كان ذلك سريعاً. لم يكن الأمر يحتاج إلى مخطط استراتيجي جمهوري أمضى عقوداً في قيادة الحملات الانتخابية لمعرفة أن جيه دي فانس، خيار المرشح الجمهوري دونالد ترامب لنيابة الرئاسة، عَكَسَ حسابات متسرعة لدى الرئيس السابق. الآن، يبدو الجمهوريون مشككين بالخيار بحسب مراقبين.
كان ترامب واثقاً بإعادة انتخابه إلى درجة أنه لم يبحث عن مرشح يزيد من قاعدته الانتخابية بل عن مرشح يعزز قاعدته الشعبية الموالية له أساساً. غالباً ما يكون خيار نيابة الرئاسة تعويضاً عن نقاط ضعف المرشح الرئاسي نفسه، من أجل الوصول إلى أصوات ناخبة يعجز الأخير عن جذبها. بالعودة ثمانية أعوام إلى الوراء وحسب، اختار ترامب مايك بنس نائباً له للوصول إلى الأصوات الإنجيلية التي شككت بقناعات ترامب المحافظة بسبب سلوكه.
اليوم، ضمَنَ ترامب الإنجيليين لكنه كان بعيداً من ضمان أصوات النساء والمعتدلين الجمهوريين أو المستقلين. ظن أنه بسبب ضعف الرئيس جو بايدن وبسبب نجاته من محاولة اغتيال، أصبحت الرئاسة في جيبه... إلى أن قرر بايدن الاستقالة ودعم نائبته كامالا هاريس. ويبدو أن الديموقراطيين قرروا التكتل سريعاً حولها وتتويجها مرشحة رئاسية عنهم.
نامت هادئة... استيقظت قلقة
كان واضحاً أن الحملة دخلت في حالة تخبط بعدما بدأت تطالب بايدن بالاستقالة من منصبه بعد تخليه عن ترشحه لولاية ثانية. كأن بضعة أشهر ستمثل فرقاً كبيراً بالنسبة إلى الوضعين الداخلي والخارجي للولايات المتحدة. ويظهر أن حالة غياب اليقين تتوسع. في 21 تموز، نشرت مجلة "أتلانتيك" مقالاً لكاتبها تيم ألبيرتا يظهر أن كبار المسؤولين الجمهوريين (مثل كريس لا سيفيتا وسوزي وايلز) كانوا خائفين من تغيير التذكرة الديموقراطية، لكنهم اعتقدوا أنه فات الأوان لذلك بعد المناظرة. ثم انقلب الوضع كما كتب ألبيرتا: "ذهبَت حملة ترامب إلى السرير السبت معتقدة أنها ستملي شروط الانتخابات كل يوم حتى 5 نوفمبر، (لكن) الأحد جلب شعوراً غير مألوف بفقدان القوة. للمرة الأولى منذ زمن طويل، لا يسيطر ترامب على سردية 2024".
أبعد من ذلك، وحين نشر ألبيرتا مقاله على "أكس"، علق كاتباً أن "أكثر شيء صادماً سمعته من حلفاء ترامب أمس هو التشكيك بـ (خيار) جيه دي فانس – وهو خيار، اعترفوا بأنه نجَمَ عن غرور (...)".
في حديث إلى مجلة "نيوزويك"، نفى مدير التواصل في حملة ترامب ستيفن شوينغ أن يكون هناك تشكيك كهذا. لكن ثمة أدلة أخرى التي تبرر الاعتقاد بوجود مخاوف كبيرة في حملة المرشح الرئاسي الجمهوري. إن معدل تأييد فانس هو عند نسب متدنية للغاية، حيث عادة ما يكون المعدل في هذه المرحلة من الانتخابات عند 19 نقطة مئوية. لكن حاصل طرح نسبتي تأييد ورفض فانس هو عند ناقص 6 نقاط في المرحلة الحالية، على ما لاحظه موقع "أنهيرد" البريطاني والذي تساءل عما إذا كان المرشح إلى نيابة الرئاسة سيغرق التذكرة معه. ويشاطر آخرون هذا التحليل.
JD Vance is making history as the least liked VP nominee (non-incumbent) since 1980 following his/her party's convention. He's the first to have a net negative favorable rating.
