أثار طلب الرئيس الأميركي جو بايدن من إسرائيل هذا الأسبوع تحسين الأوضاع الإنسانية في غزة ودعمُه لوقف إطلاق النار انتقادات حادة من حلفائه السياسيين، الذين يقولون إنَّ الرئيس لا يبذل ما يكفي من الجهد ومن الخصوم الذين يقولون إنَّه بالغ وتجاوز.
وهدد بايدن أمس الخميس، في اتصال هاتفي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بأن يجعل الدعم الأميركي للهجوم الإسرائيلي على غزة مرهوناً بخطوات ملموسة لحماية عمال الإغاثة والمدنيين.
وكانت هذه هي المرة الأولى التي يسعى فيها بايدن، الديموقراطي المؤيد بشدة لإسرائيل، إلى استغلال المساعدات الأميركية كوسيلة للتأثير على السلوك العسكري الإسرائيلي.
ويتعرض الرئيس لضغوط كبيرة من الجناح اليساري في حزبه لبذل جهود أكبر لمعالجة الكارثة الإنسانية التي حاقت بالمدنيين الفلسطينيين بسبب الهجمات الإسرائيلية.
وقال السناتور الديموقراطي كريس فان هولين لوكالة "رويترز": "يجب ألا يكون هناك تصريح مطلق. يجب ألا يكون لدينا نمط تتجاهل فيه حكومة نتنياهو رئيس الولايات المتحدة ونكتفي بأن نرسل مزيداً من القنابل التي تزن ألفي رطل".
وقال فان هولين، عضو لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، إنَّ بايدن يجب أن يتحدث بمزيد من "الصراحة علانية" عما تتوقعه الولايات المتحدة من الحملة في غزة وأن يتبع نهجاً جديداً في مجلس الأمن بدلاً من مجرد عرقلة القرارات التي تنتقد إسرائيل.
وعبَّر سياسيون آخرون يساريو الميول عن شكاوى مماثلة.
وقال بيرني ساندرز، السناتور المستقل الذي يتحالف مع الديموقراطيين، في برنامج (بود سيف أميركا) وهو بث صوتي (بودكاست) واسع الانتشار على الإنترنت أمس الخميس: "في أحد الأيام يكون الرئيس ’غاضباً’ من نتنياهو، وفي اليوم التالي يكون ’غاضباً جداً’، وفي اليوم الذي يليه يكون ’غاضباً جداً جداً’. فماذا إذن؟ وفي الوقت نفسه، هناك دعم لمزيد من المساعدات العسكرية (لإسرائيل) في مشروع قانون تكميلي".
وأضاف ساندرز: "لا يمكن الاستمرار في الحديث عن مخاوفك عن وضع إنساني في غزة، ثم تعطي نتنياهو 10 مليارات دولار أخرى، أو مزيداً من القنابل. لا يمكن فعل ذلك. هذا نفاق".
من جهته، قال السناتور الديموقراطي كريس ميرفي إنَّه يجب التوصل إلى وقف لإطلاق النار على الفور. وقال لقناة "إم.إس.إن.بي.سي" اليوم الجمعة: "لا أعتقد أن فتح معبر جديد إلى غزة يكفي".
وقالت إسرائيل إنَّها وافقت على إعادة فتح معبر إيريز إلى شمال غزة والاستخدام المؤقت لميناء أسدود في جنوب إسرائيل، في أعقاب المطالب الأميركية بتعزيز دخول إمدادات المساعدات الإنسانية إلى غزة.
وشكك ميرفي في استراتيجية بايدن قائلاً: "أعتقد أن الوقت حان لندرك أن هذا الضغط الهادئ والثابت الذي تمارسه الإدارة لا يفعل ما يكفي لدعم مصالحنا الأمنية".
الجمهوريون وعائلات الرهائن
رغم انتقاد عدد كبير من الديموقراطيين لبايدن لأنه لم يذهب إلى ما هو أبعد من مجرد مطالبة إسرائيل بتقديم تنازلات، ينتقد بعض الجمهوريين المؤيدين بوجه عام لتقديم المساعدات العسكرية لإسرائيل الرئيس الأميركي بسبب تغيير موقفه.
