النهار

بنسلفانيا... نقطة عطب جديدة لترامب
جورج عيسى
المصدر: "النهار العربي"
الانتخابات التمهيديّة تنبئ بمشكلة كبيرة للرئيس السابق
بنسلفانيا... نقطة عطب جديدة لترامب
الرئيس السابق دونالد ترامب (أ ب)
A+   A-

من يتذكّر الانتخابات التمهيديّة؟ خارج الولايات المتحدة، ربّما قلّة فقط. لقد حسم المرشّحان الرئيسيّان بطاقة الترشيح الحزبيّة منذ آذار (مارس) الماضي: الرئيس جو بايدن عن الحزب الديموقراطيّ وسلفه دونالد ترامب عن الحزب الجمهوريّ. بالتالي، أصبحت السباقات المتبقّية أقرب إلى لزوم ما لا يلزم... إلى حدّ ما.

 

في الانتخابات التمهيديّة التي جرت الثلاثاء في ولاية بنسلفانيا، فاز ترامب على منافسته نيكي هايلي بنحو 66 في المئة من الأصوات: رقمٌ كبير جدّاً، لولا أنّ هايلي انسحبت من السباق منذ 50 يوماً تقريباً. بالتالي، يمكن أن تُقرأ الأرقام بشكل مغاير: قرّر 16.5 في المئة من ناخبي بنسلفانيا الجمهوريّين عدم التصويت لترامب (مقابل نحو 83). من هنا، تبدأ الأنباء المزعجة بمطاردة الرئيس السابق.

 

تبريرات لم تعد مقنعة

كان بعض مناصري ترامب يلجأون إلى تبرير مكرّر حين كانت هايلي تحصد أرقاماً قريبة من 40 في المئة في بعض الولايات: إنّهم الليبراليّون والديموقراطيّون الذين يرفعون نسبة تصويتها. كان ذلك التقييم صحيحاً في بعض الولايات "المفتوحة" التي تسمح للمستقلّين أو الناخبين "غير المعلنين" بالتصويت. لكنّ انتخابات بنسلفانيا "مغلقة" ولا يستطيع سوى المسجّلين في الحزب الجمهوريّ فقط الإدلاء بأصواتهم. صحيحٌ أنّه يمكن للناخب في تلك الولاية تغيير انتمائه الحزبيّ قبل فترة من الوقت. لكن بعدما حُسم ترشيح ترامب، والأهمّ، بعدما كان الديموقراطيّون منشغلين في اليوم نفسه بالتصويت في الانتخابات التمهيديّة الخاصّة بحزبهم، ما من أدلّة قويّة تدعم تصويت الديموقراطيّين لهايلي بأرقام كبيرة.

 
 
 

حتى في الانتخابات التمهيديّة المفتوحة، ظلّت استطلاعات الخروج تظهر أنّ ما يتراوح بين 15 و25 في المئة من الناخبين كانوا من الجمهوريّين والمحافظين. وهذا رقمٌ اعتراضيّ كبير ضدّ ترشيح من يشبه "شاغلَ منصب".

 

من جهة أخرى، لم تكن بنسلفانيا ظاهرة استثنائيّة في مسار التصويت لهايلي، بعد انسحابها من السباق. مثّلت الولاية استكمالاً لاحتجاج الأقلّيّة الجمهوريّة على خيار ترامب كمرشّح عن حزبهم. في فلوريدا وأوهايو وإيلينوي، صوّت نحو 14 في المئة منهم لهايلي، وفي كانساس وأريزونا، كسبت على التوالي أصوات 16 و 18 في المئة من الناخبين. وثمّة جانب آخر في النتائج مثّل استمراراً لنمط انتخابيّ سابق. لا يزال ترامب ضعيفاً مع الفئات الناخبة عينها: النساء والأكثر تعلّماً وسكّان الضواحي، بحسب تقارير عدّة من بينها لـ"رويترز". في بعض مقاطعات الولاية التي تتميّز بارتفاع نسبة هذه الفئات، حصلت هايلي على نحو ربع أصوات الناخبين. هذه المقاطعات بالتحديد ساهمت في ترجيح كفّة بايدن سنة 2020.

 

أرقام بايدن سلبيّة أيضاً

على الضفة الديموقراطيّة، لم يكن يوم بايدن سهلاً خصوصاً أنّه يخوض الانتخابات في ولايته (وُلِد في سكرانتون، شمال شرق الولاية). حصد الرئيس 88 في المئة من الأصوات بينما حصل منافسه دين فيليبس على 6.5 في المئة منها. فيليبس أيضاً مرشّح منسحب من السباق منذ نهاية انتخابات الثلاثاء الكبير. الفرق بين فيليبس وهايلي، إلى جانب الأرقام، هو أنّ الأوّل أعلن تأييده لبايدن عندما أعلن انسحابه، بينما قالت الثانية إنّ على ترامب "أن يستحقّ" الأصوات التي حصلت عليها. الاعتراض الأكبر على أداء بايدن تجلّى في أكثر من 5 في المئة من بطاقات الاقتراع التي فضّل الناخبون كتابة خياراتهم عليها (write-in).

