الديموقراطيون في سعادة غامرة. من التوقعات القاتمة بهزيمة شبه حتمية في انتخابات الخريف إلى حظوظ جدية بالانتصار بعد إعلان الرئيس جو بايدن تنحيه عن السعي إلى ولاية ثانية، لا بد لهذا الانقلاب الكامل في المشاعر أن ينتج فرحة مضاعفة... إلى حين.
ما يمر فيه الديموقراطيون حالياً هو نفسه ما اختبره الجمهوريون بعد نجاة مرشحهم من محاولة الاغتيال في 13 تموز (يوليو). خروج ترامب مدمى وهو يدعو مناصريه للقتال يعني في المخيلة الشعبية أمرين على الأقل: شجاعة استثنائية وعناية إلهية تهدف إلى تحقيق خطة سامية، على الأرجح من خلال رئاسة ثانية. يدرك معظم المراقبين الآن حجم القلق في حملة ترامب. باختصار، ما من نتيجة محسومة من الآن.
بالرغم من كل التصريحات الخاطئة لترامب ونائبه والمقربين منهما، ليس موقف المرشحة الرئاسية الديموقراطية كامالا هاريس أفضل حالاً بكثير. تركز الحملة الجمهورية على أن هاريس من "اليسار الراديكالي" وقد أشرفت على "كارثة" الحدود. ومع فقدانها للتمرس في المناظرات كما في الخطابات، تتراكم نقاط ضعفها بشكل خطير. خلاصة القول إنه من دون نائب قوي على تذكرتها، ثمة احتمال جدي في أن تخسر الانتخابات الرئاسية. إذاً من هي الشخصية التي قد تعطيها المزيد من الزخم؟
طيار حربي ورائد فضاء سابق
الشخصيات الديموقراطية المطروحة كثيرة، لكن إحداها جذبت اهتمامات كبرى: السيناتور عن ولاية أريزونا مارك كيلي (60). كنقطة انطلاق، يُحسب كيلي على الجناح الوسطي في الحزب الديموقراطي، الأمر الذي يعطي التذكرة توازناً كبيراً. ومسيرة كيلي المهنية مثار إعجاب لمراقبين.
كان ميلي طياراً في البحرية الأميركية وخاض عشرات المهام القتالية في حرب الخليج الثانية (1990-1991). وبين 1996 و2011، قاد كيلي أربع رحلات إلى الفضاء بإدارة "ناسا". لم يكن كيلي برفقة شقيقه سكوت، التوأم الوحيد الذي سافر إلى المدار وحسب. ما يلفت الانتباه أيضاً في سجل السيناتور، أنه اجتاز أكثر من 36 مليون كيلومتر في الفضاء وفق تقارير. لهذا السبب، يعتقد البعض أن كيلي هو أفضل مرشح "صديق للرجولة" يمكن أن يحصل عليه الديموقراطيون. هذا بدوره يمكن أن يخفف من "نسوية" البطاقة التي يمكن أن تنفر اليمين منها. لا تنتهي مزايا كيلي عند هذا الحد.
(أ ب)
سبق أن فاز كيلي على منافسيه الجمهوريين منذ ترشح لملء المقعد الشاغر بوفاة السيناتور الجمهوري جون ماكين. وبما أنه ينتمي إلى ولاية من الولايات الحدودية التي كانت غاضبة من سياسات بايدن بشأن الهجرة، يمكن لكيلي أن يُسكت انتقادات عدة في هذا المجال خصوصاً أنه كان من بين الأصوات الأولى التي دعت إدارة بايدن إلى تصحيح نهجها. هو قال لكارين تومولتي من صحيفة "واشنطن بوست" إن الديموقراطيين لم يفهموا قضية الحدود، بينما أراد الجمهوريون الحديث عنها من دون حلها. لم تكن تومولتي الوحيدة التي قالت إن كيلي هو "أفضل" نائب لهاريس.
مزايا أخرى
تعتقد إريكا سميث من شبكة "بلومبرغ" أن كيلي يتمتع بجميع المزايا المطلوبة ليكون نائباً للرئيسة، من بينها حيازته للأسلحة بالرغم من أنه يدعو إلى ضبطها (تعرضت زوجته لإصابة خطيرة وسط إطلاق نار جماعي سنة 2012، فأسسا جمعية تعنى باقتراح الحلول). ونال كيلي حتى إشادة من أرملة جون ماكين، سيندي، إذ وصفته بأنه "ذكي، صاحب كاريزما، ولديه رؤية". علاوة على ذلك، يمثل كيلي ولاية متنوعة كسبها بايدن بصعوبة سنة 2020.
ناشر موقع "نيوزنَيشن" الأميركي كريس ستايروولت قال الجمعة إن كيلي "لديه الخلفية العسكرية. هو رجل أبيض. إنه النوع الصحيح من الخيار، بصرياً، ديموغرافياً، وعلى مستوى الحكمة الفلسفية".
وبسبب خلفيته العلمية، ساعد كيلي في صياغة قانون الرقائق والعلوم لتعزيز أبحاث أشباه الموصلات في سياق مواجهة الصين، وهو موضوع يهم شريحة كبيرة من الناخبين الأميركيين، ومن بينهم تلاوين مختلفة من اليمين.
لا أحد كاملاً
في حين أن كيلي قد يجذب قسماً كبيراً من المعتدلين، إن لم يكن حتى من الجمهوريين غير الترامبيين، يصعب القفز فوق بعض المعطيات ومن بينها أن ما من مرشح مثالي للأطراف كافة. على سبيل المثال، لا ينظر التيار التقدمي في الحزب الديموقراطي بإيجابية كبيرة إلى السيناتور عن أريزونا، كما يخشى محللون ديموقراطيون من أن كيلي قد لا يكون قابلاً على التواصل بفاعلية مع الجمهور لأنه ليس خطيباً مفوهاً كما أن لغته مفرطة في التركيز على التقنيات، بحسب تقرير لـ"بوليتيكو". كذلك، قد لا تهتم هاريس بأريزونا بمقدار اهتمامها ببنسلفانيا التي يجب أن تحصدها لرفع احتمالات فوزها بالرئاسة. وهذا يقتضي الدفع بشخصية أخرى غير كيلي.
(أ ب)
لكن هذه العقبات غير عصية على التذليل. من جهة، حتى ولو لم يكن الجناح الديموقراطي راضياً عن كيلي، يصعب تصور إمكانية أن يُعرض عن التصويت لهاريس بسبب هذا الخيار. على ضفة أخرى، يبدو أن استطلاعات للرأي تمنح كيلي تفوقاً على المرشحين المحتملين الآخرين لهذا المنصب. أظهر مسحٌ لـ "أي بي سي/إيبسوس" أجري بين 26 و27 تموز أن كيلي حصد صافي 10 نقاط من التأييد مقابل 4 لحاكمي بنسلفانيا جوش شابيرو وكنتاكي أندي بِشير ووزير الداخلية بيتي بوتيجيج.
تبقى عقبة صغيرة أمام كيلي وهي إمكانية أن يَترك تحولُه إلى نائب رئيس فراغاً في منصبه قد يشغله جمهوري بعد انتخابات خاصة سنة 2026. يخشى الديموقراطيون هذا الاحتمال لأن تفوقهم في مجلس الشيوخ مبني على هامش ضئيل جداً. يستدعي هذا القلق سؤالاً أخيراً: هل يمكن أن يهتم الديموقراطيون بمشكلة مستقبلية قبل اهتمامهم بأخرى أكثر إلحاحاً؟