النهار

نتنياهو الرّاقص على الحبال الأميركيّة... أيّ ترامب سيلتقي؟
سميح صعب
المصدر: النهار العربي
في ثلاثة أعوام ونصف، تبدلت سياسات وتوالت أحداث دراماتيكية في غير منطقة من العالم، بينها حرب غزة التي غيّرت إسرائيل وأحدثت تحولات عميقة في الشرق الأوسط. فهل لا يزال دونالد ترامب على مواقفه السابقة؟
نتنياهو الرّاقص على الحبال الأميركيّة... أيّ ترامب سيلتقي؟
صورة من الأرشيف للرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يتصافحان في القدس، 23 أيار (مايو) 2017 (أ ف ب)
A+   A-
منذ إعلان الرئيس الأميركي جو بايدن انسحابه من السباق الرئاسي الأحد، كسب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو جولة في التحلل من أي وعود قطعها للقبول بصفقة لوقف النار وتبادل الأسرى في غزة، وبدّد الآمال بإمكان الوصول إلى هدنة في الحرب التي تقترب من شهرها العاشر.  
 
صحيح أن نتنياهو طوى صفحة بايدن، "آخر رئيس صهيوني" في البيت الأبيض كما يصفه الدبلوماسي الإسرائيلي آلون بنكاس، ويستعد لملاقاة الرئيس السابق دونالد ترامب الذي قد تكون حظوظه بالعودة إلى البيت الأبيض أفضل من حظوظ نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس التي تمضي في طريقها إلى التتويج، كمرشحة للحزب الديموقراطي في مؤتمر شيكاغو في منتصف آب (أغسطس) المقبل، لكن أي ترامب سيلتقي نتنياهو هذه المرة؟ من المعروف أن الرئيس السابق رفض التواصل شخصياً مع رئيس الوزراء الإسرائيلي منذ أن هنأ الأخير بايدن بفوزه في انتخابات عام 2020.
 
والعتب مرده إلى أن ترامب حقق كل أمنيات نتنياهو خلال ولايته، فمزق الاتفاق النووي مع إيران، ونقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، واعترف بالمدينة عاصمة لإسرائيل، كما اعترف بمرتفعات الجولان السورية المحتلة أراضيَ إسرائيلية، وأرسل وزير خارجيته مايك بومبيو لاحتساء النبيذ في مستوطنة إسرائيلية في الضفة الغربية، ليعلن بعدها أن المستوطنات في الأراضي الفلسطينية لا تتعارض مع القانون الدولي، وأقفل القنصلية الأميركية في القدس الشرقية، وأقفل مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، وقطع المساعدات عن "الأونروا" وعن "الأونيسكو"، وأعلن عن "صفقة القرن" التي نصت على دولة فلسطينية في موعد غير محدد، ومقطعة الأوصال على أجزاء من الضفة الغربية لا تتجاوز 40 في المئة من مساحتها، واعتبرت أن قيام مثل هذه الدولة ستسبقه فترة اختبار لمدى التزام السلطة الفلسطينية أمن إسرائيل.  
 
اعتقد ترامب أن كل هذه التقديمات ستكون كافية لجعل نتنياهو يمتنع عن تهنئة بايدن، على غرار ما فعل مثلاً الرئيس البرازيلي وقتذاك جايير بولسونارو الذي بقي وفياً له.    
 
في ثلاثة أعوام ونصف عام، تبدلت سياسات وتوالت أحداث دراماتيكية في غير منطقة من العالم، بينها حرب غزة التي غيّرت إسرائيل وأحدثت تحولات عميقة في الشرق الأوسط. فهل لا يزال ترامب على مواقفه السابقة أم تبدّل هو أيضاً؟ 
 
في الأشهر التي أعقبت اندلاع الحرب، حاذر ترامب التطرق إلى المسألة تطرقاً موسعاً، واكتفى بالقول إنه لو كان موجوداً في البيت الأبيض في 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023، لما اندلعت الحرب. لكن، لم يمنعه هذا من توجيه الانتقاد إلى عدم الاستعداد الإسرائيلي للحرب، واعتبر أن الدولة العبرية خسرت "حرب العلاقات العامة"، وأنها في حاجة إلى إنهاء النزاع بسرعة. وقال :"لست متأكداً من أنني أميل إلى الطريقة التي يديرون بها (الحرب)، لأنه كان عليهم تحقيق النصر... واستغرق الأمر وقتاً". وفي خطاب قبوله ترشيح الحزب الجمهوري للرئاسة في ميلووكي الأسبوع الماضي، قال ترامب إنه يتعين "إطلاق الرهائن في غزة" قبل أن يتولى منصبه رسمياً، مهدداً بعواقب خطيرة.  
 
وفي برنامج حملة الحزب الجمهوري لعام 2024، كانت إسرائيل الدولة الوحيدة التي جيء على ذكرها بصراحة لينص على الآتي: "سنقف مع إسرائيل، ونسعى إلى السلام في الشرق الأوسط"، من دون المزيد من التفاصيل.  
 
ولاحظ بعض المنتقدين الإسرائيليين أن هذه اللغة تضمنت تراجعاً عما ورد في برنامج الحملة الجمهورية لعام 2016 التي نصت وقتذاك على دعم "لا لبس فيه" لإسرائيل. وتستنتج مجلة "بوليتكيو" الأميركية أن ترامب الثاني ربما يكون أشد حماسة لإطفاء الحرائق في الشرق الأوسط، أكثر مما يدركه نتنياهو. وتورد مثالاً على ذلك بالقول إن البرنامج الجمهوري الجديد لم يأتِ على ذكر الكيفية التي يجب مواجهة إيران من خلالها، وربما تدعم إدارة ترامب الجهود التي تبذلها إدارة بايدن للتوصل إلى وقف للنار بين "حزب الله" وإسرائيل. 
 
هذا ما حمل مايكل كوبلو، المحلل في "منتدى سياسة إسرائيل"، على الاعتقاد أن "ترامب في عام 2024 ليس ترامب في 2016-2020". ويضيف أنه "يميل أكثر إلى تأكيد الاتجاه الانعزالي".  
 
قبيل سفره إلى واشنطن، صرح نتنياهو بأنه ذاهب إلى الولايات المتحدة التي تعيش حالة "من عدم اليقين السياسي". هذا صحيح بقدر ما ينطبق عليه هو بالذات. وماذا لو وجد ترامب آخر؟ أو ماذا لو تمكنت هاريس من الفوز في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل؟ وهاريس نفسها كانت سباقة إلى الدعوة إلى وقف النار في غزة قبل أن يفعل بايدن.   
 
الرقص على الحبال الأميركية قد يقود نتنياهو إلى الندم على معاندته بايدن الذي تخونه ذاكرته هذه الأيام باستثناء تذكر لقائه مع غولدا مائير في عام 1973!
 

اقرأ في النهار Premium