النهار

هل يندم ترامب لاختياره فانس نائباً له؟
جورج عيسى
المصدر: "النهار العربي"
تفكيره في مكان آخر
هل يندم ترامب لاختياره فانس نائباً له؟
الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب ومرشّحه إلى نيابة الرئاسة جيه دي فانس في المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري (أ ب)
A+   A-

يوم الأحد، فازت إسبانيا بكأس أمم أوروبّا للمرّة الرابعة في تاريخها. كذلك، فازت الأرجنتين ببطولة كوبا أميركا للمرّة السادسة عشرة في تاريخها. انفرد كلا البلدين بالعدد الأعلى من الكؤوس المحقّقة في البطولتين القارّيّتين. لكن ما علاقة بطولات كرة القدم بنائب ترامب على التذكرة الرئاسيّة جيه دي فانس؟

 

يدرك متابعو كرة القدم بشكل وثيق، وبالأخصّ متابعي كرة قدم الأندية الأوروبّيّة، حجم الضغط الذي تواجهه الأخيرة وسط الموسم الكرويّ. أحياناً، يخوض نادٍ مباراة في الدوري المحلّيّ الأحد، لينتقل بعد يومين أو ثلاثة لمواجهة نادٍ آخر على مستوى قارّيّ، كما هي الحال مع دوري أبطال أوروبا. يلاحظ هواة تلك المباريات عدد المرّات التي يفشل فيها مدرّب بوضع خطة صالحة للفوز بالمباراة المحلّيّة، فقط لأنّ ذهنه كان منشغلاً في خوض المباراة على المستوى الأوروبّيّ. هذا ما قد يحصل بالضبط مع ترامب.

 

حين اختار المرشّح الجمهوريّ السيناتور عن ولاية أوهايو نائباً له، لم يكن يولي الاهتمام للإضافات الانتخابيّة التي يمكن أن يقدّمها الأخير – هذا إن كان لدى الأخير ما يقدّمه أساساً. بإمكان مؤيّدي ترامب من "اليمين الجديد" أن يسردوا الكثير من "خصال" فانس، مثل كونه شابّاً وعصاميّاً ويمثّل نبض الجيل الجديد من الجمهوريّين وسوى ذلك. ما يجدون صعوبة في التطرّق إليه هو قدرته على حشد أصوات إضافيّة لا يستطيع ترامب نفسه جذبها إليه في المقام الأوّل. ربّما يأتي أفضل ما بإمكان مؤيّدي خيار فانس تسويقه هو أنّه آتٍ من "الحزام الصدئ" الذي يمثّل الطبقات العمّاليّة الغاضبة من السياسات الاقتصاديّة النيو-ليبراليّة، أو أنّه مناظِر أفضل من نائبة الرئيس كامالا هاريس. أبعد من ذلك، لا شيء خاصّاً في جعبته.

 

لماذا؟

يمكن لشرحِ كبير محلّلي الانتخابات في موقع "ريل كلير بوليتيكس" شون ترنده أن يوضح الكثير عن ضعف قدرات فانس الانتخابيّة. بعدما حسم أصوات القاعدة الإنجيليّة، بدأ ترامب يحقّق تقدّماً بطيئاً في ولايات متأرجحة مثل جورجيا ونيفادا وويسكونسن وميشيغان وبنسلفانيا. (بالمناسبة، الولايات الثلاث الأخيرة تقع في "الحزام الصدئ"). كما حقّق تقدّماً بين الناخبين الهيسبانيين والسود.

 

ويضيف ترنده أنّ فانس، كسيناتور عن أوهايو، فاز سنة 2022 بمقعده بهامش أصوات أضيق بالمقارنة مع جمهوريّين آخرين خاضوا السباق لمناصب أخرى في الولاية: 6 مقابل 12 و18 وحتى 25 في المئة، كما كانت الحال مع حاكمها مايك ديواين. علاوة على ذلك، لن تجذب أجندته ناخبي الضواحي خصوصاً في نيفادا وأريزونا اللتين خسرهما ترامب سنة 2020.

 
 

(أ ب)

 

بالتأكيد، فكّر المرشّح الجمهوريّ في قسم كبير من هذه الحسابات، أو على الأقلّ، تمّ لفت أنظاره إليها. لكنّه يعتقد على الأرجح أنّه يستطيع وحده الفوز بالسباق الرئاسيّ بدون أيّ دعم من أحد. هو يرى في سوء أداء الرئيس جو بايدن خلال المناظرة مكسباً كبيراً له، وفي صورته وهو خارجٌ من محاولة اغتيال بقبضة متحدّية رسالةً حازمة للأميركيّين بأنّه وعلى عكس الرئيس الحاليّ، قادر على القتال، بل على "تحدّي الموت". بشكل مرجّح، كان تفكير ترامب الأساسيّ في مكان آخر تماماً.

