"الدردشة عن استبدال (الرئيس الأميركيّ جو بايدن) ستنفجر بالتأكيد" بحسب ما نقلته شبكة "أن بي سي" عن استراتيجيّ ديموقراطيّ عمل في حملات رئاسيّة. وأضاف: "ما من عودة عن هذه الكارثة".
من نتائج المناظرة الرئاسيّة الأميركيّة الأولى لسنة 2024 خروج المعلّقين السياسيّين من كلا الحزبين بتقييم مشترك نادر: خسر الرئيس جو بايدن المبارزة أمام منافسه دونالد ترامب. للتأكيد، رأى قسم كبير من المعلّقين الليبراليّين أنّ بايدن فاز على مستوى الصدق واستقامة الفكر والقيم، لكنّ تقدّمه في السنّ منعه من مجاراة منافسه وإيصال أفكاره بسلاسة ووضوح. بنتيجة ذلك، بدأت المطالبات غير المباشرة، والتي أتت غالباً على شكل مصادر مجهولة الهويّة، بدعوة الرئيس إلى التخلّي عن ترشّحه لولاية ثانية.
من "حسن حظّ" بايدن والديموقراطيّين أنّ الوقت لا يزال متاحاً كي يتّخذ قراره قبل المؤتمر الوطنيّ الديموقراطيّ الذي ينطلق في 19 آب (أغسطس) ويستمرّ لأربعة أيّام. للمقارنة، يعقد الجمهوريّون مؤتمرهم أواسط تمّوز (يوليو). بالتالي، يملك حزب الرئيس نحو شهر ونصف للتشاور قبل الإقدام على قراره. عند هذا الحدّ، ينتهي "الحظّ الجيّد" لحزب الرئيس.
الانطلاقة الصعبة
تبدأ الخطوة الأولى بالبحث عمّن يقنع بايدن بالقرار المصيريّ. حتى فترة قصيرة خلت، كان الرئيس رافضاً للفكرة. يقال إنّ الجهة الوحيدة القادرة على دفعه إلى إعادة التفكير بالموضوع هي عائلة بايدن، وبخاصّة السيّدة الأولى جيل. هي من أشدّ الداعمين لحملة زوجها الرئاسيّة، وقد أعلنت مثلاً قبل ساعات من المناظرة أمام تجمّع ديموقراطيّ في مدينة فرجينيا بيتش أنّ هناك رؤيتين للولايات المتحدة سيشاهدهما الأميركيّون ليلة الخميس. وبعد انتهائها، توجّهت هي وبايدن إلى أحد الفنادق في أتلانتا حيث أشارت أمام تجمّع من المناصرين إلى أنّ بايدن أبلى بلاء حسناً وتوجّهت إليه بالكلام قائلة: "لقد أجبتَ على كلّ سؤال وعلمتَ كلّ الوقائع". وأضافت: "دعوني أسأل الحشد، ماذا فعل ترامب؟ لقد كذب!"
تُبيّن الحماسة في أفعال جيل أنّها ستردّد، بالحدّ الأدنى، أمام مناقشة فكرة دفع زوجها إلى إعادة التفكير بترشيحه. ويعتقد البعض أنّ "تربيتة على الكتف" من الشخصيّة الأصغر في الحزب، هيلاري كلينتون، والرئيس الأسبق الأصغر باراك أوباما، تخاطر بإثارة ردّ فعل سلبيّ. وعلى أيّ حال، ذكرت تقارير قديمة أنّ أوباما نصح بايدن بعدم الترشّح لانتخابات 2016 و2020 لكنّ الأخير لم يعمل بنصيحته. لغاية اليوم، ربّما يكون بايدن وبعض المقرّبين منه مقتنعين بفكرة أنّه الوحيد القادر على هزيمة ترامب. لكن حتى مع افتراض أنّ الضغط الديموقراطيّ تزايد بشكل كافٍ لدفع بايدن إلى الاكتفاء بولاية واحدة، ومن دون صداع ما إذا كان ثمّة ثغرة تسمح للمندوبين بالتصويت لاسم آخر غير بايدن في المؤتمر إذا رفض التنحّي، لن يكون الاتّفاق على خيار بديل سهلاً.
