النهار

احتجاجات الجامعات الأميركية... من فيتنام إلى غزة
المصدر: رويترز
وسط فجوة عميقة بين الأجيال والاحتجاجات المناهضة للحرب في الجامعات الأميركية وقرب انعقاد المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي في شيكاغو، تتبادر إلى الأذهان مقارنات بين الاحتجاجات الحالية على الهجمات الإسرائيلية في قطاع غزة وبين الحركة المناهضة لحرب فيتنام.
احتجاجات الجامعات الأميركية... من فيتنام إلى غزة
الأمن يشتبك مع الطلاب المتظاهرين في جامعة تكساس
A+   A-
وسط فجوة عميقة بين الأجيال والاحتجاجات المناهضة للحرب في الجامعات الأميركية وقرب انعقاد المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي في شيكاغو، تتبادر إلى الأذهان مقارنات بين الاحتجاجات الحالية على الهجمات الإسرائيلية في قطاع غزة وبين الحركة المناهضة لحرب فيتنام.
 
وتحل اليوم السبت الذكرى السنوية الرابعة والخمسين لإطلاق النار في جامعة كينت الحكومية، عندما تم إرسال قوات الحرس الوطني بولاية أوهايو لقمع احتجاجات بالحرم الجامعي فأطلقت الرصاص على 13 طالبا مما أسفر عن مقتل أربعة منهم وأطلق العنان لموجة من الاضطرابات في أنحاء البلاد.
 
وتختلف الاحتجاجات التي تشهدها الجامعات بالولايات المتحدة منذ أسبوعين من حيث الحجم والدوافع. كما تغيرت الاتحادات الطلابية وكذلك الحزب الديمقراطي. لكن بالنظر إلى السباق المتقارب المنتظر بين الرئيس الحالي جو بايدن المنتمي للحزب الديمقراطي والرئيس السابق دونالد ترامب المنتمي للحزب الجمهوري، فإن الاحتجاجات قد يكون لها تأثير سياسي.
 
عدد القتلى
بحلول عام 1970، كانت حرب فيتنام قد أكملت خمس سنوات، وأعلن الرئيس آنذاك الجمهوري ريتشارد نيكسون توسيع نطاق الحرب لتشمل كمبوديا. وبحلول نهاية عام 1970، كان قد تم تجنيد ما يقرب من 1.8 مليون شاب أميركي، ولقي ما يقرب من 30 ألفا حتفهم.
 
ولا تقاتل أي قوات أميركية في الحرب الإسرائيلية على غزة، لكن الكثير من المواطنين الأميركيين فقدوا أفرادا من عائلاتهم هناك.
 
ونظم الطلاب في عشرات الجامعات على مستوى الولايات المتحدة مظاهرات أو اعتصامات للتعبير عن معارضتهم للحرب الإسرائيلية على غزة، مطالبين المؤسسات بالتوقف عن التعامل مع الشركات التي تدعم الحرب. واعتقلت الشرطة ما يزيد على ألفين من المحتجين.
 
تحول في دعم الحرب
تأثر الرأي العام مع تزايد أعداد القتلى في غزة وصور الدمار واسع النطاق هناك، إذ تراجع تأييد الهجوم العسكري الإسرائيلي من 50 بالمئة في استطلاع للرأي أجرته مؤسسة جالوب في تشرين الثاني (نوفمبر) إلى 36 بالمئة في أواخر آذار (مارس).
 
ويواجه بايدن، الذي وقع الشهر الماضي على تشريع لتقديم مساعدات إضافية بقيمة 14 مليار دولار لإسرائيل، انتقادات متزايدة لطريقة تعامله مع الأزمة، إذ صوت مئات الآلاف من الناخبين بوضع العلامة أمام اختيار "غير ملتزم" في بطاقة اقتراع الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي مؤخرا للتعبير عن خيبة أملهم وغضبهم.
 
وفي مقارنة بين الحربين، أشار السناتور بيرني ساندرز إلى قرار الرئيس الأميركي الأسبق ليندون جونسون عدم الترشح في انتخابات عام 1968 وسط الغضب المتزايد من حرب فيتنام.
 
وقال ساندرز لشبكة سي.إن.إن: "أشعر بقلق بالغ من أن الرئيس بايدن يضع نفسه في موقف لا يكون فيه بمعزل فقط عن الشباب بل عن الكثيرين في القاعدة الديمقراطية، وذلك فيما يتعلق بآرائه بشأن إسرائيل وهذه الحرب".
 
