة "انستغرام"، إلّا أن منشوراً لمدير الاتصالات في القصر الرئاسي التركي، فخر الدين ألتون، أوضح إلى حدّ كبير السبب وراء إقدام الحكومة التركية على اتّخاذ القرار المذكور. ونشر ألتون على حسابه الرسمي بموقع "إكس" بياناً حول اغتيال إسرائيل إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس"، في طهران، ختمه "بإدانة انستغرام" واتّهامها "بمنع نشر رسائل تعزية باستشهاد هنية من دون مبرر"، واصفاً الخطوة بأنها "محاولة واضحة جداً لتقييد حرّية الرأي".
 
من جهته، برّر وزير الاتّصالات التركي عبد القادر أورال أوغلو قرار الحظر قائلاً: "نحن مضطرون إلى القيام بالتدخّل اللازم، بخاصة إذا لم تأخذ (المنصة) في الاعتبار القواعد التي وضعها القانون (التركي) وبعض حساسياتنا الاجتماعية. نحاول إدارة مشاعر مواطنينا بشكل صحيح. هذه دولة مستقلة، دولة لها قوانين وقواعد، ونريد بوضوح أن يلتزم الجميع هذه القوانين والقواعد".
 
وردّاً على هذه التصريحات، قال المتحدث باسم شركة "ميتا" مالكة المنصة، إلى جانب كل من "فيسبوك" و"واتسآب" وغيرها: "بسبب حظر الوصول إلى "إنستغرام" في تركيا، يُحرم ملايين الأشخاص من وسيلة التواصل اليومي مع عائلاتهم وأصدقائهم، كما لا تستطيع الشركات الوصول إلى عملائها. سنواصل بذل قصارى جهدنا لجعل خدماتنا متاحة في تركيا مجدداً".
 
أما الحدث الأكثر إثارة فتمثّل في حجب هيئة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات التركية التابعة للحكومة حساب المحكمة الدستورية على موقع "إكس"، بسبب منشور الأخيرة الرافض لقرارات وآلية عمل مديرية الاتصالات في القصر الرئاسي التركي، ومنها تقييد الوصول إلى "إنستغرام"، قبل أن تقوم الهيئة برفع الحظر بعد حذف المحكمة العليا في البلاد للمنشور المنتقد.
 
خسائر يومية تتجاوز 60 مليون دولار
وكشف إمري إكمكجي، نائب رئيس مجلس إدارة جمعية مشغلي التجارة الإلكترونية (ETİD)، عن تكبّد التجارة الإلكترونية في البلاد خسائر تتراوح بين 1.9 – 2 مليار ليرة تركية يومياً (نحو 60 مليون دولار) نتيجة لحظر التطبيق.
 
وبيّن إكمكجي أن "10 في المئة من إجمالي التجارة الإلكترونية في تركيا يتمّ بوسائل التواصل الاجتماعي، وتتصدّر منصّة "إنستغرام" هذه الوسائل بفارق كبير عن منصّة "فيسبوك" الوصيفة".
 
في عام 2023، ارتفع حجم التجارة الإلكترونية في تركيا بنسبة 115.15 في المئة، مقارنة بالعام السابق، ليصل إلى 1,85 تريليون ليرة. وارتفع عدد الشركات العاملة في مجال التجارة الإلكترونية بنهاية عام 2023 إلى 559,412 شركة.
 
ويشرح الخبير الاقتصادي سرحان عماد لـ "النهار العربي" أبعاد قرار الحظر وتأثيره السلبي على الاقتصاد التركي، قائلاً: "المنصّة مهمّة جداً للذين يمارسون التجارة الالكترونية بمستويات فردية أو بسيطة، مثل عارضي الألبسة الجاهزة أو الألعاب أو حتى الأطعمة والحلويات المصنّعة منزلياً، وهذه كلها مشاريع متناهية الصغر وجدت في الإعلان عبر "إنستغرام" وسيلة للوصول إلى الزبائن لاستمرارية أعمالها البسيطة".
 
ويضيف عماد: "هذه المشاريع لن تصمد أمام حظر المنصّة مدّة طويلة، وبالتالي هؤلاء الأشخاص مهدّدون بخسارة باب رزقهم في حال استمرار القرار، أما الكارثة فأصابت شركات التصميم والإعلان والترويج الكبيرة، إذ خسرت أحد أهم أدوات عملها، ما يهدّد بإغلاقها وتسريح موظفين وتقنيين شباب بأعداد كبيرة".
 
حظرت سابقاً "ويكيبيديا ويوتيوب"
ليست المرّة الأولى التي يتمّ فيها حظر مواقع أو منصّات تواصل اجتماعي في تركيا. فقد سبق لأنقرة أن حظّرت موقع "ويكيبيديا" الشهير بين عامي 2017 و2019، بسبب رفضه إجراء تعديل على نص خاص بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان، قبل السماح للمستخدمين الأتراك بالولوج إلى الموقع مجدداً بعد أكثر من عامين، بقرار من المحكمة الدستورية العليا التي قضت بعدم دستورية قرار الحجب.
 
