في خطوة مفاجئة لكثيرين، دعا الرئيس الأميركي جو بايدن منافسه الجمهوري دونالد ترامب، إلى تقديم موعد أول مناظرة رئاسية ضمن سباقهما نحو البيت الأبيض، بثلاثة أشهر عن موعدها المحدد سلفاً.
وتأتي هذه الدعوة مع استمرار تراجع بايدن في استطلاعات الرأي، رغم إنفاق حملته عشرات الملايين من الدولارات على الدعاية الانتخابية، وعدم تأثر السباق بالمحاكمة الجنائية لمنافسه ترامب، إضافة إلى أن العديد من مزاياه الكبيرة من حيث التمويل والبنية التحتية، لم تتحول بعد إلى مكاسب سياسية، وفقا لصحيفة "نيويورك تايمز".
"خيار مصيري"
ووفقاً للصحيفة، فقد كان الهدف من هذه الخطوة لفت انتباه الأميركيين بشكل عاجل إلى "الخيار المصيري" الذي ينتظرهم في عام 2024، إذ لطالما اعتقد مستشارو بايدن أن إدراك الناخبين أن المواجهة ستجمع بين بايدن وترامب، سيؤدي إلى تحسن شعبية الرئيس المنخفضة حالياً.
ووافق فريق ترامب بسرعة على الدعوة التي اشترط فيها بايدن الاكتفاء بإجراء مناظرتين رئاسيتين متلفزتين فقط، وشرع الملياردير المثير للجدل في مهاجمة خلفه، معتبراً على وسائل التواصل الاجتماعي أن منافسه كان "أسوأ مناظر واجهته على الإطلاق".
وشكَّلت مناورة بايدن بتقديم موعد المناظرة إلى 27 حزيران (يونيو) اعترافاً ضمنياً منه بتأخره في سباق إعادة انتخابه، مراهناً بذلك على أن تسريع جدول المناظرات سيدفع الناخبين لإعادة الانخراط في السياسة ومواجهة احتمالية عودة ترامب إلى السلطة.
ومع ذلك، فإن اقتراح إجراء أقرب مناظرة عامة في تاريخ التلفزيون يبقى وسيلة للتخفيف من المخاطر المحتملة لوضع رئيس يبلغ من العمر 81 عاماً على خشبة المسرح بشكل مباشر ولمدة 90 دقيقة كاملة، وفقاً للصحيفة.
ومن خلال الموافقة على مناظرتين بدلاً من الثلاث التي جرت عليها العادة، تحُدّ حملة بايدن من تعرضه للمخاطر. وبجدولة المواجهات بعيداً عن يوم الانتخابات، سيكون لدى كلا المرشحين أيضاً فرصة للتعافي إذا ما تعثرا خلال المناظرات.
وتشير الصحيفة أيضاً إلى الخطر الذي يمثله اقتراح تقديم المناظرات على ترامب، وذلك لأن بايدن أدى بشكل جيد في لحظات مهمة عندما كانت التوقعات منخفضة بشأنه - بما في ذلك مناظرات عام 2020 وخطاباته الأخيرة عن حالة الاتحاد.
وقال بايدن في رسالة فيديو نُشرت على منصة "إكس" إن "دونالد ترامب خسر مناظرتين أمامي في عام 2020. ومنذ ذلك الحين لم يحضر مناظرة". وأضاف: "الآن يتصرف وكأنه يريد أن يناظرني مرة أخرى... سأفعل ذلك مرتين".
وبقبوله عرض بايدن لإجراء المناظرتين، فقدَ ترامب كل نفوذه تقريباً للمطالبة بالمزيد من المناظرات، حيث سبق أن طلبت حملته بإجراء مناظرات شهرية، وقال بنفسه إنه وافق على مناظرة مع قناة "فوكس نيوز" في تشرين الأول (أكتوبر).
وأكدت حملة بايدن أن الرئيس سيشارك فقط في مناظرتين.
وقالت جينيفر أومالي ديلون، رئيسة الحملة: "أوضح الرئيس بايدن شروطه لإجراء مناظرتين مباشرتين، ووافق دونالد ترامب على تلك الشروط.. لا مزيد من الألعاب. لا مزيد من الفوضى. لا مزيد من الجدل حول المناظرات".
وكان الاتفاق بهذه السرعة المذهلة ممكناً، جزئياً، لأن كبار المسؤولين في الحملتين كانوا منخرطين في محادثات سرية حول المناظرات قبل خطاب حملة بايدن، وفقا لأربعة أشخاص مطلعين على المناقشات.
وبحسب الصحيفة، كان لدى الحملتين مصلحة مشتركة في تجاوز لجنة المناظرات الرئاسية، التي أشرفت على الفعاليات منذ عام 1988.
