النهار

النهار

مكالمة ترامب - زيلينسكي... تخالف التوقعات؟
جورج عيسى
جورج عيسى
المصدر: "النهار العربي"
نافذة على "مستقبل ترامبي" قد لا يكون قاتماً بالنسبة إلى كييف
مكالمة ترامب - زيلينسكي... تخالف التوقعات؟
الرئيس السابق دونالد ترامب يصافح الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (2019 - أب)
A+   A-

على الأغلب، لم يكن اتصالاً عادياً. بعد انتهاء المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري، أجرى المرشح الرئاسي دونالد ترامب والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي مكالمة هاتفية ربما ترسم مساراً مخالفاً للتوقعات السابقة. وبين المؤتمر والاتصال الهاتفي، خطفت مقابلة زيلينسكي مع هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" يوم الخميس بعض الأضواء. قد تكون تلك المقابلة حلقة في سلسلة محاولات فهم موقفي أوكرانيا وترامب من الحرب على صعيد عام، كما فهم علاقة الرجلين ببعضهما إذا فاز المرشح الجمهوري في الانتخابات الرئاسية.

 

"المقبول والمستحيل"

كتب كريس ميسون الذي أجرى المقابلة مع زيلينسكي أن الأخير تحدث غالباً باللغة الأوكرانية خلال المقابلة التي دامت نحو 40 دقيقة. لكن عند الحديث عن ترامب، اختار اللغة الإنكليزية. ومما قاله زيلينسكي: "لا يعني ذلك (مقاومة الروس) أنه يجب استعادة جميع الأراضي بالقوة".

 

يوجه زيلينسكي عبر هذه الكلمات رسالة مفادها أنه منفتح على التفاوض مع إبداء مرونة في إمكانية عدم الإصرار على مواصلة القتال حتى آخر شبر من الأراضي الأوكرانية. ليس من المبالغ القول إن هذه المرونة جزء من الاستعداد لفوز ترامب بالرئاسة. لكن ثمة ما يسترعي الانتباه في هذه المرونة. حتى في ظل رئاسة بايدن، لن يمانع زيلينسكي استعادة بعض الأراضي عبر التفاوض. لكن ذلك يتطلب نجاحاً في الميدان لمّا يظهرْ لغاية اليوم. حتى في ذروة الحماسة الأوكرانية للهجوم المضاد في ربيع 2023، كان الهدف الأول شطر الأراضي التي تسيطر عليها روسيا إلى نصفين مما يضعف الموقف الروسي في مفاوضات مستقبلية.

 

تريد أوكرانيا، على الأقل لغاية الآن، وبحسب ما يتبين من التصريحات (والاستطلاعات)، أن تستعيد أراضيها كافة حيث تمثل القوة العسكرية وسيلة لدعم القوة الديبلوماسية. باختصار، ما قاله زيلينسكي لميسون هو مرونة موجهة في قسم منها إلى مسامع ترامب، لكنها مع ذلك مرونة محسوبة، وبشكل أدق، مرونة ظاهرية. تؤكد ذلك كلمات أخرى لزيلينسكي.

 
 
 

 

ففي جوابه على سؤال ميسون عن رأيه بتصريحات ترامب عن إنهاء الحرب "في 24 ساعة"، بدا زيلينسكي في البداية حائراً. لكن بعدما انطلق من فكرة أن الجميع سيكونون سعداء إذا أنهى ترامب الحرب سريعاً، قال: "السؤال هو: ما الثمن، ومن سيدفع". وتابع: "لا أعني أن فكرته هي الضغط علينا لندفع. لكن إذا أردتَ أن تفعل ذلك في 24 ساعة فالطريقة البسيطة هي أن تدفعنا لندفع (الثمن)، لأنه من المفهوم كيف (يتحقق ذلك). إنه يعني توقفوا فحسب وأعطوا وانسوا... لن نقبل بذلك أبداً، أبداً".

 

وحين سئل أيضاً عن موقف نائب ترامب على التذكرة الرئاسية جيه دي فانس من أنه لا يهتم لما يحصل في أوكرانيا "باتجاه أو بآخر"، قال زيلينسكي إن فانس ربما لا يعرف الكثير عن أوكرانيا مشيراً إلى أن كييف ستواجه "عملاً صعباً" مع إدارة ترامب، من دون أن تخشى ذلك. باختصار، كان زيلينسكي منفتحاً للعمل مع الإدارة لكن انطلاقاً من موقف صلب في الظاهر بالحد الأدنى: "لا يوجد رجل في هذا العالم يستطيع دفعنا إلى فعل ذلك"، قاصداً تقديم تنازلات إقليمية لروسيا.

