في ميلووكي، مقر انعقاد المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري، طغى التفاؤل على ما عداه من العناوين. الحماسة والأمل باستعادة البيت الأبيض، ولِمَ لا، الكونغرس، كانا حاضرين لدى الجمهوريين. استطلاعات الرأي إيجابية على المستوى الوطني كما في الولايات المتأرجحة، وحتى في بعض الولايات التي كانت محسوبة على الديموقراطيين. وسط كل هذه الأجواء، ما هو السبب الذي لا يدعو إلى الاحتفال؟
ما من سبب برر الإحجام عن الفرحة بإعادة توحد الحزب تحت قيادة الرجل الناجي حديثاً من محاولة اغتيال، دونالد ترامب. لكن طريقة الاحتفال لفتت أنظار المراقبين. الكاتب في مجلة "أتلانتيك" الليبرالية جون هندريكسون لم يلاحظ خلال جولته في المؤتمر أجواء التفاؤل وحسب، بل أيضاً مدى تناقضها مع الأجواء السلبية للمؤتمر الجمهوري سنة 2016. وقتذاك كان التركيز على "البُعبُعَين" باراك أوباما وهيلاري كلينتون. الآن، تلاشى هذا التركيز لسبب أو لآخر.
فرنسيس ويلكينسون من شبكة "بلومبرغ" يشير أيضاً إلى الملاحظة نفسها وإن يكن من زاوية أخرى لا تتعلق بالتفاؤل بل بإعادة رسم ثقافة البلاد على صورة جمهوريي ترامب. لكن في المحصلة، مضى الجمهوريون قدماً متخلين عن خوفهم أو رد فعلهم على أوباما واللذين سادا قبل ثمانية أعوام. لقد أصبح الحزب الديموقراطي الآن هو حزب رد الفعل كما كتب.
تغير في مكان مفاجئ
بعيداً من برنامج الجمهوريين للمستقبل، رصد آخرون تغيراً حتى في شخصية ترامب. يدور التكهن هذه المرة حول التأثير النفسي لمحاولة الاغتيال على ترامب وسلوكه. نقل فيليب ويغمان من موقع "ريل كلير بوليتيكس" عن مساعد لترامب عمل معه لنحو عقد من الزمن قولَه إن نجاته بأعجوبة ربما دفعته إلى عدم التصعيد بعد الاغتيال وإلى التخفيف من التبجح. وقال المصدر إنه تحدث "إلى دونالد ترامب مختلف، لكن بأفضل طريقة ممكنة". لهذا السبب، يعتقد ويغمان أن ترامب عاد ودعا نيكي هايلي إلى حضور المؤتمر الوطني وإلقاء كلمة فيه بعدما رفض توجيه دعوة كهذه إليها قبل الاغتيال.
وسط هذه الأجواء، برز أيضاً ما يلفت النظر بالنسبة إلى حزب ساعٍ لاستعادة البيت الأبيض. من جهة، كانت الانتقادات العنيفة لشخص الرئيس جو بايدن قليلة نسبياً. بحسب هندريكسون من "أتلانتيك"، تفادى الحاضرون في المؤتمر وصف الرئيس بأنه تهديد مزلزل لهويتهم، كما كان الأمر مع أوباما. انصب التركيز هذه المرة على أنه رئيس ضعيف صاحب سياسات سيئة.
من جهة ثانية، تجنب الجمهوريون استهداف ما يمكن وصفه بـ"الخاصرة الرخوة" للديموقراطيين ومرشحهم إلى الانتخابات الرئاسية. نقطة ضعف بايدن – ضعفه الذهني بسبب التقدم في العمر – كانت غائبة عن خطابات الجمهوريين إلى حد كبير. بالفعل، يمكن مقارنة شعارات ترامب، حتى قبل محاولة الاغتيال، مع شعاراته في الحملات الانتخابية لسنة 2020.
هل تذكرون العبارة الشهيرة؟
آنذاك، ربما كان اللقب الأشهر بين الجمهوريين والذي أطلقه ترامب نفسه هو "جو النعسان". في الأشهر والأسابيع الأخيرة، وإذا تم استثناء الناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي، قد يعاني المرء للبحث عن تصريح يتضمن هذا التوصيف. كان هذا الاتجاه حاضراً، خصوصاً بعد المناظرة الرئاسية الأولى التي أظهرت ضعف الرئيس على هذا الصعيد.
في الواقع، ومباشرة بعد الأداء السيئ لبايدن في المناظرة، قال ترامب إن المشكلة مع بايدن هي سياساته السيئة لا قدراته الذهنية، وأشار إلى معرفته برجال أعمال يواصلون نشاطهم حتى التسعينات. سبب ذلك على الأرجح مرتبط بحسابات تكتيكية أكثر من ارتباطه برغبة في رفع مستوى التخاطب السياسي، وإن كان الأخير قد يكون مكسباً جانبياً للحسابات الأساسية.
من ناحية، ربما تكون قضية العمر غير مؤثرة إلى حدّ كبير بالنسبة إلى الناخب الأميركي، إذ شهدت انتخابات 2022 النصفية فوزاً للمرة الثامنة للسيناتور الجمهوريّ تشاك غراسلي. في أيلول (سبتمبر) المقبل، سيبلغ غراسلي عامه الواحد والتسعين. بحسب الخبير الجمهوري في الانتخابات أليكس كونانت، إن الذين تجاوزوا عامهم الثمانين وهم في الكونغرس، معرضون للوفاة في مناصبهم أكثر مما هم معرضون لخسارة مناصبهم في الانتخابات. وما قد يؤكد هذا الاتجاه هو أن معدل استطلاعات الرأي لم يظهر بايدن متراجعاً إلى حد كبير بعد المناظرة. (نحو نقطة مئوية في الولايات المتأرجحة).
تفرجوا على النار
وما كتبته مراسلة موقع "أنهيرد" في واشنطن إميلي جاشينسكي منطقي إلى حد بعيد. لِمَ التركيز على نقطة ضعف بايدن وإقناع الديموقراطيين أكثر بتغيير مرشحهم؟
من جهة ثانية، بإمكان الجمهوريين التفرج على الاقتتال الديموقراطي الداخلي حول قضية عمر بايدن. في هذا السياق، نقلت جاشينسكي عن خبير جمهوري في شؤون التواصل قوله إن حزبه يريد "ترك النار في الهشيم تشتعل من تلقاء نفسها".
وربما يستفيد الجمهوريون في مواقف أخرى إن تخلوا عن التطرق إلى سن الرئيس. دونالد ترامب نفسه هو ثاني أكبر مرشح إلى الانتخابات الرئاسية بعد بايدن وهو لم يسلم من انتقادات سابقة لهفوات تسبب بها على الأرجح تقدمه في العمر.
في الميزان، ما سيكسبه الجمهوريون من تجنب إثارة عمر بايدن أكبر بكثير مما سيخسرونه... إن كان لديهم ما يخسرونه في الأساس.