أمام كامالا هاريس مهمات شاقة: توحيد الحزب الديموقراطي وراءها بإقناع المشككين في قدراتها القيادية بأنها البديل الملائم لبايدن والأفضل لقيادة البلاد، وتعبئة الناخبين، وصوغ الخطاب الانتخابي الملائم لهزيمة ترامب... كل ذلك في أقل من أربعة أشهر.
بفوز كامالا هاريس الوشيك بترشيح الحزب الديموقراطي للرئاسة الأميركية، تتوج نائبة الرئيس الأميركي اليوم مسيرة مهنية حافلة بالأحداث والتقلبات، إذ تبرز المرشحة الأوفر حظاً لمواجهة الجمهوري دونالد ترامب.
بعدما قبلت الأحد تسميتها من الرئيس جو بايدن خليفةً له في السباق نحو البيت الأبيض، تمضي هاريس في تنفيذ مهمات شاقة: توحيد الحزب الديموقراطي وراءها بإقناع المشككين في قدراتها القيادية بأنها البديل الملائم لبايدن والأفضل لقيادة البلاد، وتعبئة الناخبين، وصوغ الخطاب الانتخابي الملائم لهزيمة ترامب... كل ذلك في أقل من أربعة أشهر.
الممكن الصعب
هذه المسائل ممكنة، لكنها صعبة لأسباب عدة، ليس أقلها أن الفترة التي قضتها نائبةً لبايدن لم تكن سهلة. فبعدما كانت مدعية عامة بارعة، تراجعت قدرتها على الصمود في اللقاءات الإعلامية والحوارات الصحافية، وارتبط ذكرها في الإعلام دائماً بمؤامرات مختلفة: من استقالة 13 من كبار مساعديها من مكتبها خلال 18 شهراً الأولى بعد توليها منصب نائب الرئيس، إلى وصفها بأنها صعبة المراس تترأس فريقًا مؤلفاً من موظفين غير سعداء، وانتهاءً بقول مجلة "بوليتيكو" في حزيران (يونيو) 2021 إن مكتبها كان "يعج بالمعارضين". وأحياناً، كانت تبدو ساهمة بلا هدف، وهذا لا يليق بنائب رئيس أميركا، أي بالشخص الثاني في قيادة الدولة الأقوى في العالم.
نسبة التأييد التي تحظى بها هاريس لا تتجاوز 38 في المئة في أحسن الأحوال. في حزيران (يونيو) 2023، أظهر استطلاع للرأي أجرته شبكة "إن بي سي نيوز" أنها "أكثر نائب رئيس في الولاية الأولى لا تحظى بشعبية" منذ بدء استطلاعات الرأي في عام 1989. لكن، في الأشهر الأخيرة، ارتفعت شعبيتها قليلاً بعدما اتخذت جانب الدفاع عن حق المرأة في الإجهاض.
شكل تدني نسبة التأييد صدمة للمدعية العامة والسيناتور التي تمتعت ذات يوم بشعبية كبيرة، والتي أصبحت أول نائبة لرئيس الولايات المتحدة، وأول امرأة تنتمي إلى أقلية عرقية تتولى هذا المنصب. فحتى في طفولتها، كما أخبرت صحيفة "نيويورك تايمز"، تملكتها "فكرة راديكالية" أنها تستطيع أن تحقق كل ما يخطر ببالها. وروت في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي: "تربيت على الاعتقاد أنني أنتمي إلى أي مكان أختار أن أكون فيه".
نعم ساعدتها!
والدتها شيامالا غوبالان عالمة متخصصة في أبحاث سرطان الثدي، غادرت الهند متجهة إلى الولايات المتحدة وهي في التاسعة عشرة من عمرها. وانتقل والدها دونالد هاريس، أستاذ الاقتصاد في جامعة ستانفورد، إلى الولايات المتحدة من جامايكا في عام 1961. التقيا طالبين في جامعة كاليفورنيا وتزوجا في عام 1963. وُلدت كامالا في أوكلاند في العام التالي.
