لعل كلمة "مفاجئ" هي من بين الأكثر تداولاً في التقارير الأميركية لوصف قرار الرئيس جو بايدن بالانسحاب من ترشحه إلى ولاية ثانية. ولم تتحقق المفاجأة فقط لدى المتابعين والمحللين، بل أيضاً داخل البيت الأبيض نفسه.
صحيح أن تقريراً لموقع "أكسيوس" يوم الخميس ذكر أن عطلة نهاية الأسبوع الماضية قد تكون حاسمة لجهة اتخاذ بايدن قراره النهائي في هذا الصدد. لكن كلام بايدن يوم الجمعة بأنه يستعد لاستئناف حملته الانتخابية هذا الأسبوع وجه ضربة شبه قاضية لآمال الديموقراطيين الذين ألحوا عليه كي ينسحب من السباق لرفع حظوظهم في تشرين الثاني (نوفمبر). في نهاية المطاف، أعلن بايدن قراره النهائي بالانسحاب يوم الأحد عند الساعة الثانية والنصف تقريباً في التوقيت المحلي. تقول مصادر في "أي بي سي" إن بعض أعضاء فريق بايدن لم يعلموا بقرار الرئيس إلا قبل دقيقة واحدة من إعلانه.
تناقضات
ربما لعب الضغط المتزايد من الديموقراطيين دوراً في هذا القرار. لكن زيادة الضغط هذه، أي تلك التي حدثت خلال الساعات الـ 48 بين الإعلان عن العودة إلى الحملة الانتخابية والإعلان عن الانسحاب النهائي، لم تكن كبيرة. في مجلس النواب، لم تطرأ سوى بضعة أصوات إضافية تطالب بايدن بالتنحي. بذلك، اقتربت نسبة المعترضين على ترشح بايدن من عتبة 20 في المئة من الديموقراطيين في الغرفة التشريعية الدنيا. لم تكن الأخيرة نسبة كبيرة لكن بالمقابل، لم يكن بالإمكان تجاهلها. ليس سهلاً أن يعارض واحد من خمسة مشرعين حلفاء بقاء الرئيس في المنافسة. مع ذلك، بدت الأمور في مجلس الشيوخ أكثر هدوءاً إلى حد بعيد، حيث لم تتجاوز عدد المعترضين أصابع اليد الواحدة.
ساد بعض الغموض خلال الساعات القليلة الحاسمة حتى بين أفراد العائلة الواحدة. نقلت "أي بي سي" عن شقيق سيد البيت الأبيض فرانك بايدن قوله إن الرئيس، وفي حساباته لاتخاذ قراره النهائي، أخذ بالاعتبار صحته وحيويته لا قدراته الذهنية. لكن مصدراً مقرباً من العائلة قال للشبكة نفسها إن الرئيس لم يتحدث إلى أخيه طوال أسابيع، بالتالي، إن ما يشير إليه لجهة كون الصحة عاملاً في قراره "غير صحيح على الإطلاق".
معلومات متقاطعة
بدأت خطط الرئيس بالانسحاب مساء السبت على ما قاله مصدر مطلع لـ "سي أن أن". ويبدو أن القرار لم يرتبط بصحة الرئيس على ما نقلته الشبكة عن مسؤول كبير في البيت الأبيض. كان بايدن يدرس جميع الأرقام المتوفرة عن حظوظه الانتخابية وتبين أنها عملياً "غير موجودة" بحسب مستشاريه مايك دونيلون وستيف ريكيتي. في نهاية المطاف، جمع الرئيس عائلته في المساء ثم أكد قراره صباح الأحد، مع إشارة الشبكة نفسها إلى وجود مستشارين لم يعرفوا شيئاً عن الموضوع إلا قبل دقائق.
ما يعطي هذه المعلومات موثوقية كبيرة تقاطعها مع معلومات أخرى حصلت عليها مجلة "بوليتيكو". يشير تقريرها إلى أن بايدن اعتزم صباح السبت مواصلة حملته قبل أن يغير رأيه مساء اليوم نفسه. كان المساعدان دونيلون وريكيتي حاضرين معه ويطلعانه على الأنباء السيئة بشأن تراجع حظوظ إعادة انتخابه، كما بشأن ضعف جمع التبرعات واستياء الناخبين.
تأكيد ثالث
ربما تحول تراكم الضغط الكمي إلى تراكم نوعي. كان بايدن يزداد عزلة داخل حزبه، في السر والعلن. شملت المجموعات المطالبة بايدن بتغيير قراره كبار المسؤولين الديموقراطيين السابقين والحاليين مثل باراك أوباما وتشاك شومر. ولم يكن المستقبل القريب ليحمل أي تحول في المسار العام بالرغم من أن بعض الشخصيات البارزة، مثل الرئيس السابق بيل كلينتون والمرشحة الرئاسية السابقة هيلاري كلينتون، ظلت تدعم بايدن حتى الساعات الأخيرة. وذكرت تقارير أن المسؤولَين عملا خلف الكواليس لإقناع المانحين بمواصلة دعم التذكرة مالياً.
(كلينتون - أ ب)
ونقلت "بي بي سي" عن مصدرين لها السردَ نفسه تقريباً للأحداث التي دفعت بايدن إلى تغيير رأيه، حين تم اتخاذ القرار الأولي بالانسحاب ليل السبت قبل أن يؤكده صباح الأحد. في ذلك الوقت، علم مسؤولون آخرون بنيته الجديدة، ومن ضمنهم نائبته كامالا هاريس.
هل استسلم للضغط؟
قد لا تكون "العزلة المتزايدة" وحدها ما دفع الرئيس إلى التفكير ملياً بجدوى الاستمرار في الحملة. بحسب "بوليتيكو"، كان بايدن نفسه هو من اقتنع أخيراً بما سبق أن اقتنع به العديد من الديموقراطيين الآخرين منذ سوء أدائه في المناظرة الرئاسية الأولى: "لم يكن بإمكانه الفوز".
(هاريس- أ ب)
بالفعل، كانت تقارير سابقة قد ذكرت أن بايدن أراد الاطلاع على استطلاعات الرأي لمعرفة ما إذا كانت هاريس تملك حظوظاً أفضل للفوز. لكن وسط تصريحاته السابقة المتمسكة بالبقاء في السباق حتى النهاية إلا إذا "نزل الرب القدير"، كان من المعقول افتراض أن طلب بايدن نتائج أحدث الاستطلاعات هو مجرد مناورة. تزامن ذلك مع بداية تخطيط إحدى الأذرع التنفيذية للجنة الديموقراطية الوطنية تقريب موعد تصويت المندوبين إلى الأسبوع الأول من آب (أغسطس) بدلاً من الأسبوع الثالث.
مدى تأثير انسحاب بايدن من السباق على حظوظ الديموقراطيين بالاحتفاظ بالبيت الأبيض أمرٌ متروك للمستقبل. لكن الأكيد أن كلمة "عناد" ستختفي من قاموس المحللين والمسؤولين الديموقراطيين لتحل مكانها كلمات الامتنان والشكر.