ليلة المناظرة المخيّبة لآمال المعسكر الديموقراطيّ، كانت هناك لدعمه. يدها متشبّثة بذراعه، سارت السيدة الأميركيّة الأولى إلى جانب زوجها لمساعدته في تجاوز درجات الاستوديو. بفستانٍ مطبّع بفعل الأمر "vote" (صوّتوا)، ظهرت إلى جانبه في اليوم التالي، بينما طفق يتوعّد بـ"القتال" مجدّداً. تقف جيل بايدن في مقدّمة حملة زوجها الانتخابيّة، مدفوعة بطاقة تفوق طاقته، تُواجه وابل ادّعاءاتٍ بأنّ طموحها الشخصيّ "دينامو" حملة جو بايدن الرئاسيّة؛ نظريّات عزّزتها جولة الـ24 ساعة، والتي زارت فيها ثلاث ولايات، وكان عنوانها العريض "النقاش انتهى وبايدن باقٍ في السباق الرئاسيّ".
تحوّلت الأنظار أخيراً إلى الدور المتزايد الأهمّية الذي تضطلع فيه جيل بايدن (73 عاماً)، إذ تجاوزت دور الزوجة المساندة، وبدا أنّه بات عليها أن تبقى مستعدّة للوقوف إلى جانبه، حرفيّاً، والإجابة على أسئلة عن مستقبل ولايته الثانية المنشودة. تتلقّى السيّدة الأولى سهام المحافظين الذين ذهبوا في تأويلاتهم حدّ تصويرها كشخصيّة "الليدي ماكبث" المسرحيّة: سيّدة مسيطرة جشعة، تتوق إلى السلطة وتُدير ما يُشبه رئاسة الظلّ، تُجسّد الطموحات الشخصيّة والسياسيّة المدمّرة. في المقابل، تردّد جيل أنّها ترغب فقط في أن يُنقِذ زوجها أميركا من سَلَفِه الجمهوريّ دونالد ترامب.
جيل بايدن تتوجّه إلى المنصّة لدعم زوجها بعد المناظرة مع ترامب (أ ف ب)
"إنها تستمتع بالوقت، وأعتقد أنّها ترغب في أن يبقى"، هكذا قال ترامب عن السيّدة الأولى في مقابلة تلفزيونيّة الإثنين الماضي، وعلى المِنوال نفسه، قالت عنها عضوة الكونغرس الجمهوريّة هارييت هيغمان بسخرية إنّها "متّهمة وفريق الحملة بإساءة معاملة المسنّين لأنّها دفعت زوجها للانخراط من دون سلاح في معركة ذكاء". حتّى أنّ زوجها السابق بيل ستيفنسون انخرط في الموجة، وقال إنّه "لا يفهم إصرارها على الدفاع عنه (بايدن) وإبقائه في السباق بينما يبدو أنّه يعاني".
ظهرت جيل مرّتَين على غلاف مجلة "ڤوغ"، متألّقة في جلسات تصوير، تتحدّث في السياسة وفي الاجتماع وحتّى الموضة التي تتّبعها. في إطلالتها الأولى على الغلاف (2021) بعد دخولها البيت الأبيض، وصفت المجلّة "الدكتورة جيل" بأنّها "سيدة أولى للجميع". والأسبوع الماضي، اقتبست "ڤوغ" من حديثها لها: "سنقرّر مستقبلنا"، فيما الحزب الديموقراطيّ لا يزال تحت صدمة المناظرة.
قدّمت "ڤوغ" السيدة الأولى في عدد تموز (يوليو)، قائلة: "إذا أردت أن تعرف ما هو الشعور بالقوة، فجرّب أن تسير في قافلة سيارات رسميّة. أضواء الشرطة المتوهّجة تشكّل دائرة حولك وأنت تندفع عبر طريق سريع فارغ، والسيارات في الانتظار متكدّسة على مداخل الطرق أثناء مرورك. يبدو كأنّ العالم يُعلّق أنفاسه. من أجلك".
في المقابل، نفت جيل أن تكون قد اعتادت رفاهيّات البيت الأبيض، وصوّرت نفسها زوجةً داعمةً لزوجها، خلال خطاب في ويلمنغتون في ولاية كارولاينا الشمالية، بدلاً من الزوجة السياسيّة الطموحة، هي التي دخلت حياته أرملاً بعد حادث سيارة أودى بحياة زوجته الأولى وابنتهما الرضيعة، ورفضت ترشّحه للرئاسة في انتخابات 2004، وبدا أنّه من دون دعمها، لم يكن الرئيس الديموقراطي ليُكمل حياته المهنيّة ويبدأ أخيراً في السعي للولاية ثانية.
من هي الليدي ماكبث؟
هي زوجة القائد الاسكتلندي ماكبث في تراجيديا الكاتب الإنكليزي ويليام شكسبير التي تحمل اسم البطل نفسه. تدفع بزوجها نحو قتل الملك وتولّي العرش، ليتحقّق مبتغاها وتُصبح في ما بعد ملكة اسكتلندا.