درست هاريس القانون، وأصبحت مدعياً عاماً في سان فرانسيسكو، قبل أن تصبح المدعي العام في كاليفورنيا، متبوئة أعلى منصب قانوني في الولاية. وما زالت تتهم حتى اليوم بأنها ما كانت لتصل إلى هذين المنصبين لولا علاقة استمرت عاماً كاملاً مع ويلي براون في منتصف التسعينيات، وهو والذي شغل لاحقًا منصب عمدة سان فرانسيسكو، ثم ضمّ إلى مسؤولياتها في عام 2003 منصب المدعي العام في المدينة.
في كانون الثاني (يناير) 2019، علق براون، الذي يبلغ التسعين اليوم، على هذه المسألة قائلاً: "ساهمت بالتأكيد في أول منافسة خاضتها لتفوز بمنصب المدعي العام في سان فرانسيسكو. كما ساهمت في الحياة المهنية لرئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي، والحاكم غافين نيوسوم، والسيناتور ديان فينشتاين ومجموعة من السياسيين الآخرين".
هاجمته فاختارها
بعد انتخابها لعضوية مجلس الشيوخ الأميركي في تشرين الثاني (نوفمبر) 2016، أثارت الإعجاب باستجوابها الشهود خلال جلسات الاستماع في اللجان، بمن فيهم مرشحو ترامب للمحكمة العليا. واستخدمت هاريس تلك المهارة في الادعاء ضد بايدن في حزيران (يونيو) 2019، عندما نافسته على ترشيح الحزب الديموقراطي وهاجمت سجله في القضايا العرقية.
في كانون الأول (ديسمبر) 2019، انسحبت من السباق الداخلي في الحزب. وبحلول آذار (مارس)، قال بايدن إنه سيختار امرأة لتنوب عنه. وفي آب (أغسطس) 2020، فاجأ بايدن الجميع باختياره هاريس نائبة له في حملته الانتخابية.
تُتهم هاريس في الإعلام الأميركي أنها عاشت في ظل بايدن، منذ ذلك الاتصال الهاتفي بعد إعلان فوزهما بالرئاسة ونيابة الرئاسة، والذي قالت فيه: "لقد فعلناها يا جو!". إلا أن السيدة الأولى جيل بايدن لم تكن قريبة منها أبدًا، ويزعم بعضهم أنها تبغضها منذ المناظرة الكارثية في 27 حزيران (يونيو) المنصرم، والتي تتالت بعدها مطالبات بايدن بالانسحاب.
فقد بينت استطلاعات الرأي حينها صعوداً في شعبية هاريس، وقال استطلاع للرأي أجرته مؤسسة Economist-YouGov بين 13 إلى 16 تموز (يوليو) الجاري أن 79 في المئة من الديموقراطيين سيدعمون هاريس مرشحةً للرئاسة إن اختار بايدن الانسحاب.
103 أيام فقط!
على الرغم من هذه النسبة العالية، ثمة تفاصيل مثيرة للقلق. ففي 16 تموز (يوليو) الجاري، أظهر استطلاع للرأي أجري في سبع ولايات - نيفادا وأريزونا وويسكونسن وميشيغان وبنسلفانيا وكارولينا الشمالية وجورجيا - أن هاريس "لم تكن حتى واحدة من أفضل أربع ديموقراطيين يصلحون لخلافة بايدن".
فقد فضّل ناخبو تلك الولايات مارك كيلي، عضو مجلس الشيوخ عن ولاية أريزونا، أو ويس مور، حاكم ولاية ماريلاند، أو جوش شابيرو، حاكم ولاية بنسلفانيا، أو غريتشن ويتمير، حاكمة ولاية ميشيغان التي بدا الأحد الماضي أنها استبعدت نفسها من السباق الرئاسي، وهذا مؤشر خطير.
لكن، المرجح أن تكون هاريس ثاني امرأة مرشحة لأحد حزبي أميركا، بعدما فازت هيلاري كلينتون على دونالد ترامب في التصويت الشعبي في عام 2016، وخسرت في المجمع الانتخابي المهم جداً لبلوغ البيت الأبيض.
واعتبارًا من اليوم الأربعاء، أمام هاريس 103 أيام لتؤكد للديموقراطيين أولاً أنها جديرة فعلياً بأن تحمل لقب "السيدة الرئيس". فهل تتجاوز العقبات، وتفاجئ العالم بوقف تقدّم ترامب السريع إلى البيت الأبيض؟