عادةً ما يخاف الحزب المهيمن على مجلس النوّاب الأميركيّ من خسارة غالبيّته في الانتخابات العامّة التالية. لكنّ الجمهوريّين اليوم خائفون من احتمال خسارة أكثريّتهم حتى قبل انتخابات الخريف. ثمّة مسار "مقلق" منذ أواخر سنة 2023.
في الأساس، كان فوز الجمهوريّين بانتخابات 2022 النصفيّة دون الآمال. حقّقوا رقماً باهتاً فصَلَهم عن الديموقراطيّين بتسعة مقاعد. الآن، وبسبب استقالات مبكرة وانتخابات خاصّة، تقلّص هذا الفارق إلى أربعة. وليس الفارق وحده هو ما يخيف الجمهوريّين.
"سِيرك"
يتمتّع الجمهوريّون الآن بـ217 مقعداً مقابل 2013 لخصومهم السياسيّين. يحتاجون إلى 216 صوتاً للحفاظ على غالبيّتهم التشريعيّة. بمعنى من المعاني، حتى المرض بات ممنوعاً. بحسب تقرير لمجلّة "تايم" الأميركيّة الأسبوع الماضي، قال برايان دارلينغ، خبير استراتيجيّ جمهوريّ ومستشار سابق للسيناتور راند بول: "إنّه لَمِن العمليّ جدّاً أن يقود الديموقراطيّون مجلس النوّاب قبل الانتخابات. حان الوقت بالنسبة إلى الجمهوريّين الإعلان عن اجتماع والقول، ‘حسناً يا رفاق، هذه الغالبيّة تتفكّك وإذا واصلتم التصرّف هكذا، لن نحصل على غالبيّة".
يمكن تعريف عبارة "التصرّف هكذا" بكلمة استخدمها الكاتب (والمسؤول الجمهوريّ القديم) في صحيفة "وول ستريت جورنال" كارل روف: "السّيرك".
الفكرة بسيطة. فبعد فوزهم بالانتخابات، لزم الجمهوريّين 15 دورة لانتخاب كفين ماكارثي رئيساً للمجلس في كانون الثاني (يناير) 2023. بعد تسعة أشهر، قرّر ثمانية جمهوريّين من الجناح المتطرّف إقالته. انضمّ إليهم الديموقراطيّون بكلّ سرور. أعقب ذلك ثلاثة أسابيع من الفوضى وتزاحم 14 مرشّحاً للمنصب قبل انتخاب النائب مايك جونسون.
ولا يجعل ضيقُ الهامش الفريقَ الشعبويّ داخل الحزب الجمهوريّ أكثر حذراً. فكلّما ضاق الفارق بين الجمهوريّين والديموقراطيّين، مال الجناح المتشدّد أكثر لاستغلال الفرصة من أجل تمرير شروطه. ربّما يفسّر ذلك كيف أنّه وبعد كلّ ما مرّ به الجمهوريّون، تقدّمت نائبة جمهوريّة من الجناح نفسه، مارجوري تايلور غرين، بمذكّرة في 22 آذار (مارس) لاعتبار منصب جونسون شاغراً بعدما مرّر آخر حزمة إنفاق في الكونغرس من دون منح النوّاب فترة ثلاثة أيّام لدراسة المشروع. حجّة جونسون أنّه أراد تسريع المسار لتفادي إغلاق حكوميّ.
"كوميديا حزينة"
فهم جونسون منذ فترة طويلة قواعد اللعبة لدى هذا الجناح. بضغط من هذه الأقلّيّة في الحزب، وجّه جونسون اتّهاماً إلى وزير الأمن الداخليّ أليخاندرو مايوركاس بسبب أدائه في قضيّة الحدود الجنوبيّة. فشل الاتّهام في الحصول على غالبيّة أصوات حزبه في الدورة الأولى، ونجح في ذلك بعد دورة التصويت التالية، لكن بصوت واحد. بحسب خوان ويليامز في صحيفة "ذا هيل"، هناك نحو 24 نائباً جمهوريّاً يوضحون أنّهم "لم يعودوا قادرين على تحمّل هذه الكوميديا الحزينة".
#خاص#جونسون يخلف #مكارثي... هل "يتعقّل" الجمهوريّون؟ https://t.co/rhDE6Xm8Zs@Annahar
— Annahar Al Arabi (@AnnaharAr) October 27, 2023
بالمناسبة، أدّى التصويت "الرمزيّ" لاتّهام مايوركاس إلى إعلان أحد النوّاب الجمهوريّين، كين باك، الاستقالة من منصبه. وقال النائب عن كولورادو: "نحن نتّهم الناس كما لو أنّ الأمر عبارة عن كرنفال". في تعليق على استقالته التي "فاجأت" عدداً من زملائه و"أثارت قلقهم"، دعا الجمهوريّين بطريقة ساخرة إلى عدم القلق من خفضه للغالبيّة النيابيّة: "في الواقع أنا أساعدهم بطرق معيّنة لأنّني لن أصوّت ضدّ المزيد من الاتّهامات".
