النهار

وسط خوف تكتيكي وقلق استراتيجي... واشنطن ترمّم انتكاستها الأفريقيّة
باسل العريضي
المصدر: النهار العربي
عادت الولايات المتحدة إلى الساحة الأفريقية من باب الأمن مقترناً بتفعيل المحركات الديبلوماسية. لكنّ الساحة لم تعد خالية من المنافسة.
وسط خوف تكتيكي وقلق استراتيجي... واشنطن ترمّم انتكاستها الأفريقيّة
الجنرال براون خلال لقائه نظرائه من دول أفريقية في بوتسوانا.
A+   A-
بعد سنوات من العلاقات المترهلة، عادت الولايات المتحدة إلى الساحة الأفريقية من باب الأمن، مقترناً بتفعيل المحركات الدبلوماسية. لكنّ الساحة لم تعد خالية من المنافسة، كما كانت عقب انتهاء الحرب الباردة.
 
فهذه الحرب عادت وكأن جمرها لم يخمد، وإن لم تأخذ التسمية نفسها. فالحروب والنزاعات في العالم، من أوكرانيا إلى تايوان مروراً بالشرق الأوسط، دليل دامغ على حدة الصراع الدولي لإعادة تشكيل النظام العالمي. وبالتأكيد، القارة السمراء ليست بمنأى عنه، خصوصاً مع تزايد النفوذ الروسي العسكري الأمني ونظيره الصيني الاقتصادي والتجاري.
 
كانت بوتسوانا في جنوب القارة السمراء على موعد مع مؤتمر أمني مع القيادة الأميركية في أفريقيا (أفريكوم)، بحضور ما يزيد على 30 وزير دفاع يمثلون بلدانهم الأفريقية. وقبيل بدء أعمال المؤتمر، صرح قائد القوات الأميركية في أفريقيا الجنرال مايكل لانغلي، للصحافيين أنه من المتوقع أن تغادر القوات الأميركية مواقعها في النيجر في الأسابيع المقبلة، بحسب جدول وضعه المجلس العسكري في النيجر للولايات المتحدة لسحب قواتها.
 
وترك القواعد العسكرية، بينها تلك المخصصة للطائرات بدون طيار قرب "أغاديز"، يعني بالنسبة إلى القوات الأميركية التخلي عن قاعدة تعدّ بمثابة مركز رئيس لجمع المعلومات الاستخبارتية الجوية الأميركية وعمليات مكافحة الإرهاب في غرب أفريقيا. أكثر من ذلك، بعد شهر واحد من الطلب النيجيري، دخلت قوات روسيّة في أيار (مايو) القاعدة الجوية التي تستضيف القوات الأميركية.
 
مواجهة التوسّع الروسي
لم تقتصر النكسات الأميركية على النيجر، إذ تشهد أفريقيا منذ عام 2020 انقلابات عسكرية عدة، ولحقت مالي وبوركينا فاسو بالنيجر، وبمجرد وصول المجالس العسكرية إلى السلطة، ألغت اتفاقيات الدفاع المشترك مع القوات الأميركية والفرنسية وقوات الأمم المتحدة، ودعت الروس للحلول محلهم. وفي تشاد، هدّد خطاب ألقاه رئيس الأركان الجوية ضمنياً بإنهاء الاتفاقية الأمنية مع الولايات المتحدة، ما أدى إلى انسحاب قوات العمليات الخاصة و75 عنصراً آخرين.
 
بحسب جيه بيتر فام، المبعوث الأميركي الخاص السابق إلى منطقة الساحل الأفريقية، "لا تفرض هذه الأحداث على الولايات المتحدة تحديد الطريقة الأفضل للتعامل مع الانتكاسات التكتيكية والعملياتية فحسب، بل كيفية منعها أيضاً من أن تتحول إلى انتكاسة استراتيجية.
 
