النهار

اتفاقيّة الدّفاع الأميركيّة - السّعوديّة وشيكة والعقبة في الكونغرس
المصدر: النهار العربي
في قراءة سياسية، رأى باحثون التقاهم "النهار العربي" أن الجدل الذي يترافق مع الحديث عن الاتفاقية الثنائية بين واشنطن والرياض يكمن في إمكان تمريرها في مجلس الشيوخ. وبحسب ميلر، فإن "الصفقة مماثلة إلى حد بعيد لمعاهدة عام 1960 مع اليابان"، لكنه لفت إلى "عدم توافر المعطيات نفسها في الصفقة الحالية ليصادق عليها الكونغرس".
اتفاقيّة الدّفاع الأميركيّة - السّعوديّة وشيكة والعقبة في الكونغرس
ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان وجايك سوليفان
A+   A-
واشنطن - أمل شموني
 
تستحوذ الاتفاقية الأمنية الأميركية-السعودية المرتقبة على مساحة كبيرة من النقاش في الأروقة السياسية والدبلوماسية في واشنطن، خصوصاً بعدما أكد وزير الخارجية أنتوني بلينكن أن البلدين باتا قريبين من إتمام مجموعة اتفاقيات تشمل الطاقة النووية والتعاون الأمني والدفاعي، وهي اتفاقيات كانت ضمن رؤية متكاملة لتفاهم أميركي سعودي مصحوباً بتطبيع بين الرياض وتل أبيب، وبخطوات واضحة الأهداف متعلقة بوضع الفلسطينيين، وُصفت في العاصمة الأميركية بالـ Mega Deal. 
 
وقال بلينكن خلال جلسة استماع في مجلس النواب، إن وضع اللمسات الأخيرة على الاتفاقيات الثنائية قد يتم "في غضون أسابيع"، مضيفاً أن إدارة بايدن ستُطلع الكونغرس على هذه الاتفاقيات حين تصبح جاهزة للمراجعة. غير أنه استبعد إتمام الجزء المتعلق بالموضوع الإسرائيلي - الفلسطيني، مشيراً إلى أن السعودية تطالب "بتحقيق شيئين: إحلال هدوء في غزة، وطريق موثوق به يقود إلى قيام دولة فلسطينية". 

الاتفاقية ومعضلة الكونغرس
كلام بلينكن ترافق مع تقارير إعلامية تحدثت عن نتائج إيجابية لزيارة مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان للسعودية حيث التقى ولي العهد الأمير محمد بن سلمان. وفي هذا الإطار، أكد الدبلوماسي الأميركي السابق والباحث في "مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي" آرون ديفيد ميلر لـ"النهار العربي"، إن "واشنطن على وشك الانتهاء، بالفعل، من وضع اللمسات الأخيرة على الاتفاقيات الثنائية للصفقة"، واضعاً هذا الحراك الأميركي في خانة الربح الداخلي "ومحاولة إدارة بايدن بث الأمل بوجود سبل للخروج من الوضع الحالي، على الأقل في ما يتعلق بالقضايا التي تستطيع الولايات المتحدة القيام بها".
 
وفي قراءة سياسية، رأى باحثون التقاهم "النهار العربي" أن الجدل الذي يترافق مع الحديث عن الاتفاقية الثنائية بين واشنطن والرياض يكمن في إمكان تمريرها في مجلس الشيوخ. وبحسب ميلر، فإن "الصفقة مماثلة إلى حد بعيد لمعاهدة عام 1960 مع اليابان"، لكنه لفت إلى "عدم توافر المعطيات نفسها في الصفقة الحالية ليصادق عليها الكونغرس"، معتبراً أن الكونغرس غير جاهز حالياً للموافقة على هذه الصفقة لاعتبارات الانتخابات الرئاسية الأميركية وغيرها. 
 
أما الباحث في شؤون الشرق الأوسط في "معهد بيكر للسياسة العامة" كوتس أولريشن فقال لـ"النهار العربي" إنه "إذا كان الاتفاق الثنائي السعودي الأميركي مرتبطاً بتصديق الكونغرس، فمن غير المرجح أن يحصل على الموافقة والتصديق لسبب بسيط وهو شموله على الكثير من الأجزاء المتحركة". وأضاف: "حالياً لا أرى كيف يمكن لاتفاق ثنائي مشروط إلى هذا الحد أن يصبح حقيقة عملية".
 
