أعربت الولايات المتحدة عن معارضتها لقيام المحكمة الجنائية الدولية بالتحقيق بشأن ممارسات إسرائيل في غزة، وسط تقارير عن تخوّف مسؤولين إسرائيليين من إصدار الهيئة، ومقرّها في لاهاي، مذكّرات توقيف بحقّهم.
وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارين جان-بيار في إحاطة إعلامية إن موقف الولايات المتحدة "بغاية الوضوح في ما يتعلّق بتحقيق المحكمة الجنائية الدولية، نحن لا نؤيده، ولا نعتقد أنه من اختصاصها".
واليوم، قالت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية إن مسؤولاً إسرائيلياً رفيع المستوى حذر من احتمالية أن تكون محكمة الجنايات الدولية في لاهاي أصدرت سراً مذكرات اعتقال بحق مسؤولين إسرائيليين بينهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت ورئيس أركان الجيش هرتسي هاليفي".
وبحسب الصحيفة، "حذر الفريق الإسرائيلي الذي يتولى الدعاوى القضائية الدولية من عدم السماح لكبار المسؤولين بالاطلاع على أوامر الاعتقال إلا عندما يكونون في الخارج"، مشيرة إلى أنه "ربما صدرت المذكرات سرا، ولن يواجهوها إلا عند وصولهم إلى الدول الأوروبية، دون سابق إنذار".
وأضافت أن "رجال رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يقومون بتحركات رهيبة ضد المدعي العام في لاهاي... مقربون منه يهددون المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية في لاهاي كريم خان ويحشرونه في الزاوية وهو يعتبر مدعيا غير متشدد".
والسؤال وفق الصحيفة هو "ما هي مساحة الحماية الدبلوماسية التي سيمنحها وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن عندما يصل إلى إسرائيل غداً الثلثاء، وهل ستكون إحدى القضايا التي سيتم مناقشتها معه التهديد بمذكرات الاعتقال في لاهاي؟".
نتنياهو طلب مساعدة بايدن
كما نقل موقع "أكسيوس" الإخباري الأميركي عن مسؤولين إسرائيليين قولهم إن نتنياهو طلب مساعدة الرئيس الأميركي جو بايدن في منع إصدار مذكرات اعتقال دولية لمسؤولين إسرائيليين.
وكانت صحيفة "معاريف" الإسرائيلية قالت إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو متوتر بشكل غير طبيعي من احتمال صدور مذكرة اعتقال بحقه من المحكمة الجنائية الدولية.
وسبق أن فتحت المحكمة الجنائية الدولية في العام 2021 تحقيقا في جرائم حرب محتملة في غزة يطال إسرائيل وحركة "حماس" وغيرها من الفصائل المسلّحة الفلسطينية.
وسبق أيضاً أن أعلن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان أن التحقيق حاليا "توسّع ليشمل التصعيد في الأعمال العدائية والعنف منذ الهجمات التي وقعت في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) 2023".
والمحكمة الجنائية الدولية التي تأسّست في 2002 هي المحكمة المستقلة الوحيدة في العالم التي أنشئت للتحقيق في أخطر الجرائم بما فيها الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضدّ الإنسانية.
شهادات لمحققي المحكمة
وقال مصدران إن مدعين من المحكمة الجنائية الدولية أجروا مقابلات مع عاملين في أكبر مستشفيين في غزة، في أول تأكيد على تحدث محققين من المحكمة إلى مسعفين بشأن وقوع جرائم محتملة في قطاع غزة.
وقال المصدران اللذان طلبا عدم الكشف عن هويتهما إن محققي المحكمة حصلوا على شهادات من موظفين عملوا في مستشفى الشفاء، وهو المركز الطبي الرئيسي في مدينة غزة بشمال القطاع، ومن آخرين عملوا في مستشفى ناصر، المركز الطبي الرئيسي في خان يونس بجنوب القطاع.
ورفض المصدران تقديم مزيد من التفاصيل تعللا بمخاوف على سلامة الشهود المحتملين.
وقال أحد المصدرين إن أحداثا وقعت في المستشفيات قد تصبح جزءا من التحقيق الذي تجريه المحكمة التي تنظر في قضايا جنائية ضد أفراد متهمين بارتكاب جرائم حرب وأخرى ضد الإنسانية، فضلا عن الإبادة الجماعية والعدوان.
ورفض مكتب المدعي العام للمحكمة التعليق على مسائل تنفيذية في تحقيقات جارية معللا ذلك بوجوب ضمان سلامة الضحايا والشهود.
وقالت الجنائية الدولية إنها تحقق مع طرفي الصراع في الهجوم الذي شنه مقاتلو حركة "حماس" في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) على إسرائيل والهجوم الإسرائيلي اللاحق في غزة.
وفي أثناء الصراع، كان المستشفيان الرئيسيان في غزة هدفين محوريين للقوات الإسرائيلية التي حاصرتهما واقتحمتهما واتهمت مقاتلي حماس باستخدامهما لأغراض عسكرية، وهو ما تنفيه "حماس" والأطقم الطبية.
وفي الأيام القليلة الماضية، طالب مسؤولون فلسطينيون أيضا بإجراء تحقيقات بعد استخراج مئات الجثث من مقابر جماعية في مستشفى ناصر. ولم يحدد المصدران ما إذا كانت هذه المقابر تشكل جزءا من أي تحقيق.
إسرائيل تنفي
وتنفي إسرائيل تورطها في جرائم حرب، بما في ذلك وقوع مثل هذه الجرائم في مستشفيات غزة أو حولها، وتقول إن جميع أنشطتها العسكرية هناك كان سببها وجود مقاتلي "حماس" في تلك المناطق.
وتتمتع المستشفيات بالحماية خلال الحروب بموجب معاهدات دولية وهذا قد يجعل الهجمات عليها جرائم حرب لدى الجنائية الدولية، لكن المستشفيات قد تفقد هذه الحماية في بعض الظروف إذا استخدمها مقاتلون بما يضر العدو.
وإسرائيل ليست عضوا في الجنائية الدولية، لكن الأراضي الفلسطينية أصبحت دولة عضوا عام 2015. وتقول المحكمة إن هذا يمنحها ولاية قضائية على تصرفات أي شخص بمن فيهم الجنود الإسرائيليون في الأراضي الفلسطينية، ويمنح المحكمة أيضا ولاية قضائية على الفلسطينيين في أي مكان، بما في ذلك الأراضي الإسرائيلية. ولا تعترف إسرائيل بأي ولاية قضائية للمحكمة على مواطنيها.
وأي قضية جنائية أمام هذه المحكمة ستكون منفصلة عن القضية التي تقدمت بها جنوب أفريقيا إلى محكمة العدل الدولية وتتهم فيها إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية في غزة، وهو ما تنفيه إسرائيل. وتنظر العدل الدولية، ومقرها لاهاي أيضا، في الدعاوى القضائية بين الدول، بينما تنظر الجنائية الدولية في القضايا الجنائية ضد الأفراد.
وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يوم الجمعة إن أي تحرك للجنائية الدولية لن يؤثر على تصرفات إسرائيل لكنه "سيشكل سابقة خطيرة تهدد الجنود والشخصيات العامة".
وكتب على تطبيق تلغرام يقول: "تحت قيادتي، لن تقبل إسرائيل أبدا بأي محاولة من جانب المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي لتقويض حقها الأساسي في الدفاع عن نفسها".