يؤكد موقف ترامب المنتظر حيال الإجهاض على الاستراتيجية التي يتبعها لإعادة انتخابه وإن كانت تثير حفيظة فئة مهمة من قاعدته الانتخابية: المحافظون المعارضون للإجراء.
وبعدما صدرت عنه مؤشرات مختلطة على مدى شهور، أوضح المرشح الجمهوري للرئاسة موقفه الاثنين بشأن مسألة تعد حساسة بالنسبة لسباق الوصول إلى البيت الأبيض. ولم يأت في تسجيل مصوّر على ذكر حظر وطني على الإجهاض وقال إنه يتعيّن ترك القرار بشأن حقوق الإجهاض للولايات.
أثارت هذه التصريحات غضب بعض الجمهوريين المحافظين.
وقال نائب الرئيس في عهده مايك بنس وهو مسيحي إنجيلي ساعده على جذب اليمينيين المتدينين عندما فاز في 2016 إن "تراجع الرئيس ترامب بشأن الحق في الحياة يشكّل صفعة في وجوه ملايين الأميركيين المؤيدين للحياة ممن صوّتوا له في 2016 و2020".
وأفاد ليندسي غراهام، السناتور الجمهوري المقرب من ترامب، بأنه لا يتفق مع الرئيس السابق وشدد على ضرورة وجود مدة تشكّل "الحد الأدنى (للسماح) بالإجهاض تكون هي المعيار على الصعيد الوطني ولا تتجاوز 15 أسبوعا".
ألغت المحكمة الأميركية العليا الحق الفيدرالي في الإجهاض عام 2022 في حكم مفاجئ يعود الفضل فيه إلى ترامب نظرا إلى أنه عيّن ثلاثة قضاة محافظين ساعدوا في جعل الأمر ممكنا.
وترك القرار الذي تخلى عن حكم "رو ضد ويد" التاريخي لكل ولاية على حدة تقرير حقوق الإجهاض لديها. وفرضت بعض الولايات المحافظة التي يحكمها الجمهوريون حظرا كاملا تقريبا في ظل تحرّك قوي ضمن الحزب لإدراج حظر وطني في القوانين.
وقالت رئيسة مجموعة "سوزان بي. أنتوني" المناهضة للإجهاض مارجوري دانينفيلسر: "نشعر بخيبة أمل عميقة حيال موقف الرئيس ترامب".
الرهان
وفي آذار (مارس)، أشار ترامب الذي بدّل مواقفه مرارا بشأن دعم ومعارضة الإجهاض على مدى مسيرته السياسية إلى أنه سيؤيّد حظرا وطنيا على الإجهاض بعد مرور 15 أو 16 أسبوعا على الحمل.
ومن خلال تراجعه عن موقفه هذا، يسعى ترامب إلى تجنّب تهميش الناخبين من النساء اللواتي يشعرن بالقلق من حظر الإجهاض.
وكلّف قرار المحكمة العليا عام 2022 الجمهوريين سياسيا. وكان أداء الحزب مخيّبا للآمال في انتخابات منتصف الولاية في ذلك العام، وخسر المحافظون مرارا في الاستفتاءات وغيرها من أشكال التصويت المرتبطة بالإجهاض.
ودعا ترامب على منصته "تروث سوشيال" حلفاءه إلى "التحرّك لمساعدة الجمهوريين على الفوز في الانتخابات، بدلا من جعل تحقيق ذلك أمرا مستحيلا بالنسبة إليهم". وأضاف: "يخسر العديد من الجمهوريين الجيّدين الانتخابات بسبب هذه القضية".
يخوض ترامب رهانا عبر موقفه الجديد الساعي لإيجاد توازن بين إرضاء قاعدته الانتخابية اليمينية المتشددة وعدم تهميش الوسطيين، يقوم على أنه حتى وإن أغضب المسيحيين الإنجيليين الآن لعدم اتّخاذه موقفا أكثر تشددا ضد الإجهاض، فإنهم سيصوّتون له مقابل خصمه الرئيس جو بايدن بكل الأحوال.
وكتب المعلّق المحافظ مارك ثيسين الثلثاء في "واشنطن بوست": "أتفهم خيبة الأمل كمحافظ مؤيد للحق في الحياة. لكن ترامب على حق".
وأضاف: "إذا نجح الديموقراطيون في استخدام تهديد الحظر الفيدرالي على الإجهاض للإبقاء على سيطرتهم على مجلس الشيوخ في تشرين الثاني (نوفمبر)، فإن قضية تأييد الحق في الحياة يمكن أن تتعرّض إلى ضربة لا يمكن إصلاحها".
وتابع ثيسين الذي كان مساعدا للرئيس السابق جورج بوش الابن أن الاستطلاعات تظهر بأن معظم الأميركيين يرغبون بأن يبقى الإجهاض قانونيا.
وبجميع الأحوال، يأمل ترامب في إبعاد النقاش خلال حملته عن الإجهاض ليكون بإمكانه التركيز على قضاياه الأساسية لمهاجمة إدارة بايدن: التضخم والهجرة عند الحدود مع المكسيك والجريمة.
لكن ما زال غير واضح إطلاقا إن كان بإمكان ترامب تشكيل النقاش بهذه الطريقة إذ أن قضية الإجهاض ما زالت في الواجهة فيما تصدر ولاية تلو الأخرى قوانين أو أحكام في هذا الصدد.
على سبيل المثال، أيّدت أعلى محكمة في أريزونا التي فاز فيها بايدن بفارق ضئيل عام 2020، قانونا يعود إلى العام 1864 يفرض حظرا كاملا تقريبا على الإجهاض.
وأما الديموقراطيون، فاستغلوا دفاعهم عن الإجهاض وسيواصلون اتباع تكتيكهم القائم على تصوير ترامب على أنه يمثل خطرا على حقوق الإجهاض.
وقالت رئيسة منظمة "بلاند بيرنتهود" (Planned Parenthood) أليكسيس ماكغل جونسون: "يوم جديد وكذبة جديدة غير مرغوب بها من قبل ترامب. لا يخدعنا ولا يخدع الناخبين".
وأضافت: "إنه مسؤول عن أزمة حق الوصول إلى الإجهاض وإذا مُنح فرصة أخرى، فسيضغط أكثر من أجل حظر وطني".