بالمثل، حظّرت تركيا منصّة "يوتيوب" مدة تزيد على السنة، بين عامي 2010 و2011، بسبب "مقطع فيديو يحتقر أتاتورك، "حيث طالبت الحكومة التركية المنصّة بإزالته، مقابل رفض الأخيرة هذا الطلب كون المحتوى لا يتعارض مع معايير النشر" التي تتبعها المنصة الأشهر للفيديوهات.
 
يعتقد الصحفي والأكاديمي التركي جان إرتونا أن حظر "إنستغرام" لن يستغرق طويلاً كحال المواقع والمنصّات السابقة، "والسبب هو الاستياء الواسع بين مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، والتي بدأت أصواتهم الرافضة للقرار تعلو أكثر فأكثر".
 
وبحسب إرتونا، الأستاذ في عدد من كليات الإعلام التركية، هناك الكثير من المآخذ على شركة "ميتا" وتعاطيها بمعايير مزدوجة مع القضية الفلسطينية بشكل خاص، "لكن من الصعب إخضاعها هي أو غيرها من الشركات الرقمية العملاقة التي تدير منصّات تواصل اجتماعي حول العالم للقوانين والشروط التركية، لأنها تعتقد بأن تقديم التنازلات في أي دولة سيفتح عليها باب تقديم تنازلات باستمرار للدول الأخرى".
 
في 31 تموز (يوليو) الماضي، كشفت "ميتا" في تقرير الشفافية الخاصة بها تسلّمها طلبات من هيئة تقنية المعلومات والاتصالات التركية لحجب 2580 منشوراً في منصّتي "فيسبوك" و"إنستغرام"، حيث قامت الشركة بحذف 504 منشورات بعدما تبيّنت مخالفتها معايير "ميتا"، مقابل حظر 1941 منشوراً عن المستخدمين في تركيا، ما يعني أن الشركة امتثلت لنحو 85 في المئة من مطالب الحكومة التركية.
 
ثغرات أمنية نتيجة استخدام VPN
مع حظر الوصول إلى المنصّة، بدأ المستخدمون الأتراك بالبحث عن حلول بديلة للدخول إلى حساباتهم، حيث باتت تطبيقات "الشبكة الخاصة الافتراضية" (VPN) الأكثر شيوعاً واستخداماً على الحواسيب والهواتف المحمولة، وتصدّرت قائمة التطبيقات الأكثر تحويلاً على متجري "أبل" و"غوغل" في تركيا.
 
لكن خبراء أتراك يحذّرون من خطورة انتشار تطبيقات "VPN" المجانية بشكل خاص على أمن المعلومات، وخطورة استعمالها من غير المتخصصين في مجال المعلوماتية والتحوّل الرقمي.
 
ويشرح الضابط السابق في الجيش التركي وخبير الأمن السيبراني، سعاد ديليغين، لـ "النهار العربي" أن تطبيقات كسر الحظر المدفوعة آمنة بنسبة كبيرة، "في حين أن التطبيقات المجانية أكثر خطورة، كون العديد منها يقوم على استغلال المستخدم بالولوج إلى معلوماته وبيعها في الويب الأسود".
 
يفتقر العديد من موفّري خدمة "VPN" المجانية إلى الموارد اللازمة لتطوير بروتوكولات أمان قوية والحفاظ عليها، ما يترك مستخدميهم عرضةً للتهديدات السيبرانية، مثل البرامج الضارّة والقرصنة والتصيّد الاحتيالي، أو تقوم بتسجيل بيانات المستخدمين وبيعها لمعلنين خارجيين، من أجل الحصول على التمويل اللازم لاستمرارية عملها.
 
ويشير ديلغين إلى أن آلية عمل الشبكة الخاصة الافتراضية "تقوم على حجب هوية المستخدمين وبياناتهم وتشفير حركة مرورهم عبر الانترنت، ما يساعد في تخطّي المواقع المحظورة، لكن كل ذلك يتمّ بعد اتصال التطبيق المذكور بالمخدّم المحلي. وحالياً، تحظّر الحكومة التطبيقات المدفوعة والمشهود لها بالنزاهة، وهذا يزيد الخشية الأمنية".
 
ويضيف: "هناك وسائل لتخطّي الحظر، لكن كل ما زادت تعقيدات الحظر، قلّ عدد الأشخاص القادرين على التعامل مع تقنيّات تجاوزه، وهو ما تعوّل عليه الجهات الحكومية على ما يبدو".
 
يُذكر أن تركيا تحتل المرتبة الخامسة من حيث عدد مستخدمي "إنستغرام" حول العالم، وفقاً لبيانات موقع "ستاتيكا"، حيث تجاوز هذا العدد 54 مليوناً في شباط (فبراير) 2024، وهي تأتي بعد الهند والولايات المتّحدة والبرازيل وإندونيسيا.
 
 
الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium