بعد الأسبوع السيئ الذي واجه حملة المرشح الرئاسي الجمهوري دونالد ترامب، وبالأخص نائبه على البطاقة جي دي فانس، تنشر تقارير أميركية تكهنات بشأن احتمال عودة ترامب عن قراره والاتجاه إلى اختيار شخص آخر لنيابة الرئاسة. دافع ترامب عن نائبه في حديث إلى "فوكس نيوز" الخميس قائلاً إن فانس يقوم بـ"عمل مذهل"، وإنه لم يكن ليغير خياره حتى ولو عمد الديموقراطيون إلى تغيير تذكرتهم قبل موعد المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري.
ثمة أسباب للتشكيك برضا ترامب الظاهري عن نائبه. لن يكون فانس أول رجل مقرب من ترامب يصفه الأخير بطريقة إيجابية قبل أن يقوم بفصله لاحقاً. تكتظ إدارته الرئاسية السابقة بأمثلة من هذا النوع. ويعتقد ترامب أن طرد المسؤولين من إدارته أو حملته علامة قوة. من جهة أخرى، ليس متوقعاً اعتراف ترامب بأنه كان ليغير خياره لو عرف مسبقاً بتطورات الوضع على الضفة الديموقراطية، لأن ذلك سيضعه في موقف رد الفعل على الديموقراطيين لا في موقف المستبق للأحداث. كذلك، يدرك الرئيس السابق أن نائباً ضعيفاً على التذكرة قادر على إلحاق الأذى بفرصه الانتخابية. حدث ذلك مع المرشح الجمهوري جون ماكين حين اختار ساره بالين نائبة له، ومع الرئيس جورج بوش الأب حين عين دان كوايل نائباً له. قد لا يكون نائب الرئيس السبب الوحيد في إفشال أو إنجاح التذكرة، لكنه بالتأكيد مساهم كبير في ذلك.
بحسب خبير الاستطلاعات في "سي أن أن" هاري أنتن، يتمتع فانس بأسوأ معدل موافقة لأي مرشح حديث إلى نيابة الرئاسة منذ سنة 1980 مع ناقص 6 في المئة من صافي التأييد والاعتراض. يشمل هذا الرقم الاستطلاعات التي مسحت آراء الناخبين بكوايل وبالين. بالتالي، ليست مشكلة ترامب جانبية. وفيما يظل جمهور "ماغا" مقتنعاً تماماً بخيار فانس، يميل الجمهوريون الكلاسيكيون إلى أن يكونوا أكثر قلقاً من اسمه. على سبيل المثال، نقلت صحيفة "ذا هيل" عن سبعة مسؤولين جمهوريين تشكيكهم بما يمكن لفانس أن يقدمه للتذكرة، كما خوفهم من التداعيات السلبية التي سيتركها على حظوظ حزبهم الانتخابية.
إذاً هل يستطيع أن يغير نائبه على التذكرة؟
قواعد اللجنة الوطنية الجمهورية، وتحديداً القاعدة التاسعة، تسمح بهذا الأمر في ثلاث حالات من الشغور: "الموت أو الانسحاب أو خلاف ذلك". يؤشر هذا الأمر ضمناً إلى أن الرئيس أو الحزب لا يستطيعان إقالة النائب بعد أن يتم اختياره. هذا ما يقوله أستاذ العلوم السياسية المتقاعد من جامعة ويسكونسن بماديسون كينيث ماير في حديث إلى "بيزنس إنسايدر". إذاً يجب أن يكون التنحي طوعياً.
(أ ب)
بإمكان اللجنة أن تعدل قوانينها لكن الأمر يحتاج إلى نصاب معين (ثلاثة أرباع أعضائها) وهذا ما قد لا يتوفر سريعاً. يبقى أن يقرر ترامب إقناع فانس بالتنحي. يبدو هذا الخيار هو الأكثر معقولية لغاية الآن، وإن كان صعباً جداً بما أنه يفترض اقتناع فانس بالفكرة، هو الذي أوشك أن يكون حامل لواء "ماغا" بعد مغادرة ترامب الساحة السياسية. على أي حال، مع وضع اعتراض فانس المرجح جانباً، ثمة عوائق تقنية قد تصعب المهمة على ترامب.