حجم ونطاق وحِدة الاحتجاجات
قال كيفن كروس الأستاذ في جامعة برينستون إن حجم الاحتجاجات وحدتها ازدادا بحلول عام 1970، إذ اجتذبت بعض المظاهرات عشرات بل ومئات الآلاف من المشاركين.
 
وأضاف أن بعض تلك الاحتجاجات شهد عنفا أيضا، على عكس المظاهرات السلمية إلى حد بعيد التي شوهدت حتى الآن بسبب الحرب الإسرائيلية على غزة.
 
وتابع: "في الليلة السابقة لإطلاق النار، أحرقوا مبنى فيلق تدريب ضباط الاحتياط. لم يكن هؤلاء مجرد مجموعة من الطلاب يجلسون في خيام على العشب".
 
وأثار إطلاق النار في جامعة كينت احتجاجات جديدة مناهضة للحرب في أنحاء الولايات المتحدة، بل وفي أماكن بعيدة مثل ملبورن بأستراليا، حيث تجمع 100 ألف للاحتجاج. واحتشد ما يقرب من 100 ألف في واشنطن العاصمة بعد أيام قليلة من إطلاق النار.
 
وقال كروس إن الأمر تكرر ولكن على نطاق أصغر بكثير، إذ أثار رد فعل السلطات في البداية على الاحتجاجات المناهضة لحرب غزة في جامعة كولومبيا في نيسان (أبريل) أيضا احتجاجات تضامنية. وأضاف أن الاحتجاج في كولومبيا كان من الممكن أن يتلاشى إذا اختار المسؤولون تجاوزه بهدوء حتى يحل الصيف.
 
عدم الإنصات والقبعات الصلبة
أثارت أولى تعليقات بايدن على الاحتجاجات المتصاعدة اتهامات جديدة له بعدم الإنصات إلى المشكلات، تماما كما يشير الناشطون العرب الأميركيون والمسلمون إلى أن البيت الأبيض لم يستمع إلى مخاوفهم إزاء دعم إسرائيل.
 
وقال بايدن: "هناك حق في الاحتجاج، لكن ليس في إثارة الفوضى".
 
وبعد وقت قصير من إطلاق النار في جامعة كينت، دعا نيكسون مجموعة من عمال البناء إلى البيت الأبيض في أعقاب ما أطلق عليه (شغب القبعات الصلبة)، عندما هاجم 400 عامل بناء و800 من القائمين بأعمال مكتبية نحو 1000 محتج في مدينة نيويورك.
 
طلاب يحتجون تأييداً للفلسطينيين في جامعة إيموري
 
مزيد من التنوع في العرق والنوع
في عام 1970، كان هناك زهاء 7.2 مليون طالب مسجلين في الجامعات الأميركية، شكلت النساء 41 بالمئة منهم بينما كان الطلبة السود سبعة بالمئة. 
 
أما الآن، ووفقا للمركز الوطني البحثي المعني بتبادل معلومات‭ ‬الطلاب، يوجد في الولايات المتحدة ما يربو على 15 مليون طالب جامعي، يمثل الطلاب البيض نحو 41 بالمئة منهم واللاتينيون 18 بالمئة والسود 11 بالمئة والآسيويون ستة بالمئة، فيما يفوق عدد الطالبات عدد الطلاب في الجامعات.
 
وقال جيمس زغبي، أحد المحتجين في حقبة فيتنام ومؤسس المعهد العربي الأميركي، إنه بينما كان للحركة النسائية وحركات الحقوق المدنية نشاط بارز في أواخر الستينيات، فقد كانت تلك الجماعات أقل اتحادا وأكثر خلافا مما هي عليه اليوم.
 
وأضاف: "هذا جيل يتسم بالتعددية. إنهم نفس الأطفال الذين كانوا يقودون حركة ’حياة السود مهمة’ أو ’مسيرة النساء’ أو الاحتجاجات ضد حظر دخول المسلمين أو الاحتجاج المطالب بإجراءات سلامة (لحيازة) الأسلحة".
 
انقسامات الديمقراطيين
كانت هناك انقسامات حادة آنذاك بين الأجيال، كما هي الحال الآن، حتى داخل الحزب الديمقراطي.
 
وحذر الخبير الاستراتيجي الديمقراطي جيمس كارفيل (79 عاما) يوم الأحد المحتجين في مقطع مصور متداول مليء بالألفاظ النابية على منصة إكس من أنهم قد يساعدون ترامب على الفوز مجددا بمنصب الرئيس عبر زرع الانقسامات داخل الحزب.
 