قابلت كاثرين نزوكي، من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية ومقره واشنطن، مخاوف فام بقلق أكبر، إذ قالت لوكالة "رويترز" إن الولايات المتحدة كانت تملك شركاء أقوياء في المنطقة، "والآن بعد إخراجها من النيجر، السؤال السياسي الذي أعتقد أن وزارة الخارجية تطرحه، وتطرحه وزارة الدفاع أيضاً، هو: هل نفقد حلفاءنا في المنطقة؟ هل تتغير الأمور بسرعة كبيرة بحيث لا يمكننا مواكبتها؟".
 
حاولت قيادة "أفريكوم" وضع خطوات عملانية لمعالجة هذه المخاوف التكتيكية والاستراتيجية من خلال مؤتمر بوتسوانا، خصوصاً أنه انعقد بحضور رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال سي. ك. براون، وهي المرة الأولى التي يزور فيها أكبر ضابط عسكري أميركي منطقة أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى منذ 30 عاماً.
 
وفي خطابه أمام المؤتمر، أكد براون ضرورة "الاستماع إلى الشركاء الأفارقة"، وشدّد على "الأساليب غير العسكرية لمواجهة التحديات في أفريقيا".
 
وعلى هامش المؤتمر نفسه، كان لانغلي أكثر وضوحاً لجهة "الخطر الروسي"، إذ قال للصحافيين إن القوات الروسية انتقلت إلى المنطقة من أماكن أخرى في القارة، آتية من أقصى الشمال مثل ليبيا وجنوباً مثل جمهورية أفريقيا الوسطى، مضيفاً: "إننا نقوم بعمل جيد جداً عبر شراكتنا مع الدول الأفريقية من خلال ألوية مساعدة من قواتنا الأمنية، وبرامج الشراكة الحكومية مع الحرس الوطني الأميركي وتدريباتنا".
 
هاجس أفغانستان
أعاد تسارع الأحداث الأفريقية المخيبة لواشنطن إلى أذهان الخبراء الخروج من أفغانستان. وفي هذا الإطار، تنقل "رويترز" عن ميك مولروي، المسؤول الكبير السابق في البنتاغون وضابط وكالة الاستخبارات المركزية، قوله: "عندما نغادر منطقة مثل الساحل (الأفريقي) وأفغانستان، فإننا لا نستطيع التعامل مع تهديد مباشر من القوات العسكرية والاستخباراتية فحسب، بل لا نعرف شيئاً عن التخطيط لهجوم بسبب انخفاض قدراتنا على جمع المعلومات الاستخباراتية".
 
خسارة الأميركيين قواعدهم الأفريقية، مع صعوبة إيجاد بدائل سريعة لها توازي سرعة الانسحاب، تشكلان من ناحية ثانية مصدر قلق كبيراً بالنسبة إلى واردات المعادن الرئيسية، مع ازدياد المنافسة العالمية على الموارد الأفريقية، مثل الكوبالت والمانغنيز.
 
وفي عام 2017، تمكنت الصين من إنشاء أول قاعدة عسكرية دائمة لها في جيبوتي، وتعمل على إنشاء قاعدة عسكرية ثانية على الضفة الغربية من أفريقيا. أبعد من القواعد العسكرية، ضخت الصين مليارات الدولارات في التنمية الاقتصادية في جميع أنحاء أفريقيا من خلال "مبادرة الحزام والطريق"، ما ساهم في تطوير البنى التحتية في دول هي بأمسّ الحاجة لها.
 
وفي تقرير لموقع The Conversation في نيسان (أبريل) الماضي، تناول الخروج الأميركي من نيجيريا، ثمة إشارة إلى مسألة بالغة الأهمية: "عندما يكون في وسع الدول المضيفة الاختيار بين القوى الكبرى للتعاون معها، فإن ذلك يتطلب المزيد من الحوافز الاقتصادية لكسب مصلحتها". وهذا يعني أنه ليس واضحاً إلى أي مدى يمكن الولايات المتحدة الحفاظ على وجودها في غرب أفريقيا ووسطها.
 
 

اقرأ في النهار Premium