عقبة أخرى
من المنطقيّ أن تكون نائبة بايدن كامالا هاريس البديل الأوّل. لكنّ شعبيّة هاريس متساوية تقريباً مع شعبيّتي بايدن وترامب على المستوى الوطنيّ الأمر الذي لا يرفع كثيراً حظوظ الديموقراطيّين. وإذا قرّر ديموقراطيّون إقناعها بالتخلّي عن هذا الطموح فقد يثير ذلك حفيظة التيّار التقدّميّ والنسويّ في الحزب على اعتبار أنّ المعترضين على ترشيح هاريس يعاندون وصول نساء من أصول ملوّنة إلى الرئاسة الأميركيّة. كذلك، يمكن لبايدن أن يعلن تأييده لهاريس، لكن قد لا يلتزم جميع مندوبيه بالتصويت لها. وفي حال حدث الأمران معاً، سيكون أمام الديموقراطيين حسابات اختيار نائب الرئيس، مع دخول العوامل الإثنيّة والسياسيّة بالاعتبار.
يتمّ التداول كثيراً باسم حاكم ولاية كاليفورنيا غافين نيوسوم بديلاً عن بايدن. إذا تمّ الاتّفاق على أن يكون نائباً لهاريس للحفاظ على هذه التوازنات، فقد يصطدم الجانبان بالتعديل الثاني عشر الذي يمنع بشكل غير مباشر أن يكون الرئيس ونائبه من ولاية واحدة. فهاريس هي أيضاً من كاليفورنيا. وفي جميع الأحوال، نفى نيوسوم بشدّة تفكيره خوض حملة خاصّة مؤكّداً وقوفه خلف بايدن. ينطبق الأمر نفسه على توجّهات قادة ديموقراطيّين آخرين مثل حاكم إيلينوي جيه بي بريتزكر وحاكمة ميشيغان غريتشن ويتمر. قد يكون عدم اهتمام هؤلاء بالترشّح نوعاً من رافعة تفاوضيّة أو قناعة حقيقيّة بأنّ الوقت غير مناسب حاليّاً وبأنّه يمكن لبايدن فعلاً التعويض في وقت لاحق. وهناك وزير الداخليّة بيتي بوتيجيج وأسماء أخرى بارزة لكنّها أقلّ احتمالاً حتى الآن مثل هيلاري كلينتون والسيدة الأولى السابقة ميشال أوباما وغيرهما.
حلقة مفرغة؟
مشكلة اختيار الديموقراطيّين لبديل عن بايدن و/أو هاريس هي أنّهم موجودون أساساً في حلقة مفرغة. لو كان هذا البديل متوفّراً لكان الاحتمال كبيراً في أن يكونوا قد اتّفقوا على اسم آخر غير بايدن سنة 2020، أو على الأقلّ سنة 2023.
هي مشكلة صعبة لكنّها ليست مستعصية على الحلّ، بالرغم من أنّه حلّ "مؤلم". في بداية هذه السنة، اقترح الكاتب في "نيويورك تايمز" روس دوثات على بايدن الوصول إلى المؤتمر ثمّ الإعلان عن الانسحاب من دون تأييد أحد، تاركاً للمندوبين مهمّة شاقّة لكن "مؤسّسيّة" لاختيار البديل. بالحدّ الأدنى، يمنع هذا المسار معركة ضارية بين البدلاء المحتملين لبايدن. مجدّداً، لا تخلو هذه النظريّة من مطبّات عدّة. لكنّها قد تكون أسهل من نظريّة إقناع الناخبين بأنّ بايدن قادر على هزيمة ترامب، ناهيكم عن الحكم بفاعليّة لأربعة أعوام أخرى.