— (((Harry Enten))) (@ForecasterEnten) July 24, 2024
Not surprising given how weak he ran in Ohio in 2022. Far worse than the average Ohio Republican. pic.twitter.com/hlZziePkKe
أرقام سيئة أخرى
ذكر آرون بلَيك من "واشنطن بوست" تقييمات مشابهة في تفسير احتمال ندم ترامب. لفت استطلاع واحد من أصل خمسة إلى أن حاصل تأييد فانس هو ناقص نقطتين مئويتين. الاستطلاعات الأربعة الأخرى تضعه ما بين ناقص ست إلى ناقص تسع نقاط مئوية. ولم يكن الأمر فقط أن هاريس وبنس تمتعا لدى اختيارهما بنسب تأييد أعلى من تلك التي يتمتع بها فانس وحسب، بل إن استطلاعين للرأي (رويترز/إيبسوس وإيكونوميست/يوغوف) وجدا أن الأسماء المرشحة لنيابة هاريس تملك تأييداً أفضل منه.
لا يزال هناك وقت لتعافي أرقام فانس كما أن هناك نقاط ضعف في حملة الديموقراطيين. لكن تصريحاته السابقة والحالية قد لا تريح الناخبات على وجه خاص. ففانس متشدد بطريقة قاسية في معارضة الإجهاض (بالرغم من أنه خفف حدة آرائه مؤخراً)، وقال منذ عامين إن الولايات المتحدة محكومة بـ "مجموعة من نساء القطط اللواتي ليس لديهن أطفال واللواتي يشعرن بالتعاسة بسبب حياتهن وقراراتهن الخاصة التي أقدمن عليها وبالتالي يُردن جعل سائر البلاد تعيسة أيضاً". أعاد ظهور هذه المقابلة القديمة استياء عدد من النساء، من بينهن نجمة هوليوود جنيفر أنيستون. حتى أن فانس اقترح سابقاً منح المزيد من الأصوات للذين أنجبوا أطفالاً.
#خاص
— Annahar Al Arabi (@AnnaharAr) July 18, 2024
هل يندم #ترامب لاختياره #فانس نائباً له؟ https://t.co/kjgKogBITt @Annahar
وعلى الصعيد التذكرة ككل، ثمة أسباب للتشكيك بأن الحملة قادرة على استعادة هدوئها ولو الظاهري، والابتعاد عن كل ما ينفر الوسطيين. تفكير الجمهوريين باللجوء إلى القضاء لأن الوقت تأخر لاستبدال الديموقراطيين مرشحهم، وتقديم حملة ترامب شكوى إلى لجنة الانتخابات الفدرالية على قاعدة أنه لا يحق لهاريس الحصول على التبرعات التي جمعها بايدن حين كان مرشحاً، أمران لا يدلان إلى الهدوء المنشود. وعلى الرغم من أنها أشارت إلى أنه لا يزال قائد حملة مذهلاً إذا تخلى عن الأمور القاتمة، كتبت ساره باكستر في صحيفة "لندن إيفنينغ ستاندارد" أن "دونالد ترامب لا يستطيع التوقف عن النحيب بسبب كل هذا الإجحاف".
مشكلة مع شراء "سلعة فاخرة"
إلى الآن، وفي ما يخص ما يمكن لترامب التحكم به، تبدو التقارير التي أشارت إلى تغير شخصيته بعد نجاته من محاولة الاغتيال وكأنها تنتمي إلى حقبة قديمة. وفي مقابل ما يمكن وصفه بـ "تكبيل ترامب يديه" عبر اختيار نائب ترامبي له، لا يزال الديموقراطيون قادرين على إيجاد توازن في البطاقة عبر اختيار هاريس نائباً وسطياً لها قادراً على التخفيف من "يساريتها" والوصول إلى المعتدلين.
كان لهيلين لويس من مجلة "أتلانتيك" تشبيه لافت في مقالها بتاريخ 24 تموز. هي قارنت خيار ترامب لفانس بـ "نزعة شراء سلعة فاخرة – حقيبة تم شراؤها ببطاقة ائتمان قبل يوم واحد من طرد صاحبها (من عمله)". وفي إشارة إلى أن الضرر النهائي الذي وقع قد لا يكون قابلاً للتعويض، أضافت: "كان على ترامب أن يحتفظ بالإيصال".