"إذا نزل الرب القدير وقال: ‘جو، اخرج من السباق‘، فسأخرج من السباق... (لكن) الرب القدير لن ينزل".
إلى هذا الحد، صمم الرئيس الأميركي جو بايدن على التمسك بترشحه إلى ولاية ثانية. كما قال في حديث إلى شبكة "أي بي سي" أوائل هذا الشهر، أمكن لطلب إلهي فقط أن يغير موقفه. في جوانب عدة، لدى بايدن الكثير مما يدعم موقفه. فبينما تتزايد أصوات الديموقراطيين التي تدعو بايدن إلى التخلي عن ترشحه، يرتاح الرئيس الأميركي لأنّ هذه الأصوات لا تزال أقلية داخل الكونغرس. في مجلس النواب على سبيل المثال، وصلت نسبة مطالبي بايدن بالانسحاب إلى نحو 16 في المئة من الديموقراطيين. في مجلس الشيوخ، ما من ضرورة للحديث عن نِسب. حتى مساء الجمعة، كان ثلاثة من أصل 51 سيناتوراً ديموقراطياً قد طالبوا بايدن الانسحاب.
وأشار استطلاع حديث لوكالة "أسوشيتد برس" بالتعاون مع مركز "نورك" لأبحاث الشؤون العامة إلى أن 65 في المئة من الديموقراطيين يريدون استبدال بايدن على التذكرة. وهذا الاستطلاع هو دليل إضافي على أن من يريدون تنحيه عن الحملة ليسوا فقط من "الطبقة الثرثارة" و"النخبة" في واشنطن، بحسب توصيفات بايدن.
غداً يوم آخر
يدرك بايدن وفريقه أن المعترضين على ترشحه سيواجهون سلسلة جديدة من المشاكل ترتبط بهوية البديل، بمجرد أن يقبل الرئيس بالتنحي. إن أي طلب من نائبته كامالا هاريس بالتخلي عن حقها برئاسة التذكرة سينظر إليه الجناح التقدمي في الحزب الديموقراطي من زاوية الانتقاص من حق الأقليات بالوصول إلى البيت الأبيض. في فيديو نشرته مؤخراً، حذرت النائبة ألكسندريا أوكاسيو كورتيز من أن بعض الذين يريدون دفع بايدن إلى الخروج من السباق مهتمون بالتخلص من كل التذكرة، لا من الرئيس وحسب. قد يؤدي هذا إلى إغضاب بعض السود والنساء كما يعتقد البعض.
حتى لو كان ثمة تخطيط للتخلص من هاريس أيضاً، لا تشجع الاستطلاعات أصحاب هذا المخطط المفترض على تنحية نائبة الرئيس عن التذكرة. بحسب موقع "فايف ثيرتي أيت"، يبلغ معدل الفارق بين تأييد ورفض أداء نائبة الرئيس ناقص 11.8 نقطة مئوية. بينما يبلغ لدى بايدن ناقص 17.7 نقطة مئوية. يضع هذا المعدل هاريس في موقع متقدم على الرئيس وإن كان ذلك يعود بشكل أساسي إلى ارتفاع نسبة المعترضين على أداء بايدن بالمقارنة مع أداء نائبته (56.2 مقابل 50.4). ويحظى كلاهما بنسبة القبول نفسها تقريباً 38.5 مقابل 38.6 لنائبته.
ماذا عن نقاط قوتها الأخرى؟
قبل المناظرة الرئاسية السيئة لبايدن، كانت أرقام الاستطلاعات تبين إلى حد بعيد أن كل المرشحين الديموقراطيين المفترضين تمتعوا بالتأييد الشعبي نفسه، إن لم يكن بتأييد شعبي أسوأ، من ذاك الذي تمتع به بايدن. انطبق ذلك على أرقام هاريس أيضاً. لكن مؤخراً، بدأت نائبة الرئيس تضيق الخناق على ترامب. من جهة ثانية، رأت غالبية الديموقراطيين في استطلاع "أب/نورك" أن هاريس ستكون رئيسة جيدة.
