النهار

النهار

انتخابات أوروبا في عيون أميركية: ترامب يفوز لكنه ليس لوبن!
غاندي المهتار
غاندي المهتار
المصدر: النهار العربي
إنه عام انتخابات على ضفتي الأطلسي. هناك من يجلس على الضفة الأميركية مراقباً ما يحصل في أوروبا بعد ما وصف بـ "زلزال" اليمن المتطرف، على الرغم من أن تشريحاً متأنياً للنتائج يشي بأن ما حصل قد يزيد قليلاً على زوبعة في فنجان.
انتخابات أوروبا في عيون أميركية: ترامب يفوز لكنه ليس لوبن!
زعيمة حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف في فرنسا مارين لوبن
A+   A-
 إنه عام انتخابات على ضفتي الأطلسي. هناك من يجلس على الضفة الأميركية مراقباً ما يحصل في أوروبا بعد ما وصف بـ "زلزال" اليمين المتطرف، على الرغم من أن تشريحاً متأنياً للنتائج يشي بأن ما حصل قد يزيد قليلاً على زوبعة في فنجان.
 
ربما يكون وصف آن أبلباوم في "الأتلانتيك" انتخابات البرلمان الأوروبي بـ "المونديال" الكروي الذي ينتظره عشاق كرة القدم كل أربعة أعوام الأوفى دلالةً على القراءة الأميركية لما جرى. فالأميركيون لا يهوون كثيراً كرة القدم التي نعرفها نحن، ولهم نسختهم الخاصة من هذه الرياضة. تقول أبلباوم إن هذه الانتخابات التي تعمّ 27 دولة تضم 27 مجموعة مختلفة من الأحزاب و27 مجموعة من الإحصاءات "ليست انتخابات وطنية، لا يصوت فيها الناخبون لأحزاب تدير بلادهم، ولا يصوتون احتجاجاً على شخص في السلطة كما يفعل الأميركيون"، مضيفةً أن الجميع يختزل هذا المهرجان اليوم بثلاثة كلمات: "صعود اليمين المتطرف"، وينظر ناحية واشنطن ليسأل: "هل تتجه أميركا في هذا الاتجاه أيضاً؟".
 
بين السر والعلن
تقول أبلباوم: "الرسالة التي تحملها الانتخابات الأوروبية تقلق الأميركيين، لكن السبب ليس ما يحدث في أوروبا. فلننظر في قادة القارة العجوز، جورجيا ميلوني الإيطالية التي نشأ حزبها من حركة موسوليني الفاشية، أو لوبن الفرنسية التي تكمن جذورها في حكومة فيشي، أو خيرت فيلدرز الهولندي الذي وصف برلمان بلاده ذات يوم بالمزيف، فهؤلاء حققوا انتصارهم حين ظهروا أقل يمينية، واتجهوا نحو الوسط، وتخلوا عن الاعتراض على الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي. يتحدثون عن الهجرة والتضخم، كما تفعل الأحزاب التقليدية الأخرى. وربما تكون أهدافهم أكثر راديكالية في السر، لكنهم يجذبون الناخبين بإخفاء تطرفهم أو تجميله".
 
دونالد ترامب لا يشبه هؤلاء. برأيها، إنه لا يتجه نحو الوسط، ولا يحاول أن يبدو أقل صداماً، إنما يغالي في التطرف، وفي الخطورة. تقول: "لم تلهم ميلوني أتباعها بعرقلة نتائج الانتخابات، ولم تتحدث لوبن عن الانتقام، ووافق فيلدرز على أن يكون طرفاً في حكومة ائتلافية، وفي هذا كله بذور تسويات، وحتى فيكتور أوربان المجري الذي ذهب بعيداً في تدمير مؤسسات بلاده لا يتباهى علناً برغبته في أن يكون مستبداً. لكن ترامب يفعل". وهكذا، ترامب ليس لوبن، إنه أسوأ منها.
 
بشرى خير
ستيفن كولينسون يؤيد أبلباوم في تحليل نشره في "سي أن أن"، فترامب لا يشبه لوبن، ويتردد في وصفه بالأفضل أو الأسوأ، لكنه يقول إن صعود لوبن وميلوني وفيلدرز وغيرهم ممن يغالون في التطرف اليميني "بشرى خير بالنسبة إلى ترامب الساعي إلى الفوز بالسباق الرئاسي، وكأنها مسألة حياة أو موت". 
 
صحيح أن الانتخابات الرئاسية الأميركية التي تجري في كل ولاية على حدة، تختلف كثيراً عن الانتخابات في الاتحاد الأوروبي، "لكن على الرئيس جو بايدن أن يشعر بالقلق، إذ نجحت حملة اليمين المتطرف في أوروبا باستثمار الغضب الشعبي من هجرة خارجة عن السيطرة، ومن تضخم متزايد وأسعار مرتفعة، ومن تكلفة يتحملها الأفراد في مكافحة التغير المناخي. وهذه مسائل يُحسن ترامب استخدامها في خطاباته النارية، خصوصاً في الولايات التي ستحسم السباق إلى البيت الأبيض".
 
ويطمئن كولينسون بايدن إلى أن الانتخابات الأميركية "ليست مواجهة تقليدية بين متمرد خارجي ورئيس لا يحظى بشعبية"، ويذكره بأنه فاز على ترامب في عز استخدامه شعار "لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى"، وهذا لا يختلف كثيراً عن الشعارات التي استخدمها اليمين الأوروبي المتطرف في الانتخابات الأوروبية الأخيرة. يقول: "القومية الشعبوية ليست صاعدة في كل مكان، لكن هذا لا يعني أن على بايدن أن ينام على حرير".
 
إنهم متحمسون
لا يختلف ستيف بانون، الذي قاد حملة ترامب في عام 2016 وشغل منصب كبير مستشاريه في البيت الأبيض، مع كولينسون في تحليله، عندما يقول إن نتائج الانتخابات الأوروبية الأخيرة "لها الوقع نفسه لقرار الناخبين البريطانيين مغادرة الاتحاد الأوروبي في حزيران (يونيو) 2016، قبل خمسة أشهر من فوز ترمب بالرئاسة"، بحسب ما كتب نواه بيرمان في "لوس أنجلس تايمز"، سائلاً: "لماذا زادت نتائج أوروبا أنصار ترامب حماسةً؟". 
 
بحسبه، لعبت الهجرة والتضخم ورفض التيار الرئيسي السائد دوراً في صعود اليمين المتطرف في أوروبا، وهي موضوعات مفضلة عند ترامب. يقول مات شلاب، الذي يدير مؤتمر العمل السياسي المحافظ: "لا مفر من الاعتراف بأن شيئاً ما يحدث في أميركا وأوروبا. الموضوعات متشابهة بنسبة 80 في المئة تقريباً"، فيما يلاحظ أندرو جاوثورب، المحاضر في جامعة ليدن، أن اليمين المتطرف لم يفُز بأكثر من 20 في المئة فقط من المقاعد في البرلمان الأوروبي، "أي لم يفز بالأغلبية، لذا تصعب المقارنة هنا مع فوز ترامب في نظام الحزبين، والذي يتطلب أغلبية المجمع الانتخابي". هذا أمر إجرائي، وليس أمراً سياسياً.
 
ما المختلف إذاً؟
يستطيع الناخبون في الدول الأوروبية الاختيار بين عدد كبير من الأحزاب، عبر الطيف السياسي الواسع، "وهذا يسهّل الفوز على أحزاب اليسار المتطرف واليمين المتطرف، لكن يصعّب عليهم مسألة الحصول على الأغلبية"، كما يقول بيرمان، مضيفاً: "في الولايات المتحدة، استولى ترامب على الحزب الجمهوري وأعاد تشكيله، وهذا ما لم يحصل في الأحزاب الأوروبية المعتادة أكثر على الدخول في ائتلافات مع أحزاب أخرى، قد لا تشاركها القناعات نفسها"، تماماً كما تقول أبلباوم.
 
ختاماً، النظرة الأميركية إلى ما جرى في أوروبا تتجاوز الوقوف على ضفة الأطلسي، وانتظار من سيغرق في الضفة الأخرى، ومن سينجو. يقول بانون: "ثمة تغيرات جذرية في العالم، وعلينا نحن الأميركيين أن نتأكد من أننا نقف على أرض صلبة".