في وقت تصعّد فيه أنقرة من تصريحاتها ضد إسرائيل على خلفية حرب غزة، كشفت صحف ومواقع إخبارية تركية عن مشاركة تركية في مناورة عسكرية مع السفن الأميركية المتوجّهة إلى المنطقة بهدف حماية إسرائيل من تصعيد مرتقب.
وإلى جانب التناقض بين المواقف التركية المعلنة والأخرى المطبّقة على أرض الواقع، فإن مشاركة سفينة حربية أميركية اتّهمتها أنقرة سابقاً بالتعدّي على سيادتها البحرية، في هذه المناورات، مثّلت أيضاً مفاجأة للرأي العام التركي، وسط صمت الجهات الرسمية التركية حتى الساعة.
مناورات بحرية أميركية - تركية في المتوسط
فقد كشف الموقع الرسمي لمعهد البحرية العسكرية الأميركية عن إجراء مناورة عسكرية مشتركة الأسبوع الماضي بمشاركة السفينة الهجومية البرمائية الأميركية "USS Wasp" وحاملة الطائرات التركية "TCG Anadolu".
ونشر الموقع تقريراً مفصّلاً حول المناورات المشتركة شارحاً أن "التطبيقات العسكرية شملت سفن إنزال وهجوم وفرقاطات أميركية عملت مع نظيراتها التركية في شرق البحر الأبيض المتوسط، بالتزامن مع زيارة قطع البحرية الأميركية ميناء ليماسول في قبرص".
وبحسب الموقع، فقد شاركت في التدريبات البحرية المشتركة التي أجريت في الفترة ما بين 13 و17 آب (أغسطس) إلى جانب القطع البحرية المذكورة، طائرات حربية من نوع "V-22 Ospreys" التي تحملها السفينة الأميركية، إذ قامت هذه الطائرات بالتمرّن على الهبوط والإقلاع من على متن السفينة التركية.
وسفينة "USS Wasp" من السفن الحربية الأميركية المكلّفة حماية إسرائيل وتم إرسالها بالتزامن مع تصاعد التوتر في المنطقة على خلفية تهديدات طهران بالرد على اغتيال زعيم "حماس" إسماعيل هنية على أراضيها. وتحتضن السفينة طائرات مقاتلة من طراز F-35B ووحدات عمليات خاصة أميركية.
و"USS Wasp" واحدة من إجمالي 16 سفينة حربية أميركية وغواصة نووية تربض في المنطقة، تحمل على متنها وزن 27 ألف طن، وتصل سرعتها إلى أكثر من 22 عقدة (41 كم/ساعة)، بطاقة استيعابية تبلغ 1075 من أفراد الطاقم و2200 جندي، مع القدرة على تقديم مساعدة طبية مكثفة لـ60 جريحاً.
والأسبوع الماضي، قال وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن إن الولايات المتحدة أرسلت الغواصة الموجهة بالصواريخ يو إس إس جورجيا (SSGN-729) إلى الشرق الأوسط. وتحمل الغواصة الموجهة بالصواريخ من فئة أوهايو 154 صاروخ توماهوك للهجوم البري، بالإضافة إلى وحدات من عناصر العمليات الخاصة.
رفض تركي سابق لوصول السفينة الأميركية
وهاجمت صحيفة "إيدينلك" التابعة لـ"حزب الوطن" اليميني المحسوب على "التيار الشرقي" الحكومة التركية عبر مقالة حملت عنوان "الولايات المتحدة فضحت النشاط الذي أخفته حكومة حزب العدالة والتنمية: حاملة الطائرات TCG Anadolu في مناورة عسكرية لحماية إسرائيل".
وجذب نبأ المناورات العسكرية المشتركة الذي تداولته صحف ومواقع محسوبة على التيار الأوراسي المقرّب من السلطة، ردود فعل غاضبة لنشطاء ومؤثّرين في مواقع التواصل الاجتماعي، متّهمين الحكومة التركية بالنفاق في ما يخص المواقف المعارضة لإسرائيل وممارسة التضليل الإعلامي.
واعتبر النشطاء والصحافيون المعارضون أن المناورة العسكرية المشتركة تتناقض مع المعارضة التركية لخطوة الولايات المتّحدة إرسال سفن حربية إلى منطقة البحر المتوسط لحماية إسرائيل.
وكان المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية عمر جليك قد قال في تصريحات بتاريخ 12 تشرين الأول (أكتوبر) 2023 إن "كل سفينة حربية أو حاملة طائرات تقوم دول أخرى بإرسالها إلى البحر المتوسط ستخلق فرصة لأولئك الذين يريدون استمرار العنف وانتشاره في المنطقة".