من جهة ثالثة، وبحسب استطلاع حديث لـ "يوغوف"، تتمتع هاريس بتفوق كبير على مرشح ترامب لنيابة الرئاسة جيه دي فانس. لدى سؤال المستطلعين عن نظرتهم إلى كل من المرشحين، قال 28 في المئة منهم إنهم ينظرون بـ "إيجابية" إلى فانس، مقابل 49 لنائبة الرئيس. ربما يعود ذلك إلى أن شهرة هاريس أوسع من شهرة فانس بحسب ما وجده الاستطلاع نفسه، إذ قال 63 في المئة فقط إنهم سمعوا بفانس مقابل 94 في المئة بهاريس.
لكن شعبية هاريس قد لا تؤدي دوراً إيجابياً في التنافس مع فانس فقط. هي قد تجعلها المرشحة الأبرز لخلافة بايدن على قمة التذكرة الرئاسية بحسب "فوربس" طالما أنها أكثر شهرة من جميع المرشحين المحتملين الآخرين.
دعمها راسخ
ذكرت "نيويورك تايمز" منذ أيام أن بايدن سأل ما إذا كانت نائبته تستطيع الفوز بالانتخابات فيما لو قرر التنحي عن ترشحه. ليس واضحاً ما إذا كان الرئيس سينهي حملته فعلاً إذا بينت الأرقام ذلك أو أن طلبه مجرد شراء للوقت بينما يجري الحديث عن محاولات للجنة الوطنية الديموقراطية لتقريب موعد ترشيح بايدن رسمياً إلى ما قبل 7 آب (أغسطس) المقبل. فبما أن هاريس تملك نقاط قوة خاصة بها، قد يسأل بايدن المعترضين على ترشحه عن سبب استبعاده عن التذكرة الرئاسية طالما أنه سيستفيد من قوة نائبته. وعلى أي حال، تبدو هاريس داعمة للرئيس إلى حد كبير. كانت من بين الشخصيات الأولى التي خرجت بعد دقائق من المناظرة لتدافع عن بايدن، كما أكدت في لقاء مع مانحين مترددين يوم الجمعة الإيمان "من أعماق قلبها" بالفوز في الانتخابات على ما نقله شخص سمح المحادثة إلى هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي".
قد يكون موقف هاريس نابعاً عن قناعة أو عن ديبلوماسية أو عن الأمرين معاً. حتى في المجالس الخاصة، ستجد صعوبة معنوية في الطلب أو الموافقة على زيادة ضغوط الحلفاء على الرئيس. بالتالي، قد يقتضي الخيار الآمن بالنسبة إليها أن تظل إلى جانب بايدن مما يعزز موقف الأخير.
بين المطرقة والسندان
يوم الجمعة، قال بايدن إنه يتطلع لـ "العودة إلى مسار الحملة الانتخابية الأسبوع المقبل" وهو مؤشر إضافي إلى أن الرئيس لا يزال متمسكاً بترشحه. على الأرجح، ثمة ما هو أهم من الأرقام في دعم موقف بايدن. يدرك الرئيس وفريقه أن معارضي ترشح بايدن هم الآن بين المطرقة والسندان. حتى ولو اتفقوا سريعاً على اسم البديل، ما من ضمانة بأن يتمكن هذا البديل من إلحاق الهزيمة بترامب.
إذا فاز المرشح الجمهوري بالانتخابات الرئاسية فسيلام المشرعون الذين طالبوا بايدن علناً بالتنحي عن مسعاه الرئاسي إضافة إلى الذين يدفعون بايدن خلف الكواليس إلى إعادة النظر في ترشيحه بحسب التقارير. وفي مقدمة هؤلاء، رئيس مجلس الشيوخ تشاك شومر والرئيس السابق باراك أوباما والرئيسة السابقة لمجلس النواب نانسي بيلوسي. لكن بقاء بايدن وخسارته الانتخابات سيجعلان الديموقراطيين الصامتين معرّضين للمساءلة. في المعسكر الديموقراطي، تبدو كل الخطوات، سواء أدعمت أو رفضت ترشح بايدن، عبارة عن مخاطرة كبيرة. بما أن المستقبل السياسي لبايدن بات وراءه، لدى الرئيس القليل ليخسره على الصعيد الشخصي إذا خاطر بملازمة المسار نفسه.