النهار

الذكاء الاصطناعي في الانتخابات الأميركية بين هاريس وترامب
المصدر: النهار العربي
يشهد عالم الذكاء الاصطناعي التوليدي تطوراً مذهلاً وسريعاً، حيث بدأ يحتل مرتبة متقدّمة بالأهمية ضمن حياة الأفراد.
الذكاء الاصطناعي في الانتخابات الأميركية بين هاريس وترامب
كيف يختلف هاريس وترامب بشأن سياسة الذكاء الاصطناعي؟
A+   A-
يشهد عالم الذكاء الاصطناعي التوليدي تطوراً مذهلاً وسريعاً، حيث بدأ يحتل مرتبة متقدّمة بالأهمية ضمن حياة الأفراد. في الولايات المتحدة، حيث تتمركز أبرز الشركات في مجال التكنولوجيا، نجد أن هناك نقاشاً محتدماً حول الأبعاد القانونية للذكاء الاصطناعي التوليدي، فضلاً عن المتعلّقات الأخرى المرتبطة به.
ويطرح السؤال نفسه، هل بلغت هذه القضية من الأهمية بمكان لتصبح إحدى القضايا البارزة في الانتخابات بالنسبة للناخبين الأميركيين؟
 
بعد مرور يومين على إصدار الرئيس جو بايدن لأمر تنفيذي يتعلق بالذكاء التوليدي، استلمت نائبة الرئيس كامالا هاريس زمام المبادرة، وعرضت السياسة الجديدة خلال القمة العالمية للذكاء الاصطناعي. وقد أبرزت هاريس بكل ثقة النهج الفريد الذي تتبّعه الولايات المتحدة لمواجهة التحدّيات المتعلقة بأمان الذكاء الاصطناعي.
 
في هذا الحدث الهام، الذي يهدف إلى التصدّي للكوارث المستقبلية المحتملة الناجمة عن الذكاء الاصطناعي، لفتت هاريس الانتباه إلى المخاطر الراهنة وضرورة تطبيق إجراءات الحماية بشكل عاجل، مع التأكيد على أهمية عدم إعاقة مسيرة الابتكار.
تساءلت هاريس خلال خطابها في لندن في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي :"هل يُعدّ إقصاء كبار السن من خطط الرعاية الصحية بسبب خطأ في خوارزميات الذكاء الاصطناعي مسألة جوهرية بالنسبة لهم؟ وماذا عن النساء اللواتي يتعرّضن للتهديد بصور مزيفة من قبل شركاء مسيئين، أليس ذلك أمرًا جوهريًا بالنسبة لهن؟".
 
والآن، مع ترشّحها لمنصب الرئاسة، يعلن خصمها الرئيسي، الرئيس السابق دونالد ترامب، عن رغبته في "إلغاء" الأمر التنفيذي الصادر عن بايدن. ويشاركه في السباق الانتخابي السيناتور جيه دي فانس من ولاية أوهايو، الذي يحمل وجهات نظره الخاصة حول الذكاء الاصطناعي، متأثرًّا بعلاقاته مع بعض الشخصيات البارزة في وادي السيليكون الذين يدعون إلى تقليص القوانين التنظيمية للذكاء الاصطناعي.
لم تتصدّر هذه القضية بعد قائمة اهتمامات الناخبين الأميركيين. لكن يبدو أن الانتخابات الرئاسية القادمة ستكون الأولى التي يُقدّم فيها المرشحون رؤى متنوعة حول كيفية قيادة الولايات المتحدة في عصر التطور التكنولوجي المتسارع.

سجلات المرشحين بشأن الذكاء الاصطناعي
وقّع بايدن على أمره التنفيذي بشأن الذكاء الاصطناعي التوليدي في 30 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، وبعد فترة وجيزة أشار ترامب في حملته الانتخابية إلى أنه إذا أعُيد انتخابه، سوف يتخلّص منه. وقد تمّ تخليد تعهّده في منصة المؤتمر الوطني الجمهوري هذا الشهر.
جاء في بيان ترامب آنذاك: "سنلغي الأمر التنفيذي الخطير لجو بايدن الذي يُعيق ابتكار الذكاء الاصطناعي، ويفرض أفكارًا يسارية راديكالية على تطوير هذا "الذكاء الاصطناعي، بدلاً من ذلك، يدعم الجمهوريون تطوير الذكاء الاصطناعي المتجذر في حرّية التعبير والازدهار البشري".
 