وأظهر استطلاع أجرته مؤسسة يوجوف يوم الخميس أن 53 بالمئة من البالغين يشعرون أن قرار مديري الجامعات بتعليق دخول بعض المحتجين المؤيدين للفلسطينيين فصولهم الدراسية أو فصلهم كان "صحيحا" أو "ليس حازما بما فيه الكفاية". ويقفز هذا الرقم إلى 68 بالمئة لدى من تبلغ أعمارهم 65 عاما أو أكثر.
 
وقالت ديلارا سعيد رئيسة التحالف المدني الإسلامي، وهو منظمة غير ربحية مقرها شيكاغو، إن الحزب لا يزال بعيدا عن التواصل مع ناخبيه من الشبان والسود.
 
وأضافت: "كانت لدى الحكومة سياسة عارضها الشبان والأميركيون من أصحاب البشرة الداكنة، وهي استخدام أموال ضرائبنا وإرسال قوات للقتال في حرب لا نوافق عليها... وهذا هو ما نحن فيه الآن".
 
وقال عباس علوية، وهو مساعد كبير سابق في الكونغرس وأحد منظمي حملة (غير ملتزم) في ميشيغان، إن قيادة الحزب معرضة بشدة لتكرار أخطاء حقبة فيتنام.
 
وأضاف: "في عام 1968، كان أحد الإخفاقات الكبرى لمؤسسة الحزب هو تجاهل الشبان المناهضين للحرب ومواصلة الحرب المروعة في فيتنام وإبعاد الناخبين الشبان، ولدى شعور بأنهم معرضون لخطر ارتكاب نفس الشيء".
 
وقالت ميا إرينبرج المتحدثة باسم حملة بايدن إن الحملة تتفاعل بشكل نشط مع الناخبين الشبان، مشيرة إلى أن هذه الجهود بدأت قبل أشهر من الدورة الانتخابية السابقة. وقالت الحملة إن بايدن حصل أيضا على تأييد 15 مجموعة تصويت من الشبان ستوظف مئات المنظمين وتحشد مئات الآلاف من المتطوعين.
 
وشدد مات هيل المتحدث باسم المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي على أهمية الاحتجاج السلمي من أجل الديمقراطية في الولايات المتحدة قائلا إن المؤتمر سيسلط الضوء على ما سماه "وحدة الديمقراطيين وحماسهم... في تناقض صارخ مع الفوضى والتطرف المشتعل في الحزب الجمهوري".
 
 "24 ساعة في اليوم"
تلقت الحركة المناهضة لحرب فيتنام زخما من التغطية الإعلامية للصراع، الذي أطلق عليه "الحرب التلفزيونية" الأولى للولايات المتحدة، مع البث اليومي لصور جثث الجنود القتلى العائدين إلى البلاد. ويحظر الجيش الأميركي الآن هذه الصور.
 
وقالت كريستيانا ليهي، وهي عضو مجلس إدارة سابقا في منظمة العفو الدولية وأستاذة في كلية مكدانيال بماريلاند: "من خلال إنستغرام وتيك توك (وغيرهما من) وسائل التواصل الاجتماعي، يحصلون على صور كل يوم... إنها موجودة على هواتف الجميع 24 ساعة في اليوم".
 
مؤتمر أقل صخبا
ربما تتفاقم الانقسامات خلال المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي في شيكاغو في آب (أغسطس). ولكن زغبي قال إن التحديات التي قد يواجهها بايدن خلاله ستكون أقل مما كانت عليه في عام 1968.
 
وأضاف: "لم يعد حال الحزب كما كان في 1968 عندما كان هناك شقاق داخله"، مشيرا إلى أن بايدن نجح في نيل ترشيح الحزب ولا توجد فرصة أمام أي مرشح آخر للظهور في معركة أمامه في قاعة المؤتمر.
 
وهناك اختلاف رئيسي آخر هذا العام، فقد عُقد مؤتمر عام 1968 بعد أشهر قليلة من اغتيال زعيم حركة الحقوق المدنية مارتن لوثر كينغ والمرشح الرئاسي الديمقراطي البارز روبرت كنيدي، الأمر الذي أزعج أمة منقسمة بالفعل بسبب حرب فيتنام والثورة الاجتماعية.
 
ويستعد جيه.بي بريتسكر حاكم ولاية إيلينوي ووكالات إنفاذ القانون المحلية لمواجهة احتجاجات.
 
وقالت إنسيه أوفوت مؤسسة منظمة (نيو ساوث سوبر بي.إيه.سي): "لن يجد الحزب الديمقراطي أي مكان في الولايات المتحدة يعقد فيه مؤتمره دون أن يواجه بإحباط أفراد قاعدته ورغبتهم في رؤية أولوياتهم تنعكس في برنامج الحزب".
 
وأضافت: "لا يمكنكم الاختباء يا أعزائي".  
 
الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium