يوم الخميس، ستكون الولايات المتّحدة على موعد مع المناظرة بين الرئيس جو بايدن وسلفه دونالد ترامب. من المحتمل أن يُحضِر المرشّح الجمهوريّ قضيّة الانسحاب الأميركيّ الفوضويّ من أفغانستان. بحسب خصومهم، مثّل هذا الانسحاب الدليل الأوّل إلى افتقار بايدن ومستشاريه للحنكة في التعامل مع القضايا الخارجيّة.
قد يستفيد ترامب من هذه الواقعة لكسب نقاط انتخابيّة. لكنّ الأكيد أنّ كلا الرجلين يتحمّل بشكل أو بآخر وزر هذا الانسحاب. فقد كان ترامب هو الذي أطلق مسار سحب القوّات الأميركيّة من البلاد. وهذا ما تحجّج به بايدن. أمكن الرئيس الديموقراطيّ عكس هذا المسار، كما فعل مع سياسات أخرى لسلفه، لكنّه رفض ذلك. كان ترامب وبايدن أسيرَي تصوّر مفاده أنّ الأميركيّين "تعبوا" من الحرب في أفغانستان، وعموماً من "الحروب التي لا تنتهي".
عادة ما تكون التصوّرات معاندة. يحتاج الأمر إلى أكثر من دليل دامغ كي يغيّر المرء قناعاته بموضوع معيّن – هذا إن كان راغباً بالبحث أو النظر إلى أدلّة في المقام الأوّل. الواقع أنّ غالبيّة استطلاعات الرأي أكّدت أنّ الأميركيّين لم يكونوا مهتمّين بحرب أفغانستان. وهذا طبيعيّ. فمع انخفاض عدد القتلى الأميركيّين في السنوات الأخيرة من الحرب، بالكاد كانت أخبارها تجد لها مكاناً على المنصّات الإعلاميّة. والأمر نفسه انطبق تقريباً على نظرة الأميركيّين إلى حرب العراق.
من بين التصوّرات بشأن الأميركيّين، ثمّة ما هو سائد على نطاق واسع ومفاده أنّ تيّار ترامب (ماغا) "انعزاليّ" على المستوى الدوليّ. "التدخّليّون" أو "الأمميّون" الحقيقيّون هم الجمهوريّون الكلاسيكيّون المعارضون لترامب. مجدّداً، لا يستند هذا التصوّر إلى واقع صلب؛ على الأقلّ، ليس عند قراءة نتائج استطلاع جديد صادر عن "معهد رونالد ريغان" والتي وصفها الكاتب السياسيّ في صحيفة "واشنطن بوست" مارك ثيسن بـ "الصادمة".
في الواقع، قد تكون "الصدمة" مزدوجة: ليس جمهوريّو ماغا "تدخّليّين" وحسب، بل هم أكثر "تدخّليّة" من نظرائهم التقليديّين حتى. في الاستطلاع، كانت نسبة الترامبيّين غالبة: قال ثلثا المستطلَعين إنّهم من "ماغا" بينما نفى نحو 27 في المئة من الجمهوريّين الآخرين ذلك.
أميركا والعالم
على مستوى القيادة الأميركيّة، قال 51 في المئة من "ماغا" إنّ على بلادهم أن "تتولّى القيادة" في السياسة الخارجيّة مقابل 39 في المئة قالوا إنّه يجب عليها أن تكون "أقلّ انخراطاً". بالمقابل، كانت النسبة متقاربة لدى الجمهوريّين التقليديّين (48 مقابل 44). وقال 73 في المئة من "ماغا" إنّ على أميركا واجب الدفاع عن حقوق الإنسان والديموقراطيّة متى أمكن، مقابل موافقة 69 في المئة من غير الترامبيّين على ذلك.
The latest from @marcthiessen: The myth of MAGA isolationism https://t.co/82QFReFuCS
— Washington Post Opinions (@PostOpinions) June 25, 2024
ووافق 79 في المئة من ماغا "بقوّة" على أنّ "جيشاً أميركيّاً قويّاً ضروريّ للحفاظ على السلام والازدهار في الوطن والخارج"، مقابل موافقة 66 في المئة من الجمهوريّين غير الترامبيّين.