 

عادة ما يستغرق فرز ما تمّت كتابته على بطاقات الاقتراع أيّاماً عدّة بسبب توجّب فرزها يدويّاً. لكن من المرجّح أن تحمل هذه البطاقات إلى حدّ كبير اسم "غير ملتزم"، كما كانت الحال في عدد من الولايات السابقة التي طبعت هذا الخيار على بطاقات الاقتراع. تشير هذه العبارة إلى غضب يساريّ من بايدن بسبب وقوفه إلى جانب إسرائيل في حربها على غزّة. لتكوين فكرة عن حجم الاعتراض، كتب 20 ألف ناخب ديموقراطيّ في بنسلفانيا سنة 2012 خياراتهم على بطاقات الاقتراع اعتراضاً على أداء الرئيس باراك أوباما. هذه المرّة، ارتفع الرقم إلى ما يزيد عن 55 ألفاً.

 
 
 

لكن حتى مع الجمع بين من اختاروا التصويت لفيليبس ومن اختاروا الإدلاء بـ"غير ملتزم" أو بأيّ اسم آخر، يظلّ حجم الاعتراض على اسم بايدن لدى الجانب الديموقراطيّ (12 في المئة)، أقلّ من ذلك الموجود لدى الجانب الجمهوريّ (16) في الولاية. قد يبدو فارق 4 نقاط مئويّة صغيراً، لكن في ولاية كبنسلفانيا، هو أقرب إلى أن يكون فارقاً بين الحياة والموت، على الصعيد الانتخابيّ العامّ.

 

لماذا بنسلفانيا بالتحديد؟

تكمن أهمّيّة بنسلفانيا في أنّها ولاية متأرجحة محوريّة على طريق الفوز بالانتخابات الرئاسيّة مع 17 ناخباً كبيراً. سنة 2016، تغلّب ترامب على منافسته هيلاري كلينتون بـ 0.72 في المئة من الأصوات (44300 صوت تقريباً). سنة 2020، تغلّب بايدن على ترامب بـ 1.5 في المئة من الأصوات.

 

حصل بايدن الثلاثاء على أكثر من 928 ألف صوت. بينما حصد ترامب أكثر من 790 ألفاً. وهذا هامش يفوق 138 ألف صوت. للتذكير، تفوّق بايدن سنة 2020 على خصمه بنحو 80 ألف صوت وحسب في تلك الولاية.

 
 
 

بالتالي، على ترامب البحث عن أيّ وسيلة لجذب ناخبي هايلي إليه. وأرقامها صاخبة في هذه الولاية: أكثر من 157 ألف صوت. حتى لو نجح في ذلك، سيستطيع بايدن التعويض على الأرجح مع جذب قسم كبير من أصوات فيليبس (68 ألفاً) إليه. هذا مع افتراض أنّ جميع "غير الملتزمين" لن يصوّتوا لبايدن بالرغم من علمهم أنّه أقرب لوجهة نظرهم في القضايا الداخليّة بالمقارنة مع ترامب الذي يُعرف أيضاً بتشدّده في دعم إسرائيل.

 

تبقى هذه الحسابات أوّليّة وقاصرة عن رصد عدد من المتغيّرات مع بُعد موعد التصويت. ربّما تعود مشاكل التضخّم إلى الواجهة كما يراهن الجمهوريّون. وتعدّدُ المرشّحين الآخرين يخدم ترامب أكثر على ما تبيّنه استطلاعات الرأي. وبحسب نصيحة هيئة التحرير في صحيفة "نيويورك بوست"، يمكن أن يخفّف ترامب من التعليقات الصادمة ليترك هفوات بايدن تستحوذ على الأضواء الإعلاميّة. علاوة على ذلك، إنّ عدد الناخبين المشاركين في انتخابات الثلاثاء لدى كلا الحزبين أقلّ بكثير من الأعداد المشاركة في الانتخابات العامّة.

 

لكن إذا كان لا بدّ من استنتاج لمحة عن توجّهات الناخبين الحاليّة في بنسلفانيا، ومع أخذ بالاعتبار ما كتبته صحيفة "هنغاريان كونسيرفاتيف" عن أنّ الانتخابات التمهيديّة في الولاية هي أقرب ما يكون إلى الانتخابات العامّة، فسيكون من الآمن القول إنّ مشاكل ترامب الانتخابيّة في تلك الولاية أكبر من مشاكل خصمه لغاية اليوم.

اقرأ في النهار Premium