 

مشكلته كمشكلتهم... لكنّ عذره أقلّ

بعدما أثبت تحكّمه بمفاصل وتيّارات الحزب الجمهوريّ كافة – وتكفي الإشارة هنا إلى أنّ ممثّل تيّار أقصى المحافظين رون ديسانتيس وممثّلة التيّار الريغانيّ الكلاسيكيّ نيكي هايلي دعما ترشّحه بكلمات واضحة في ميلووكي – حان وقت قولبة الحزب رسميّاً على صورته. يرغب المرشّح الجمهوريّ برسم مستقبل للحزب يدور حول أفكاره واسمه ويبدو فانس مناسباً للمهمّة. إضافة إلى ذلك، حرص نجله ترامب جونيور على استبعاد جميع الأسماء التقليديّة الأخرى عن نيابة الرئاسة والترويج لمصلحة فانس. بمعنى آخر، حتى القرارات المتعلّقة بمستقبل الحزب تُتّخذ بشكل غالب ضمن العائلة. وهذا معبّر إلى حدّ كبير عمّا ينتظر الجمهوريّين في المستقبل.

 

لكنّ مشكلة ترامب، تماماً كمشكلة المدرّبين الذين يضحّون عن غير قصد بمباراة حاليّة لأنّهم يخوضونها وتركيزهم على مباراة لاحقة، تتجسّد في أنّه يتطلّع إلى المستقبل وهو لمّا يحسم الحاضر بعد. لكنّ الفارق بينه وبين المدرّبين أنّه لا يخضع لضغط عامل الوقت.

 

بالرغم من كلّ ما يقال عن تعزّز حظوظ ترامب، وهو صحيحٌ إلى حدّ بعيد، يبقى أنّ المرشّح الجمهوريّ لا يزال بعيداً من ضمان المعركة الرئاسيّة. وليس هناك دليلٌ أفضل على ذلك ممّا يقدّمه خبراء جمهوريّون في هذا المجال.

 

"مليون طريقة"

يوم الثلاثاء، توجّهت مستطلعة الآراء الجمهوريّة كريستن سولتيس أندرسون إلى الديموقراطيّين كاتبة في "نيويورك تايمز" أنّ "الأرقام سيّئة بالنسبة إلى مرشّحكم"، لكنّها "ليست كارثيّة". وأضافت أنّ الأجواء السائدة بين الديموقراطيّين اليوم تشبه الأجواء القاتمة التي سادت بين أوساط الجمهوريّين حين أصبح ترامب مرشّحهم سنة 2016. كان همّهم الأوّل حينها تحقيق بعض المكاسب في الانتخابات التشريعيّة وتأجيل العمل على كسب الرئاسة إلى انتخابات أخرى. حصل ذلك قبل تحقّق المفاجأة.

 
 
(أ ب)
 

وفي تأكيدها أنّ فوز المرشّح الجمهوريّ ليس نتيجة محسومة، لفتت النظر إلى أنّ لدى ترامب "مليون طريقة" لإهدار تفوّقه، من بينها أنّ اختياره لفانس نائباً له ربّما أتى مع مخاطر لم تظهرها استطلاعات الرأي.

 

هذا ما قد يتبيّن في 6 تشرين الثاني

خالفَ ترامب قاعدة شهيرة في الانتخابات الجمهوريّة. عادة ما يخوض المرشّح الانتخابات التمهيديّة عن يمين الحزب للفوز بترشيحه الرسميّ، لكن بعدها، يخوض الانتخابات عن الوسط لجذب دائرة أوسع من الناخبين. يظهر خيار ترامب لفانس أنّه لا يزال يترشّح عن اليمين إلى حدّ بعيد.

 

يقول ترنده، خبير استطلاعات الرأي، إنّ شعبيّة بايدن لا تزال متدنّية إلى درجة أنّ ترامب قد يفوز في نهاية المطاف. "لكنّ فانس لا يسهّل بأيّ حال على الرئيس السابق (الفوز) وهو خيار نادر لنيابة الرئاسة قد يجعله في الواقع أصعب".

 

ربّما يتبيّن بعد حين، أنّ الشاب توماس كروكس أطلق النار على رأس ترامب... قبل أن يطلق ترامب النار "على قدمه". سيكون الفارق أنّ الثاني، في هكذا سيناريو مستقبليّ محتمل، لم يخطئ الإصابة.

 

اقرأ في النهار Premium