"كناخبة، أضع أولويّاتي لدى رئيس سيدعم حلفاءنا ويحاسب أعداءنا؛ سيضمن أمن حدودنا، بدون أعذار. رئيس سيدعم الرأسماليّة والحرّيّة. رئيس يفهم أنّنا بحاجة إلى دَين أقلّ لا إلى دَين أكثر. لم يكن ترامب مثاليّاً في تلك السّياسات. أوضحتُ ذلك مرّات كثيرة جداً. لكنّ بايدن كان كارثة. بالتالي، سأصوّت لترامب".
بكلمات قليلة صادمة، أعلنت المرشّحة الجمهوريّة السابقة إلى الانتخابات الرئاسيّة نيكي هايلي نيّتها التصويت لمرشّح حزبها دونالد ترامب في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل. جاء ذلك في مناسبة عقدها "معهد هَدسون" يوم الأربعاء، وهو مؤسّسة رأي أميركيّة مقرّها واشنطن. انضمّت هايلي إلى المؤسّسة بعد شهر تقريباً على إعلان تعليق حملتها الرئاسيّة عقب انتخابات الثلاثاء الكبير.
صدم إعلان هايلي كثيرين بسبب حجم الانتقادات وحتى التجريح الشخصيّ الذي تبادلته مع ترامب خلال الأشهر الماضية. وصفها ترامب بـ "الحمقاء" ولمّح بأنّ زوجها غير المشارك في حملاتها تخلّى عنها، علماً بأنّه جنديّ يخدم في الخارج. ردّت هايلي عبر تسليط الضوء على إهانته للجيش وعدم أهليّته لـ"رخصة قيادة ناهيكم عن رئاسة أميركا"، وعلى تودّده للرئيس الروسيّ فلاديمير بوتين. بالنسبة إليها، كان ترامب "كارثة" على البلاد وعلى فرص الحزب الجمهوريّ للفوز في الخريف.
لكنّ المتفاجئين من إعلان هايلي لم يقرأوا حاجة كلّ منهما للآخر. ترامب بحاجة إلى الأصوات التي حصدتها هايلي حتى بعد شهرين على تعليق حملتها، وهي بحاجة إلى ترامب باعتباره رافعة استثنائيّة لانتخابات 2028. في النهاية، بقيت طريقة "إخراج" هذا التقارب.
بداية الرحلة
بدأت رحلة "المصالحة"، أقلّه بحسب ما تظهره التطوّرات، مع تقرير لموقع "أكسيوس". في 11 أيار (مايو)، نقل الموقع عن مصادر "مطّلعة" قولها إنّ الحملة كانت تدرس فكرة انضمام هايلي إلى بطاقة الرئيس السابق. نفى ترامب ذلك سريعاً على موقع "تروث سوشل". لكنّ النفي لم يكن صلباً.
(هايلي في ساوث كارولاينا - أب)
قال ترامب: "نيكي هايلي ليست قيد الدراسة لمنصب نائب الرئيس، لكنّني أتمنّى لها التوفيق". استخدم ترامب لغة الحاضر ولم يقل إنّه "لن يدرس" الفكرة، كما كان توجيه أمنياته لها بالتوفيق معبّراً. مثّل ذلك نوعاً من التراجع عن إساءاته لها. بالتالي، حان دور هايلي لتردّ على التحيّة بالمثل. جاء ذلك بعد أقلّ من أسبوعين على "الدعاء بالتوفيق"، ومن قاعة إحدى مؤسّسات الرأي المحافظة. ربّما قصد ترامب تسريب الخبر إلى "أكسيوس" من أجل إعداد الرأي العام لجوّ التقارب.
"شخصٌ قادر جدّاً"
بالمقارنة مع حدّة الخصومة التي طبعت علاقتهما مؤخّراً، يمكن تلمّس حتى بعض الاستعجال لفتح صفحة جديدة. صحيحٌ أنّ هايلي لم تدعُ ناخبيها إلى التصويت لترامب مكتفية بتنبيهه إلى ضرورة "أن يستحقّ" هذه الأصوات. لكن بمجرّد إعلانها نيّة الاقتراع لمصلحته، أبدى ترامب انفتاحاً أكبر يوم الخميس. ردّاً على سؤال مراسلة "نيوز 12" عن رأيه بكلام هايلي وعمّا إذا كانت هناك "مساحة لها في فريقك، أو حتى أفضل، على بطاقتك"، ردّ ترامب: "أعتقد أنّها ستكون في فريقنا، لأنّنا نملك الكثير من الأفكار نفسها، الآراء نفسها. أقدّر ما قالته، تعلمون، كانت لدينا حملة بغيضة، كانت بغيضة جداً. لكنّها شخص قادر جداً، وأنا واثق بأنّها ستكون في فريقنا بشكل من الأشكال، بالتأكيد".
ليس سهلاً الانتقال من توصيف هايلي بأنّها صاحبة "دماغ عصفور" إلى كونها "شخصاً قادراً جداً". لكن يبدو أنّ هذا ما تفرضه الحسابات الانتخابيّة. فهي قد لا تعني فقط الفرق بين الربح والخسارة، وإنّما بشكل محتمل، وبالنظر إلى مشاكله القانونيّة، الفرق بين إمكانيّة البقاء حرّاً أو دخول السجن.
ماذا بعد؟
يوحي مكان وزمان كلمات هايلي، إلى جانب طموحها القديم في السياسة، بأنّها قد تريد نيابة الرئاسة، بالرغم من أنّها نفت ذلك سابقاً. ولا يبدو أنّ منصب وزير في الإدارة المقبلة قد يضمن لها مستقبلاً بعيد المدى.
سألت مراسلة "نيوز 12" ترامب عمّن يريد تعيينه نائباً له فاقترح أسماء عدّة ولم يذكر هايلي. وقال إنّ الاسم سيكون جاهزاً بحلول موعد المؤتمر الحزبيّ الوطنيّ أواسط تمّوز (يوليو). الأمر الوحيد الواضح لغاية الآن هو حاجة ترامب إلى نائب له من خارج جناح "ماغا" لجذب الناخبين المستقلّين، بخاصّة نساء الضواحي وذوي الشهادات الجامعيّة. وأثبتت هايلي أيضاً قوّة في جمع التبرّعات.
(ترامب - أرشيف أ ب)
ربّما تكون التطوّرات الإيجابيّة الأخيرة بين ترامب وهايلي نتيجة مصادفة، لكنّ الأجواء العامّة المرافقة وسرعة هذه التطوّرات تخفّف احتمال هذه الفرضيّة. في 15 أيار مثلاً، كتب سفير ترامب السابق في الاتحاد الأوروبي غوردون سوندلاند مقال رأي في صحيفة "وول ستريت جورنال" تحت عنوان: "ترامب وهايلي: تطابق مثاليّ". ورأى أنّ ترامب قد يضمن بهذا الخيار سيطرة على الحياة السياسيّة الأميركيّة لعشرين عاماً.
سواء نسّق سوندلاند مقاله مع حملة ترامب أم لا، وسواء كان هناك اتّفاق ضمنيّ بين ترامب وهايلي أم لم يكن، ثمّة نقطة قد تفسّر الكثير من التطوّرات الحاضرة والمستقبليّة ذكرها مدير البيانات العلميّة في شركة "ديسيجن ديسك أتش كيو" لاستطلاعات الرأي سكوت ترانتر. حين سئل ترانتر في مقابلة مع شبكة "نيوز نايشن" عمّا إذا كانت الأرقام تبيّن أنّ ترامب سيكون "ذكيّاً" باختيار هايلي، أجاب: "نعم، وحتى هو يعرف ذلك".