بعد برنامج حافل باللقاءات الديبلوماسية، غادر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الولايات المتّحدة الأميركية، برفع مستوى التوتر بين أنقرة وواشنطن مخالفاً الآمال التي كانت تتحدث عن إمكانية تدارك الهوّة بين الحليفين الأطلسيين.
لقاءات دبلوماسية مكثّفة
على هامش الجمعية العمومية للأمم المتّحدة، الحدث الديبلوماسي الأبرز على مستوى العالم، عقد الرئيس التركي في نيويورك لقاءات ثنائية مكثفة، فالتقى زعماء لبنان والعراق وإيران مركّزاً على ملفي غزة والحرب على لبنان، وناقش ملفات الحرب الروسية - الأوكرانية مع الرئيس الأوكراني، كما اتّفق في اجتماعه مع رئيس الوزراء اليوناني على تسريع خطوات التطبيع بين أنقرة وأثينا وصولاً إلى عقد اجتماع المجلس الاستراتيجي الأعلى في منتصف العام المقبل.
والتقى أردوغان أيضاً الزعيم الهولندي والمستشار الألماني، كما اجتمع مع رئيس وزراء أرمينيا نيكول باشينيان، حيث علم "النهار العربي" من مصدر ديبلوماسي أرميني أن المباحثات، التي تمحورت حول تطبيع العلاقات بين تركيا وأرمينيا، لم تكن بناءة ولم تجر كالمأمول، على عكس الصور الفوتوغرافية التي اتّسمت بالقرب والحميمية.
كما كان الجانب الاقتصادي ومساعي البحث عن رأس المال الغربي حاضراً في زيارة أردوغان الأميركية. إضافة إلى خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة والاتّصالات الديبلوماسية التي تبعه، التقى الرئيس التركي بممثلي مؤسسات الفكر والرأي، وحضر العشاء التقليدي للجنة التوجيهية الوطنية التركية - الأميركية (TASK)، وقدّم في مؤتمر الاستثمار التركي الخامس عشر الذي نظمه مجلس الأعمال التركي الأميركي (TAIK)، شرحاً مطولاً عن "فرص الاستثمار التي تقدمها تركيا لرواد الأعمال الأميركيين".
هاريس رفضت استقباله
استأجرت دائرة الإعلام في الرئاسة التركية شاحنات مزوّدة بشاشات إعلانية، لتجوب شوارع نيويورك عارضة جملة أردوغان الشهيرة "العالم أكبر من الخمسة"، في إشارة إلى الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن التابع للأمم المتّحدة، والتي تطالب أنقرة بتوسيعها وبأن تكون تركيا أحد المنضمين الجدد.
من جانب آخر، لم يستطع أردوغان لقاء المرشحة الرئاسية عن الحزب الديمقراطي، كامالا هاريس، والتي تشير استطلاعات الرأي إلى ارتفاع حظوظها في الوصول إلى البيت الأبيض. وتقول نور باتور، الصحافية التركية المتخصصة في السياسات الأميركية، لـ"النهار العربي" إن هاريس "تهرّبت من الظهور مع أردوغان في صورة واحدة في هذا الوقت الحساس، قبل شهرين من الانتخابات الرئاسية الأميركية لمعرفتها بأن ذلك سيضر بحملتها"، مضيفةً أن "صورة أردوغان في الولايات المتّحدة سلبية جداً، ومواقفه من ’حماس‘ والحرب الروسية - الأوكرانية وغيرها من الملفات الشائكة في المنطقة تثير استياء عدد كبير من السياسيين وأعضاء الكونغرس الأميركيين وجزء مهم من الرأي العام الأميركي".
فضيحة رئيس بلدية نيويورك
تزامنت زيارة أردوغان الأميركية مع إعلان السلطات الأميركية عن لائحة اتّهام ضد عمدة نيويورك، إريك آدامز، من 57 صفحة تمهيداً لإدانته بجرائم الفساد والرشوة.
وأشارت لائحة الاتهام، إلى هدايا تلقّاها آدامز منها تذاكر مجانية لدرجة رجال الأعمال على رحلات الخطوط الجوية التركية من وإلى إسطنبول، والإقامة في فندق سانت ريجيس الفاخر في إسطنبول، حيث تبلغ تكلفة الليلة فيه 7 آلاف دولار أميركي، مقابل 600 دولار فقط، وقيام سيدة أعمال تركية - أذربيجانية بجمع التبرعات لصالح حملته الانتخابية لعام 2021.
وصرّح المدعي الأميركي داميان ويليامز أن "الهدايا وخصومات السفر التي تلقاها آدامز من الأتراك الأثرياء ومن مسؤول تركي واحد على الأقل بلغ مجموعها أكثر من 100 ألف دولار". كما أدرج المدعي العام جولات باليخوت في إسطنبول والترفيه في المطاعم الفاخرة وأماكن الترفيه من بين تلك الهدايا.
وبحسب لائحة الاتهام، أصرت إدارة الإطفاء في نيويورك على عدم الموافقة على افتتاح "البيت التركي" بسبب مخاوف بشأن سلامة المبنى من الحرائق، لكن مسؤولاً تركياً أرسل رسالة إلى أحد مساعدي آدامز قال فيها "جاء دورك" ليتم الانتهاء من افتتاح المبنى في الوقت الملائم قبل زيارة أردوغان إلى نيويورك.
مغادرة بدون عشاء
إلى ذلك، قطع أردوغان زيارته عائداً إلى تركيا من دون حضور مأدبة العشاء التقليدية التي يقيمها الرئيس بايدن على شرف الزعماء المشاركين في أعمال الجمعية العامة للأمم المتّحدة.
وتقول باتور: "لا أعتقد بوجود رغبة أميركية في إحراج أردوغان من ناحية توقيت الإعلان عن لائحة الاتّهامات، فالملف تم طرحه قبل أيام من وصول الرئيس التركي إلى نيويورك، لكن من المؤكد أن هناك هوّة تزداد اتّساعاً بين أنقرة والإدارة الأميركية".