خلال سنواته الأربع كرئيس، لم يقضِ ترامب الكثير من الوقت في الحديث عن الذكاء الاصطناعي، على الرغم من أنّه أصبح في عام 2019 أول من يُوقّع على أمر تنفيذي بشأنه. حيث وجّه الأمر إلى الوكالات الفيدرالية لإعطاء الأولوية للبحث والتطوير في هذا المجال.
قبل ذلك، كان خبراء التكنولوجيا يدفعون البيت الأبيض في عهد ترامب نحو استراتيجية أقوى للذكاء الاصطناعي، لتتناسب مع ما كانت تسعى إليه البلدان الأخرى. في عام 2017، قبل وقت قصير من تقديم شركة "غوغل" بهدوء لاختراق بحثي يساعد في وضع الأساس للتكنولوجيا المعروفة الآن باسم الذكاء الاصطناعي التوليدي، تجاهل وزير الخزانة آنذاك ستيفن منوشين المخاوف بشأن إزاحة الذكاء الاصطناعي للوظائف، قائلاً إن هذا الاحتمال كان في المستقبل البعيد، لدرجة أنه "ليس حتى على شاشة الرادار الخاصة بي".

هذا المنظور تغيّر لاحقًا، بعدما أخبر كبير مستشاري ترامب للتكنولوجيا قادة الشركات في عام 2018، أن إزاحة الوظائف بسبب الذكاء الاصطناعي "أمرٌ لا مفرّ منه" وأن "لا يمكننا الجلوس مكتوفي الأيدي، على أمل أن تتوّلى السوق في النهاية حل هذه
المشكلة". 
 
دعا الأمر الصادر عام 2019 الوكالات الفيدرالية إلى "حماية الحرّيات المدنية والخصوصية والقيم الأميركية" في تطبيق تقنيات الذكاء الاصطناعي، ومساعدة العمال في اكتساب المهارات ذات الصلة.
في الأسابيع الأخيرة من إدارته، وقّع ترامب على أمر تنفيذي يروّج لاستخدام الذكاء الاصطناعي "الجدير بالثقة" في الحكومة الفيدرالية. انتقلت هذه السياسات إلى إدارة بايدن.

هاريس تقود المبادرة 
كان ظهور "شات جي بي تي"  في منتصف فترة ولاية بايدن الرئاسية سبباً في استحالة تجاهل الساسة للذكاء الاصطناعي. 
وفي غضون أشهر، كانت هاريس تعقد اجتماعاً مع رؤساء "غوغل" و"مايكروسوفت" وشركات تقنيّة أخرى في البيت الأبيض، وهي الخطوة الأولى على الطريق الذي دفع المطوّرين إلى الموافقة على التزامات طوعية لضمان عدم تعريض تكنولوجيتهم حقوق الناس وسلامتهم للخطر.
 
ثم جاء أمر بايدن بشأن الذكاء الاصطناعي، والذي استخدم صلاحيات الأمن القومي في حقبة الحرب الكورية للتدقيق في أنظمة الذكاء الاصطناعي التجارية عالية المخاطر، لكنه كان موجّهًا في الغالب إلى حماية استخدام الحكومة للتكنولوجيا ووضع معايير يمكن أن تعزّز التبنّي التجاري. ومع ذلك، على عكس الاتحاد الأوروبي، لا تزال الولايات المتحدة لا تملك قواعد عامة بشأن الذكاء الاصطناعي، وهو الأمر الذي يتطلّب إقراره من الكونغرس.

هاريس التي نشأت في قلب وادي السيليكون، حيث تشربت منذ صغرها بثقافة الابتكار وروح المبادرة التي تميّز هذه المنطقة. ومع تقلّدها لمنصب المدّعي العام لولاية كاليفورنيا، استفادت من خبرتها المحلية لتعزيز علاقاتها مع قادة الصناعة التكنولوجية. 
 
هذه الخلفية المُتجذّرة في التكنولوجيا والقانون، جلبتها معها إلى البيت الأبيض، مما أثرى فهم الإدارة لتحدّيات وفرص وادي السيليكون، كما أوضحت ألوندرا نيلسون، المديرة السابقة لمكتب البيت الأبيض لسياسة العلوم والتكنولوجيا.
حتى قبل "شات جي بي تي" قادت نيلسون جهود البيت الأبيض لصياغة مُخطّط لـ "إعلان حقوق" الذكاء الاصطناعي للحماية من الأضرار المُحتملة للتكنولوجيا. لكن الخطاب في القمة العالمية لسلامة الذكاء الاصطناعي في لندن كان حيث جمعت هاريس كل هذه الخيوط معًا و"وضحت للعالم ما هي استراتيجية الذكاء الاصطناعي الأميركية"، كما قال نيلسون.
 
قالت هاريس إنها وبايدن "يرفضان الاختيار الزائف الذي يوحي بأننا نستطيع إما حماية الجمهور أو تعزيز الابتكار". وبينما أقرّت بالحاجة إلى النظر في التهديدات الوجودية للإنسانية، أكّدت هاريس على "الطيف الكامل لمخاطر الذكاء الاصطناعي".