في المقابل، اقترح كبير الباحثين في "مركز أليسون للأمن القومي" التابع لمؤسسة "هيريتاج فاونديشون" برانت سادلر، في حديث إلى "النهار العربي"، "توسيع اتفاقيات أبراهام مع السعودية لتشمل ضمانات الدفاع المتبادل وتحسين العلاقات التجارية كجزء من جهد إقليمي"، مضيفاً أن ذلك "يمكن أن يأتي مقابل الاعتراف بإسرائيل وإقامة دولة فلسطينية في نهاية المطاف توافق عليها إسرائيل".

حيوية أبعاد الاتفاق 
ومع استمرار العمليات العسكرية في غزة، دعا بعض المحللين في واشنطن إلى المضي قدماً في إتمام الجزء الأميركي السعودي من الاتفاق، في ظل الحديث عن تعذر الضغط على إسرائيل لقبولها بتقديم تنازلات للفلسطينيين في إطار خطوات ملموسة تجاه إقامة دولة فلسطينية، وبالتالي رفض الرياض موضوع التطبيع. 
 
ووفقاً لتقارير إعلامية أميركية، فإن الاتفاق الثنائي يشمل التوقيع على معاهدة دفاع أميركية سعودية تنطوي على التزام ملزم بأمن المملكة، والموافقة على برنامج نووي مدني سعودي، وبيع أسلحة متقدمة. وفي البعد الثالث من الاتفاق، يوافق السعوديون على تطبيع العلاقات مع إسرائيل، وتقليص علاقتهم مع الصين، ويكونون أكثر انفتاحاً على المصالح الأميركية في المنطقة، في مقابل أن تقدم إسرائيل تنازلات للفلسطينيين تزامناً مع استفادتها من المناخ السياسي والاقتصادي كنتيجة لتطبيع العلاقات مع السعودية.
 
وفي هذا الإطار، أشار كبير الباحثين ومدير التواصل الاستراتيجي في "معهد الشرق الأوسط" فراس مقصد، في مقالة له، إلى أن صوغ التفاهمات الثنائية يشمل مجموعة واسعة من المصالح الاستراتيجية السعودية الأميركية، بما في ذلك اتفاقية الدفاع المشترك، والتعاون المدني النووي، والذكاء الاصطناعي، والتعاون الطويل الأمد في مجال الطاقة.
 
وقال مقصد إن من شأن ذلك أن يجعل المملكة أقرب إلى التحالفات العالمية التي تقودها الولايات المتحدة، مثل الشراكة من أجل الاستثمار العالمي في البنية التحتية والممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا. ورأى مقصد أن على الإدارة الأميركية أن تفرج عن الاتفاق وعدم ربطه بمصير رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أو التعقيدات التي تكتنف عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية، محذراً من رد فعل عكسي نتيجة لتعثر المحادثات الأميركية السعودية الذي من شأنه أن يسبب ضرراً كبيراً ودائماً للمصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة في المنطقة. 

تنافس مع الصين ومعارضة إيرانية
وكانت الإدارة الأميركية تسعى إلى التوصل إلى اتفاق ثلاثي يشمل واشنطن والرياض وتل أبيب، ويسمح للسعودية باتخاذ موقف إيجابي من العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل كجزء من خطط سلام مستدامة في الشرق الأوسط، قبل عملية طوفان الأقصى في 7 تشرين الأول (أكتوبر).
 
وبحسب ما قاله سوليفان في مقابلة صحافية مطلع الشهر الجاري، تشمل اتفاقية الدفاع الأميركية-السعودية رؤية متكاملة لتفاهم أميركي سعودي مصحوب بتطبيع بين الرياض وتل أبيب وبخطوات واضحة الأهداف متعلقة بوضع الفلسطينيين. 
 