فضمن مسار الانتخابات العامة، تمنح معظم الولايات ناخبيها حق التصويت المبكر. تبدأ هذه العملية في أوقات مختلفة من تشرين الأول (أكتوبر) أو أيلول (سبتمبر) وتحددها الولايات بحسب قوانينها الخاصة. كانت ولاية أوهايو قد وضعت السابع من آب (أغسطس) موعداً نهائياً للمرشحين الرئاسيين كي يتقدموا بتذكرتهم الرسمية. خضع هذا الموعد مؤخراً للتأجيل إلى الأول من أيلول المقبل. لكن مخاوف من الطعن قد تلزم الحزبين بالموعد الأساسي. لهذا السبب على الأرجح، وحين كان يتهكم على ترامب بسبب غضبه المفترض من اختيار فانس، قال رئيس مجلس النواب تشاك شومر إن لدى الرئيس السابق حتى السابع من آب فقط لكي يستبدل فانس. بالتالي، إذا كان لا بد من التباحث في هذه الفكرة، فإن ترامب لا يملك وقتاً طويلاً لإقناع فانس بالانسحاب. لكن ثمة أسباب جدية قد تمنع المرشح الرئاسي الجمهوري من الذهاب بعيداً في مراجعة خياراته الخاصة.
مغامرة قد تكون مكلفة
في البداية، سيكون على الرئيس السابق مواجهة غضب دائرته الضيقة وخصوصاً عائلته التي دفعت باتجاه تعيين فانس. ثانياً، حتى لو نجح ترامب في إظهار قضية تعديل التذكرة الرئاسية على أنها قضية شخصية تمت بمبادرة من فانس، ستستطيع الصحافة الوصول إلى مقربين من ترامب قد يفشون صراعات مريرة خلف الكواليس، بخاصة إذا كانوا متضررين من خطوة كهذه. سيعيد ذلك تسليط الضوء على "فوضى" الحملة كما على "تذبذب" ترامب في قراراته وهذه نقطة ضعف كبيرة بحسب تصوره.
(أ ب)
ثالثاً، وبالرغم من كل الضجة التي أثيرت بحق فانس، يعتقد المستطلِع البارز فرانك لونتز أن ترامب راضٍ على نائبه لأنه يعتقد أن الناخبين من "حزام الصدأ" مهتمون بخطابه ويرون أنه يمثل هواجسهم على المستوى المعيشي. رابعاً، وبحسب ما قالته أستاذة العلوم السياسية في جامعة أوبورن ميتشل براون لـ"نيوزويك"، قد يستفيد ترامب من الأضواء المسلطة على حملته بعدما أعيد تسليطها مؤخراً على بايدن ونائبته هاريس. لكل هذه الأسباب وسواها، قد يكون إقدام ترامب على دفع فانس إلى خارج اللائحة مغامرة خطرة. كما يقول ماير، الأستاذ المتقاعد من جامعة ويسكونسن، إن تغيير البطاقة "سيكون مضراً بشكل هائل. ببساطة يصعب التعافي من شيء كهذا".
ما إذا كان ترامب يفضل قبول هشاشة الوضع الحالي على مغامرة غير مضمونة أم العكس، هو أمرٌ لا يعرفه إلا ترامب وحده. إلى الآن، لم تصدر أي إشارة عن حملته، ولو عن طريق المصادر، إلى أن الرئيس السابق يفكر بتغيير نائبه. والناطق باسم حملته ستيفن شوينغ أكد في أكثر من مقابلة أن ترامب يشعر بـ"حماسة كبيرة" حيال أداء فانس. في المحصلة، إن إقدام ترامب على خطوة كهذه أمرٌ ممكن قانوناً. لكن الفترة الزمنية الضيقة والحسابات قد تقلل هذه الإمكانية بشكل كبير.