قبل ظهور "شات جي بي تي"، كانت نيلسون في طليعة المبادرات التي قادها البيت الأبيض لتطوير "إعلان حقوق" يهدف إلى حماية المجتمع من المخاطر المحتملة للتكنولوجيا المتقدّمة. وفي القمة العالمية لسلامة الذكاء الاصطناعي التي عُقدت في لندن، استطاعت هاريس أن تنسج هذه الجهود المتنوعة في خطاب متماسك، مُعلنةً بوضوح عن الاستراتيجية الأميركية للذكاء الاصطناعي، وفقًا لما ذكرته نيلسون.
أكدّت هاريس، بالتعاون مع بايدن، على رفضهما للمفاضلة المغلوطة التي تُشير إلى أن الاختيار يقتصر على إما حماية الجمهور أو دعم الابتكار. وأشارت إلى أهمية الوعي بالتهديدات الوجودية التي قد تواجه البشرية، مشددةً على ضرورة التعامل مع "الطيف الواسع لمخاطر الذكاء الاصطناعي".
وأضافت نيلسون، مُعبرةً عن أهمية الحوار الذي أثارته هاريس: "لقد ساهمت في فتح باب النقاش حول المخاطر والأضرار التي يمكن أن يُحدثها الذكاء الاصطناعي".

ترامب، الذكاء الاصطناعي والتحدّيات المستقبلية
تمثّل إضافة ترامب للمستثمر السابق فانس كمرشح لمنصب نائب الرئيس تحولّاً جديداً في الديناميكيات بين الحملات الانتخابية. وقد أضافت التأييدات الجديدة لترامب من قبل نخبة قادة التكنولوجيا المهتمين بالذكاء الاصطناعي، بما في ذلك إيلون ماسك والمستثمرين مارك أندريسن وبن هورويتز، بُعداً آخر لهذا التحوّل.

اعترف فانس بالآثار الضارة لبعض تطبيقات الذكاء الاصطناعي، لكنه أعرب عن قلقه خلال جلسة استماع بمجلس الشيوخ في تموز (يوليو)، من أن يؤدي هذا القلق إلى محاولات تنظيمية مُبالغ فيها، قد تعزّز بشكل غير مباشر الشركات التكنولوجية الكبرى القائمة.

انتقد أندريسن، عضو مجلس إدارة  Meta Platforms، البند الوارد في أمر بايدن الذي يطالب بمراجعة حكومية لأنظمة الذكاء الاصطناعي الأكثر قوةّ وخطورة، والتي تمتلك القدرة على إجراء عدد محدّد من العمليات الحسابية في الثانية.
 
في "بودكاست" مع شريكه التجاري هورويتز، شرح أندريسن دعمهما لترامب، معرباً عن قلقه من أن اللوائح الصارمة قد تقيّد الابتكار في الولايات المتحدة بينما تتقدّم دول أخرى مثل الصين في هذا المجال.
أثناء قراءة دعوة المؤتمر الوطني الجمهوري لإلغاء أمر بايدن، أشار هورويتز إلى أنه وأندريسن قد ناقشا المقترحات مع ترامب في حفل عشاء، معتبراً أنها "خطة جيدة".
 
في حزيران (يونيو)، التقى ترامب بمجموعة من المستثمرين في بودكاست فيديو، حيث ناقشوا الحاجة إلى كميات هائلة من الكهرباء لقيادة الذكاء الاصطناعي، وهو موقف أعاد ترامب التأكيد عليه في المؤتمر الوطني الجمهوري، مُشيراً إلى أنه سيتطلّب ضعف الكهرباء المتاحة حالياً في البلاد.

المعادلة ليست بالسهلة! 
ما زال هناك العديد من الأمور غير المعروفة، بما في ذلك مدى استجابة هاريس أو تذكرة ترامب-فانس لآراء الأجنحة المتنافسة من دعم وادي السيليكون. وعلى الرغم من تزايد الاختلافات الخطابية، يرى آرون كوبر، نائب الرئيس الأول للسياسة العالمية في BSA The Software Alliance، أن هناك تشابهاً كبيراً بين نهج إدارتي ترامب وبايدن تجاه سياسة الذكاء الاصطناعي.
 
لم يتمّ الكشف بعد عن تفاصيل كافية حول كيفية تعديل إدارة هاريس أو الإدارة الثانية لترامب لهذه السياسات. ويؤكّد كوبر أنه مع تطور التكنولوجيا وظهور قضايا جديدة، ستسعى الإدارات المختلفة لاستغلال الذكاء الاصطناعي لتحقيق أقصى قدر من الفائدة مع تقليل الأضرار. ويضيف: "قد يبدو هذا بديهياً، لكنه ليس معادلة سهلة".

اقرأ في النهار Premium