وقال السناتور الجمهوري توم كوتون إنَّ بايدن غير سياسته لزيادة فرص فوزه بفترة ثانية في الانتخابات الرئاسية المقررة في تشرين الثاني (نوفمبر). وأضاف كوتون على منصة "إكس" الجمعة: "من أجل زيادة نسب تأييده في ميشيجان، عزز جو بايدن موقف "حماس" التفاوضي. لقد شجع "حماس" بشكل فعلي على الصمود وعدم إطلاق سراح الرهائن. هذا شيء مخز".
واتهم النائب الجمهوري بريان ماست، عضو لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب، بايدن "بمحاولة استرضاء مخبولي اليسار المتطرف من خلال مطالبة إسرائيل بقبول وقف إطلاق النار مع إرهابيين".
وأضاف في بيان أن ذلك "يعرض حياة الناس للخطر" في محاولة يائسة لزيادة نسب تأييده.
وقالت عائلات الرهائن الذين احتجزتهم حركة المقاومة الإسلامية "حماس" في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) إنَّ الدفع باتجاه وقف لإطلاق النار بدون إطلاق سراح ذويهم قد يكون أمراً خطيراً.
وقالت أورنا نيوترا، والدة عومير نيوترا، في مؤتمر صحافي اليوم مع غيرها من عائلات الرهائن في مدينة نيويورك: "لجميع الذين يطالبون بوقف فوري لإطلاق النار من دون إطلاق سراح الرهائن، أين بوصلتكم الأخلاقية؟... وقف إطلاق النار من دون اتفاق، أو حتى باتفاق جزئي، يمكن أن يكون بمنزلة حكم بالإعدام على ابننا والرهائن الآخرين".
نفوذ أميركي غير مستغل؟
رفض البيت الأبيض توضيح كيف ستتغير السياسة الأميركية إذا لم تستجب إسرائيل لمطالب بايدن.
وتلقت إسرائيل مساعدات خارجية أميركية أكثر من أي دولة أخرى منذ الحرب العالمية الثانية، لكن المساعدات السنوية تضاءلت بسبب التمويل والعتاد العسكري المرسلين إلى أوكرانيا منذ الغزو الروسي في فبراير شباط 2022.
وتحمي الولايات المتحدة إسرائيل في مجلس الأمن الدولي، واستخدمت حق النقض (الفيتو) ضد ثلاثة من مشاريع القرارات المتعلقة بالحرب في غزة. كما امتنعت عن التصويت ثلاث مرات لتسمح للمجلس المؤلف من 15 عضواً باتخاذ إجراء، كان أحدثها في الشهر الماضي عندما طالب المجلس بوقف فوري لإطلاق النار.
وأشار آخرون إلى أن إسرائيل اتخذت إجراءات فور تشديد بايدن موقفه، مما يشير إلى أنه كان ينبغي حدوث ذلك في وقت أقرب.
وقال كينيث روث، المدير التنفيذي السابق لمنظمة "هيومن رايتس ووتش" والذي يعمل حالياً أستاذا في كلية الشؤون العامة والدولية بجامعة برينستون: "في غضون ساعات من تهديد بايدن بتعليق المساعدات العسكرية الأميركية لإسرائيل، وافق نتنياهو على فتح معبر رئيسي للمساعدات الإنسانية إلى شمال غزة، حيث تنتشر المجاعة على نطاق واسع. كان بايدن يتمتع دائما بهذا النفوذ لكنه لم يستخدمه".
ورداً على سؤال من "رويترز" أمس الخميس عن سبب التغيير في موقف بايدن، قال المتحدث باسم البيت الأبيض جون كيربي إنَّ الرئيس شعر بالصدمة جراء الهجوم الإسرائيلي الذي تسبب في مقتل سبعة من موظفي الإغاثة في مؤسسة "ورلد سنترال كيتشن".
وقال باتريك جاسبارد، رئيس مركز التقدم الأميركي للأبحاث: "أعتقد أن بعض الوفيات لها أهمية أكبر بكثير من غيرها"، مقارناً بين رد فعل بايدن على مقتل موظفي الإغاثة السبعة وموقفه من مقتل الآلاف الذين سقطوا بالفعل في حرب غزة.