وأثار وصول السفينة "USS Wasp" إلى ميناء ليماسول جنوب قبرص اليونانية في 9 آب ردود فعل غاضبة من ساسة جمهورية شمال قبرص التركية.
وكان رئيس جمهورية شمال قبرص التركية إرسين تتار قد حذر من أن قبرص ستصبح هدفاً في صراع إقليمي محتمل إذا قررت الإدارة القبرصية اليونانية وحدها وصول قوات عسكرية أجنبية إلى الجزيرة. وفي إشارة إلى أن الزعيم القبرصي اليوناني وقع في وهم أن يصبح لاعباً إقليمياً من أجل المصالح السياسية، قال تتار: "جهوده ليكون طرفاً في الجريمة ضد الإنسانية التي ترتكبها إسرائيل بجوارنا منذ ما يقرب من عام سنة مثالية". وأضاف "أدين مرة أخرى وبكل أسف السياسات غير المقبولة التي تنتهجها قيادة القبارصة اليونانيين".
مناورات روتينية لا تحمل معانيَ سياسية
في المقابل، اعتبر ضابط البحرية المتقاعد من الجيش التركي سعاد ديلغين، في حديث إلى "النهار العربي"، أن "المناورات المذكورة يجب عدم تحميلها معانيَ سياسية، كما أن المهاجمين ينسون أو يتناسون أن تركيا دولة أطلسية، بل القوة الثانية في الحلف ولا شيء طبيعي أكثر من القيام بمثل هذه المناورات".
وتعتبر السفينة الهجومية USS Wasp التي تعمل تحت إمرة الأسطول الثاني، المسؤولة عن أمن الممرات البحرية بين شمال المحيط الأطلسي وأوروبا.
ويشرح ديلغين الذي كان المنسق بين الجيش التركي وحلف الأطلسي خلال فترة خدمته أن "مثل هذه المناورات العسكرية تجرى دائماً بطلب من الجانب التركي الذي يحتاج إلى الخبرة الأميركية. TCG Anadolu هي السفينة الهجومية الأولى التي تمتلكها تركيا، وبالتالي فهي بحاجة إلى تعلّم كيفية إدارة البحرية الأميركية التي تعتبر الرائدة على مستوى العالم، للعمليات البحرية والجوية في ظروف الحرب".
ويؤكد ديلغين أن "المناورات المشتركة لا تعني بالضرورة المشاركة في أي عملية دفاع عن إسرائيل. وتركيا تجري مثل هذه المناورات مع سفن فرنسية وإيطالية وأي سفن أوروبية في شرق المتوسط بهدف تطوير الخبرات".
لكن ديلغين يستهجن عدم إعلان وزارة الدفاع التركية عن المناورة المذكورة "ما وضعها في موقع شك وكأنها تتقصد التستر عن خطأ ارتكبته، وقد أدّى الإعلان الأميركي عن الموضوع إلى تزايد الشكوك والاتّهامات الموجّهة للوزارة".
التجارة التركية مع إسرائيل مستمرة
ثمّة ناحية أخرى تعزز اتّهامات المعارضين للحكومة التركية بممارسة التضليل في ما يخص الملف الفلسطيني.
ففيما تقدّمت أنقرة بطلب رسمي للانضمام إلى الدعوى المرفوعة ضد تل أبيب في محكمة العدل الدولية ضمن خطوات بدأت بتقليص التجارة المتبادلة وصولاً إلى حظرها، كشفت صحيفة "قرار" التركية المعارضة الأسبوع الماضي، التفاف المصدّرين الأتراك على قرار الحظر من خلال أطراف وسيطة.
وأظهرت البيانات التي نشرتها الصحيفة "انفجاراً" في التجارة المتبادلة بين كل من تركيا ودول وسيطة مثل اليونان وقبرص التركية، والأهم مع "السلطة الفلسطينية"، التي قفزت التجارة معها من معدل 10 ملايين دولار إلى أكثر من 60 مليون دولار في شهر تموز (يوليو) الماضي لتتضمن الصادرات إلى جانب المواد المعتادة أصنافاً جديدة لم تكن موجودة ضمن لائحة الصادرات كالمنتجات الكيماوية والفولاذ والصلب.
الجدير بالذكر أن أنقرة مستمرة في تزويد تل أبيب بالنفط الأذربيجاني عبر خط باكو - جيهان وصولاً إلى الموانئ الإسرائيلية عبر شركة شحن بحري مقرّبة من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وهي الخطوة التي تبررها أنقرة بالتزامها بالاتّفاقات الدولية بما يخص نقل الطاقة عبر أراضيها.