وكان قد بدأ الحديث عن هذه الصفقة خلال قمة مجموعة العشرين الأخيرة في إطار مبادرة تهدف إلى ربط الهند بأوروبا عبر الشرق الأوسط، وهي خطوة تهدف إلى مواجهة مبادرة طريق الحرير الجديد الصينية والحد من النفوذ الاقتصادي المتنامي لبكين. غير أن ميلر قال: "يبدو أن إيران وحماس تعارضان بشدة التطبيع السعودي مع إسرائيل". 
 
وفي هذا السياق يعتقد مقصد أن المشروع المشترك بشأن البرنامج النووي المدني من شأنه أن يضخ المليارات في الصناعة النووية المحتضرة في الولايات المتحدة، من دون الحاجة إلى اتفاق تطبيع سعودي إسرائيلي أو موافقة مجلس الشيوخ. وقال إن إبرام مثل هذا الاتفاق الثنائي من شأنه أن يساعد في تأمين المصالح الاستراتيجية لأميركا في مواجهة منافسيها العالميين لعقود قادمة.
 
لكن أولريشن يرى أن "إدارة بايدن تبدو كأنها تتعامل مع قضية التطبيع السعودي الإسرائيلي من خلال منظور منافسة القوى العظمى مع الصين، ويحمل مثل هذا النهج الكثير من المخاطر لتوقعات غير واقعية في عملية التفاوض التي تحتوي بالفعل على الكثير من الأجزاء المتحركة التي يجب أن تستقيم جميعها من أجل إتمام الصفقة المنشودة". 

أهمية الملف السعودي الإسرائيلي
وأجمع ميلر وأولريشن وسادلر، على أن إتمام مثل هذه الصفقة، بحاجة إلى إدارة سياسية جديدة في واشنطن وتل أبيب ورام الله. غير أن سادلر وجه أصابع اللوم إلى إدارة بايدن التي "لم ترغب في الاعتراف بنجاح اتفاقيات أبراهام وحاولت تجاهلها"، مشيراً إلى أن نهجها السياسي "أدى إلى تفاقم الصراع في الشرق الأوسط ولم يحسن من شروط السلام في المنطقة".
 
في المقابل، قال ميلر: "بصراحة، أنا أؤيد التطبيع الإسرائيلي السعودي، لكني لا أعتقد أن على الولايات المتحدة أن ترعاه بمثل هذا الثمن. إنه من الناحية النظرية مهم، لكنه ليس حيوياً لواشنطن، بل هو أكثر أهمية للأطراف المعنية". وقال إن "مصلحة واشنطن في الشرق الأوسط تكمن في ثلاث قضايا بالغة الأهمية، هي العمل على تجنيب الولايات المتحدة والمنطقة هجوماً آخر من منظمة إرهابية، تأمين حركة النفط والغاز التي يحتاجها العالم وليس أميركا، وعدم السماح بظهور قوة إقليمية مهيمنة تمتلك سلاحاً نووياً"، مضيفاً أن واشنطن لديها مشكلة بالنسبة إلى النقطة الأخيرة، خصوصاً أن الإيرانيين على عتبة الحصول على ما يكفي من المواد الانشطارية لتصنيع سلاح نووي". وشدد أولريشن على أن أفضل المسارات المتاحة حالياً أمام الولايات المتحدة هو العمل مع السعوديين من خلال مبادرات متعددة الأطراف لمعالجة القضايا الإقليمية.
 
ويأمل المسؤولون الأميركيون ألا يفوّت رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الفرصة لفتح علاقات مع السعودية، خصوصاً بعد تصريحات وزير الخارجية الأميركي الأخيرة بأنه "غير متأكد مما إذا كانت إسرائيل مستعدة لتقديم تنازلات مقابل إبرام اتفاق لتطبيع العلاقات مع السعودية، وبخاصة على مسار إقامة دولة فلسطينية". فقد غرد مارتن أنديك، المسؤول الأميركي السابق، الأربعاء على موقع "إكس" قائلاً: "لم أعتقد أبداً أنني سأعيش لأرى اليوم الذي ترفض فيه الحكومة الإسرائيلية عرضاً كاملاً للسلام من السعودية، زعيمة العالمين العربي والإسلامي. استيقظي يا إسرائيل! حكومتك تقودك إلى مزيد من العزلة والخراب".
 
 

اقرأ في النهار Premium