صوّر شكسبير الليدي ماكبث امرأةً ذات طموحات قويّة واستعداد لاستخدام أيّ وسيلة لتحقيق أهدافها السياسية. ظهرت في المسرحيّة مخطّطةً ذكية ومحنّكة، قادرة على التأثير على قرارات زوجها والانخراط في مؤامرات لتحقيق مصالحها الشخصيّة والسياسيّة.
في تشبيه امرأة بالليدي ماكبث اتّهام بالطموح الزائد والسعي المستمرّ للسلطة، ويعكس نظرة سلبيّة تجاه أيّ امرأة تُظهِر قوة وقدرة على التأثير في الأحداث السياسية بشكل مستقلّ أو قويّ.
مخاوف ماليّة؟
في مقال رأي أوردته صحيفة "الواشنطن تايمز" المحافظة، جاء أنّ جيل بايدن "تشغلها مخاوف شديدة بشأن استقرارها المالي"، مشيراً إلى أنّ "البايدنز" يواجهون "واقعاً ماليّاً قاسياً" لعدم قدرتهم على عقد صفقات مربحة مع "نتفليكس" مثل تلك التي عقدتها شركة الإنتاج "Higher Ground Productions" التي أسّسها الرئيس السابق باراك أوباما وزوجته ميشيل، أو تعزيز المشاركات في المؤتمرات الدولية. ويمضي المقال قائلاً إنّ أبناء جو وجيل بايدن "لا يمتلكون فرصاً من دون تواجد بايدن في المناصب العامة، ممّا يبرز تغيّراً كبيراً عن استراتيجيتهم السابقة لتراكم الثروات".
الرئيس الأميركي وزوجته في قاعدة ماكغواير الجوية، نيوجيرسي (أ ف ب)
لم تأتِ الانتقادات من اليمين فقط، بل انسحبت على بعض الديموقراطيّين والمقرّبين من بايدن، مثل المتبرّع الديموقراطيّ والمدير السابق لصندوق استثمار ويتني تيلسون، الذي كتب على "إكس": "اليوم، الشعور شبه العام بين أكثر الديموقراطيّين ولاءً (مثلي) هو أنّ بايدن ودائرته المقربة (بدءاً من جيل) يحاولون إقناعنا بأنّ الرئيس الأميركيّ على ما يرام بينما من الواضح أنه ليس كذلك".
في مقابل ذلك، أشارت الكاتبة في "CNN" جيل فيليبوڤيك إلى أنّ "أغرب جزء في جدل ما إذا يجب على بايدن التنحّي، هو النظرية التي تقول إنّ جيل بايدن تُشبه الليدي ماكبث الطامعة في السلطة والمكر"، واعتبرت أنّ النظريّة تستند فقط إلى أنّ جيل "امرأة، متزوجة من الرئيس، ومخلصة له"، ورأت في ذلك "إهانة واضحة وغريبة تجاه النساء".
دعم جيل الصريح لزوجها بعد المناظرة، على رغم الأداء الضعيف الذي قدّمه، عزّز الانتقادات. قالت له علناً: "أجبتَ على كلّ الأسئلة، وعرفتَ كلّ الحقائق". ومطلع الشهر الحاليّ، تمسّكت بنظرتها الإيجابيّة لرئاسيّات 2024، قائلةً لـ"ڤوغ": "لن نسمح لتلك الدقائق التسعين بتحديد السنوات الأربع التي كان فيها رئيساً".
جيل بايدن تحتضن زوجها بعد أدائه اليمين الدستورية في مبنى الكابيتول (أ ف ب)
تتسارع الأحداث على الساحة الأميركيّة، ومحاولة اغتيال ترامب التي يُندّد الجمهوريّون بـ"خطاب شيطنة أوصل إليها"، قد تُعزّز على المدى القصير شعور مؤيّديه بالظلم حيال الإدارة الديموقراطيّة، وقد تحشد تالياً التأييد له. المليارديران إيلون ماسك وبيل أكمان سارعا للتعبير عن تأييدهما لترامب؛ فريقه طلب من الناخبين المساهمة في الحملة بجملة "إنهم لا يلاحقونني، بل يلاحقونكم"؛ وبايدن تحرّك سريعاً لخفض التوتّر وندّد بـ"هجوم مقزّز".
من شأن التطوّرات أن تُزعزع طموح السيّدة الأميركيّة الأولى، إذا صحّت فرضيّة "الليدي ماكبث" والتاج الملطّخ، وتكبح "الجشع" الذي يتحدّث عنه المحافظون. في المقابل، تبدو جيل، الدكتورة جيل، سيّدة البيت الأبيض، متمسّكة بحملة زوجها. له تُكيل عبارات النصر وتُثني على خطواته، وتَعِدُه بالدعم... "سنستمرّ في القتال".