حلف النّاتو
في ما يخصّ حلف شمال الأطلسيّ (ناتو)، رأى 73 في المئة من جمهور "ماغا" أنّه من المهمّ "تقييد الروس كي لا يسيطروا على المزيد من الأراضي والسلطة" مقابل 60 في المئة من الجمهوريّين الكلاسيكيّين. وأيّد 69 في المئة من الترامبيّين ردّاً أميركيّاً "بالقوّة العسكريّة إذا تعرّض حليف أطلسيّ في أوروبا لهجوم" مقابل تأييد ذلك من قبل 63 في المئة من الجمهوريّين الآخرين.
اللافت أنّ دعم "ماغا" الدفاع عن حلفاء واشنطن تراجع من 69 إلى 46 في المئة إذا كان هذا الحليف لا ينفق 2 في المئة من موازنته على الشؤون الدفاعيّة. مع ذلك، ظلّ الدعم أعلى ممّا هو لدى غير الترامبيّين: 43 في المئة.
أوكرانيا
في إحدى أكثر القضايا العالميّة حساسيّة، يبقى جمهور ترامب داعماً لأوكرانيا. 70 في المئة منه يوافق على أنّه من المهمّ بالنسبة إلى الولايات المتحدة أن تفوز أوكرانيا في الحرب مع روسيا. يبلغ تأييد التيّار الجمهوريّ غير الترامبيّ لهذه المقولة 64 في المئة. يعتقد 51 في المئة من الترامبيّين أنّ روسيا تفوز بالحرب، لكن 8 في المئة فقط "يريدون" فوز روسيا.
في مجال أكثر التباساً، يريد 47 في المئة من "ماغا" مواصلة دعم أوكرانيا بالسلاح. لكن حين أخبرهم منظّمو الاستطلاع أنّ 90 في المئة من المساعدات العسكريّة تولّد وظائف للعمّال الأميركيّين وتساعد على إضعاف القوات الروسيّة من دون المخاطرة بحياة الأميركيّين، ارتفع تأييد "ماغا" لمواصلة مدّ أوكرانيا بالسلاح من 47 إلى 55 في المئة، لكنّه ارتفع نقطتان فقط لدى الجمهوريّين غير الترامبيّين.
قضايا أخرى
إذا كان تأييد "ماغا" والجمهوريّين التقليديّين لحرب إسرائيل ضدّ "حماس" متوقّعاً (72-65)، فإنّ التيّار الترامبيّ يرى أيضاً أنّه من المهمّ "زيادة الحضور العسكريّ بالقرب من تايوان" لردع هجوم صينيّ: 67 في المئة مقابل تأييد 55 في المئة من الجمهوريّين غير الترامبيّين.
للوهلة الأولى، قد تبدو هذه النتائج مفاجئة نوعاً ما. لكنّ ذلك يعتمد على التصوّرات الأساسيّة بشأن عدد من المسائل الأميركيّة. في السنوات الماضية، ساد تصوّر أيضاً بأنّ الأميركيّين بمجملهم ينفرون من "التدخّليّة". يؤكّد استطلاع سابق للمعهد نفسه كما لوكالة "رويترز" أنّ هذا غير صحيح.
#خاص
— Annahar Al Arabi (@AnnaharAr) June 30, 2023
هل تعب الأميركيّون من حرب #أوكرانيا؟ https://t.co/4pjQR5nwnF @Annahar
يرى ثيسن في مقاله أنّ ترامب ليس انعزاليّاً، مقتبساً كلمات سابقة له يقول فيها إنّه يريد من أميركا "أن تنتصر"، كما ذكّر بأنّ ترامب لم يطرح سنة 2016 فكرة الانسحاب من الناتو. واستعرض عدداً من الأمثلة التي بيّنت أنّ إدارته كانت "أمميّة". قد يكون ثيسن مخطئاً بشأن ترامب لأنّ الأخير متقلّب في بعض مواقفه، ويقول بعض من خدموا في إدارته إنّ القرارات المتشدّدة تجاه بعض القضايا، وخصوصاً موسكو، اتّخذها بعد ضغط من مستشاريه. لكنّ استنتاجه أنّ انعزاليّة جمهور "ماغا" هي مجرّد "خرافة" له ما يدعمه حتى الآن.