النائب الجمهوريّ عن كاليفورنيا توم ماكلينتوك اتّخذ أيضاً قراراً مماثلاً بعد الاتّهام. النائبة الجمهوريّة عن أريزونا ديبي ليزكو أعلنت أنّها لن تترشّح للانتخابات المقبلة حين كان الجمهوريّون يتخاصمون لانتخاب ماكارثي، الرئيس السابق للمجلس النيابيّ. قالت ليزكو إنّ "واشنطن معطّلة" ولا يمكن تنفيذ أيّ برنامج فيها.
"نام مع فتاة عمرها 17 عاماً"
استقال ماكارثي من منصبه كنائب أواخر 2023. لكنّه قال مؤخّراً: "سأخبركم حقيقة السبب بأنّني لست رئيساً للمجلس. لأنّ شخصاً واحداً، نائباً في الكونغرس، أراد منّي أن أوقف شكوى أخلاقيّة بأنّه نام مع فتاة عمرها 17 عاماً".
قصد بذلك النائب الجمهوريّ الذي تقدّم بمشروع التصويت ضدّه مايك غايتز. أضاف ماكارثي: "هل فعل ذلك أم لا؟ لا أعلم". كانت ولاية ماكارثي ثالث أقصر ولاية لأيّ رئيس مجلس نيابيّ أميركيّ على الإطلاق. الانتخابات الخاصّة المقبلة لملء مقعده ستكون في أيّار (مايو) المقبل مع احتمال كبير لأن يفوز جمهوريّ به.
في دليل آخر على حجم الفوضى في مجلس النوّاب الجمهوريّ، لم تنتبه غرين إلى أنّها قد لا تحظى حتى بفرصة طرد جونسون كما فعلت مع ماكارثي، على ما يكتب تشاد بيرغرام في موقع "فوكس نيوز"، مشيراً إلى أنّ انتخابات خاصّة مقبلة قد تترك الجمهوريّين بـ216 مقعداً مقابل 214 للديموقراطيّين. ولفت النظر إلى أنّ العديد من الجمهوريّين قد يقدّمون استقالتهم قبل الانتخابات المقبلة، إمّا بسبب غضبهم من زملائهم أو حتى بسبب رغبتهم بتفادي أسئلة محرجة عن تعليقات الرئيس السابق دونالد ترامب على أبواب الاستحقاق الرئاسيّ.
ما احتمالات حدوث ذلك؟
إلى الآن، هناك 5 أسماء من أصل نحو 21 أعلنت استقالتها من منصبها قبل تشرين الثاني. إنّ تحوّل الغالبيّة النيابيّة من حزب إلى آخر في سنة غير انتخابيّة هو سابقة في التاريخ الأميركيّ. هذا الاحتمال يبقى قائماً حاليّاً، لكنّه ليس راجحاً، بحسب تقارير أميركيّة مختلفة.
في حديث إلى شبكة "إي بي سي"، تقول أستاذة العلوم السياسيّة في جامعة فرجينيا للتكنولوجيا كارن هالت: "لا أعتقد أنّه مستحيل. أعتقد أنّه غير مرجّح" لأنّ الناخبين الجمهوريّين لا يريدون ذهاب رئاسة المجلس إلى ديموقراطيّ على أبواب الانتخابات. وحتى لو أراد نوّاب جمهوريّون آخرون الاستقالة، فقد يُقدِمون في الغالب على هذه الخطوة في وقت تسمح القوانين بإطلاق انتخابات مبكرة لملء الشواغر.
لم يفعل الجميع ذلك. رئيس اللجنة النيابيّة الخاصّة المعنيّة بالشأن الصينيّ مايك غالاغر (ويسكونسن) قدّم استقالته في وقت سينتظر ناخبوه حتى تشرين الثاني لاختيار خلف له. يعدّ غالاغر أحد أبرز الوجوه الجمهوريّة التي قدّمت استقالتها مؤخّراً.
في حديث إلى "التايم"، تساءل ماثيو غرين، أستاذ السياسات في الجامعة الكاثوليكيّة، عمّا إذا كان الديموقراطيّون يرغبون فعلاً بتولّي رئاسة مجلس النوّاب بغالبيّة ضئيلة قد تبقي على الفوضى قبل أشهر قليلة من الانتخابات. لكنّه نبّه الجمهوريّين إلى أنّهم "سيكون أذكياء إذا قلقوا".
ليس من الضروريّ أن ينبع القلق ممّا سيحدث بين اليوم وحتى الخريف. مرحلة الانتخابات وما بعدها قد تكون الأخطر على الجمهوريّين.