كما أرادوا أيضا أن يواجه بايدن وترامب بعضهما البعض مباشرة، دون روبرت كينيدي الابن أو المرشحين المستقلين أو مرشحي الأحزاب الثالثة.
وعلّق كينيدي على الخطوة، الأربعاء، معتبراً أن منافسيه كانوا "يتواطؤون"، مضيفاً: "إنهم يخشون أن أفوز".
وفي إشارة إلى الاستعدادات التي سبقت إعلان الأربعاء، تحركت حملة بايدن في الأيام الأخيرة لإعادة جدولة حدث تمويل كبير في نيويورك كان مخططاً له مساء 27 حزيران (يونيو).
وإذا تم الالتزام بموعدي المناظرتين في حزيران (يونيو) وأيلول (سبتمبر) دون إضافة مواعيد أخرى، فسيرى الأميركيون المرشحين الرئاسيين للحزبين الديموقراطي والجمهوري وجهاً لوجه في وقت مبكر، قبل أن يتمكن معظم الناخبين من الحصول على أوراق الاقتراع الخاصة بهم للتصويت.
وبحسب الصحيفة، ستعطي هذه الجدولة المبكرة للمناظرات حملة بايدن مرونة أكبر في التخطيط للأسابيع الأخيرة قبل الانتخابات. فبدلاً من الانشغال بالتحضير لمناظرة أخرى، سيتمكن بايدن من التركيز على تشجيع الناخبين على الإدلاء بأصواتهم مبكراً، والقيام بالأنشطة الدعائية الأخرى لحشد التأييد.
بالنسبة لكلا المرشحين، تسمح المواعيد المبكرة أيضاً بوقت للتعافي من أداء غير منتظم محتمل.
المناظرات تجذب الملايين
ولا تزال المناظرات الرئاسية تمثل حدثاً فريداً في السياسة الأميركية، إذ تابع أكثر من 73 مليون شخص المناظرة الأولى بين بايدن وترامب في عام 2020، وشاهد 84 مليوناً المناظرة الأولى لترامب ضد هيلاري كلينتون، في عام 2016.
وأحد الجوانب غير المعتادة في مناظرات الانتخابات العامة لهذا العام هو أن كلا المرشحين سيكونان "متعثرين نسبياً" في المواجهة على خشبة المسرح.
وعادة ما يصقل المنافس مهاراته في سلسلة من المناظرات الأولية. لكن ترامب اختار عدم المشاركة فيها هذا العام. وكانت آخر مناظرة حضرها ترامب أو بايدن هي مناظرتهما النهائية في عام 2020.
ويبقى كلا الرجلين غير محبوبين عند دخولهما الانتخابات العامة. أظهرت أحدث استطلاعات الرأي التي أجرتها صحيفة "نيويورك تايمز" وكلية سيينا وصحيفة "فيلادلفيا إنكوايرر" في الولايات المتأرجحة أن 40 بالمئة من الناخبين المسجلين ينظرون إلى بايدن بشكل إيجابي، مقارنة بـ 45 بالمئة لترامب.
لكن في حين أن غالبية الناخبين نظروا إلى ترامب بشكل سلبي على مدى سنوات، كان بايدن يحظى بشعبية أكبر قبل أربع سنوات.
بايدن "أكثر عدوانية"
وتبنى بايدن في الأشهر الأخيرة نهجاً أكثر عدوانية تجاه ترامب، حيث ألقى خطاباً رئيسياً حول الديموقراطية قبل يوم من الذكرى السنوية لأحداث 6 كانون الثاني (يناير) 2021، وهي اقتحام مبنى الكابيتول، بالإضافة إلى خطاب حالة الاتحاد الذي ركز على ترامب. كلاهما سعى إلى تسليط الضوء على التباين بين المرشحين والرهانات المحيطة بانتخابات هذا العام.
وفي حين أن بايدن يتراجع في استطلاعات الرأي العامة والخاصة، لا يزال فريق حملته يعتقد أنه سيحسن وضعه بمجرد أن يرى الناخبون الرجلين كخيارين واقعيين وحيدين للرئاسة ويتذكرون سجل ترامب في المنصب - لا سيما في قضايا مثل الديموقراطية وحقوق الإجهاض.
وجد استطلاع تايمز/سيينا/إنكوايرر، أن 17 بالمئة من الناخبين في أهم ست ولايات متأرجحة يعتقدون خطأً أن بايدن، وليس ترامب، هو المسؤول عن إنهاء الحق الدستوري في الإجهاض، في انعكاس لما تعتقد حملة بايدن أنه حاجة الأميركيين إلى تحفيز ذاكرتهم.