 

الاتصال الهاتفي... بين الشكل والمضمون

يستدعي الاتصال الهاتفي بين ترامب وزيلينسكي يوم الجمعة التوقف عند أكثر من نقطة شكلية. هدف الاتصال إلى تأكيد جدية ترامب في مسعاه إلى وقف الحرب. تضعه المكالمة في موقف المستبِق للأحداث حتى قبل الوصول المفترض إلى البيت الأبيض. ربما يعطيه الأمر زخماً انتخابياً إضافياً قبل تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، موعد الاستحقاق الرئاسي الكبير.

 

لكن قد لا يقتصر الأمر على السعي إلى كسب المزيد من الأصوات. يتصرف ترامب كما لو أنه أصبح رئيساً منذ اليوم. وهذا ما لاحظه البعض مع إشارة إلى أن المرشح الجمهوري تصرف على هذا الأساس حتى مع رئيس الاحتياطي الفدرالي جيروم باول حين طالبه بعدم خفض الفائدة قبل وصوله إلى الرئاسة.

 
 
 

(أ ب - 2019)

 

في المضمون، ربما يظهر ما رشح عن الاتصال أن ترامب ليس في وارد ترك أوكرانيا لـ "مصيرها المحتوم" لو عاد إلى البيت الأبيض. في بيان على منصة "تروث سوشال"، وصف ترامب المكالمة الهاتفية بأنها "جيدة جداً" مضيفاً أن زيلينسكي هنأه على ترشيح الحزب له إلى رئاسة الجمهورية. في وقت قد لا يكشف توصيف ترامب للاتصال الكثير من الأجواء، يبقى ما قاله الناطق باسم الرئاسة الأوكرانية سيرهيي نيكيفوروف يوم السبت بالغ الأهمية. هو وافق على توصيف ترامب للمكالمة: "نعتقد أنها كانت مكالمة جيدة بروحية الاحترام المتبادل". وتابع: "قال ترامب أمراً مثيراً للاهتمام: عدم تصديق ‘الأخبار المزيفة‘ بأن انتصاره سيكون مفيداً لروسيا. وصَفَ هذه الفرضية بأنها ‘أخبار مزيفة‘ وحثنا على عدم تصديقها".

 

بالمثل، قال مصدر مقرب من الرئيس الأوكراني لـ "إي بي سي" إن المكالمة التي دامت بين 15 و 20 دقيقة، كانت دافئة. الأجواء بحسب "بوليتيكو" كانت أفضل حتى. وقال شخص مقرب من زيلينسكي للمجلة إن المحادثة كانت "جيدة للغاية" وإن ترامب تعهد بالتوصل إلى "سلام عادل" إذا فاز في الانتخابات. ليس هذا وحسب. قال الشخص المقرب من الرئيس الأوكراني والذي مُنح حرية عدم الإفصاح عن اسمه إن مستشاري زيلينسكي شعروا بـ "حماسة غامرة" بسبب مجرى المكالمة.

 

ماذا بعد؟

ربما ينبغي عدم بناء الكثير من التوقعات في السياسة الخارجية لترامب بالاستناد إلى هذه المكالمة وحدها. فالاتصال حدث بمبادرة من زيلينسكي منذ نحو أسبوع لتهنئة ترامب على السلامة بعد محاولة الاغتيال بحسب تقرير "بوليتيكو". لكن في الوقت نفسه، يصعب أن تمر هذه المكالمة، في توقيتها والتوصيفات الثنائية لها، مرور الكرام. قد يتبيّن أن الحديث عن "تخلي" ترامب الرئيس عن أوكرانيا، بالحد الأدنى، سابق لأوانه. هذا واتفق زيلينسكي وترامب على "مناقشة نوعية الخطوات التي يمكن أن تؤدي إلى سلام عادل ودائم حقاً، خلال اجتماع شخصي".

 

في المحصلة، وبصرف النظر عن أي تطورات مستقبلية قد تكشف عنها المكالمة بشكل محتمل، يمكن قول إن الأسبوع الماضي شهد انقلاباً في المشاعر داخل كييف: من بداية "متشائمة" يوم الاثنين مع نبأ تعيين فانس نائباً لترامب، إلى نهاية "حماسية" بعد المكالمة الهاتفية معه يوم الجمعة.

 

كانت كييف بحاجة إلى متنفس معنوي في الآونة الأخيرة. ربما حصلت على بعض منه في نهاية المطاف.

 

 

الكلمات الدالة