وافق مجلس الشيوخ الأميركي الثلاثاء على سلسلة إجراءات تهدف إلى حماية الأطفال على الإنترنت، وهو أول نص رئيسي يستهدف شركات التكنولوجيا في الولايات المتحدة منذ سنوات.
وقال زعيم الديموقراطيين في مجلس الشيوخ تشاك شومر: "إنه يوم استثنائي"، مؤكداً أن "مجلس الشيوخ وفى بوعده لجميع الآباء الذين فقدوا أطفالهم بسبب مخاطر الشبكات الاجتماعية".
وبات يتعين استحصال هذا النص على موافقة مجلس النواب، حيث يبدو إقراره أصعب، مع استمرار العطلة البرلمانية حتى أيلول (سبتمبر).
وشكر الرئيس الأميركي جو بايدن أعضاء مجلس الشيوخ على هذا التصويت، داعياً مجلس النواب إلى محاسبة "شركات التكنولوجيا الكبرى عن التجربة التي تجريها على أطفالنا من أجل الربح".
وقال بايدن في بيان: "لا يمكن إنكار أن المنصات الرقمية تساهم في أزمة الصحة العقلية بين الشباب"، مضيفاً: "أطفالنا يواجهون عالماً جامحاً عبر الإنترنت (...) لقد حان وقت العمل".
"رقابة"
ويفرض النص، الذي يدعمه أعضاء جمهوريون وديموقراطيون في مجلس الشيوخ، على المنصات اتخاذ تدابير لحماية القاصرين من المحتوى الإشكالي، بما في ذلك الاستغلال الجنسي والتحرش عبر الإنترنت والترويج للانتحار واضطرابات الصحة العقلية.
كما يلحظ ضرورة أن تُترك للقُصّر إمكانية الوصول إلى الموارد العلمية حول هذه المخاطر.
ومن شأن هذا التشريع، الذي يطلق عليه اسم "قانون سلامة الأطفال عبر الإنترنت"، أن يحدّ أيضاً من قدرة المستخدمين على التواصل مع الأطفال من خلال الرسائل عبر الإنترنت، ويفرض ضوابط أكبر مرتبطة بإشراف الوالدين على نشاط أطفالهم عبر المنصات الإلكترونية.
أعربت شركات مايكروسوفت وإكس وسناب عن دعمها للنص، بينما لم تُظهر ميتا (المالكة خصوصاً لفايسبوك وإنستغرام) وتيك توك دعماً واضحاً.
ويعزز جزء آخر من النص (COPPA 2.0) معايير السرية للقاصرين، ويحظر الإعلانات المستهدفة للأطفال حتى سن 17 عاماً (13 عاماً سابقاً).
حرية التعبير
لكن النص الذي اعتمده مجلس الشيوخ الثلاثاء يواجه معارضة من جمعيات تخشى أن تؤدي هذه القوانين إلى تعزيز عزلة بعض المراهقين، خصوصاً أولئك الذين ينتمون إلى الأقليات، من خلال حرمانهم من المعلومات المتعلقة بالصحة (الجنسية والإنجابية)، أو تاريخ البلاد، أو العدالة الاجتماعية أو قضايا مجتمع المثليين.
واعتبر "الاتحاد الأميركي للحريات المدنية" ACLU أن القانون الجديد "ينتهك" حرية التعبير.
وقالت الخبيرة في الاتحاد جينا ليفينتوف: "بينما تفرض ولايات حظراً على الكتب مع قوانين للرقابة على الفصول الدراسية، فإن آخر ما يحتاجه الطلاب وأولياء الأمور هو إجراء آخر من أشكال الرقابة الحكومية لتحديد الموارد التعليمية المناسبة".
واعتبرت مديرة منظمة "فايت فور ذي فيوتشر" إيفان غرير خلال مؤتمر صحافي أن النص يشكل "شيكاً على بياض للرقابة على أي محتوى يمكن أن تدّعي الإدارة أنه ضار".
وأضافت أن ذلك سيسمح للسلطات في ظل إدارة دونالد ترامب المقبلة المحتملة "بإملاء أنواع المحتوى التي يمكن أن توصي بها الشبكات الاجتماعية أو حتى تعرضها للمستخدمين الشباب".
علب سجائر
ظلت المنصات الرقمية حتى الآن محمية إلى حد كبير من المسؤولية القانونية عن المحتوى الذي تتم مشاركته على مواقعها.
ويطالب مسؤولون منتخبون كثر بالإشراف على هذه المنصات بشكل أفضل، وهم يؤيدون إلى حد كبير توفير حماية أفضل للأطفال، ولكن بين الخلافات بين الأحزاب والضغوط المكثفة التي تمارسها شركات التكنولوجيا الكبرى، ظل الكونغرس يكافح لسنوات من أجل اعتماد تدابير ملموسة.
في الموازاة، رفعت نحو ثلاثين ولاية أميركية، نهاية تشرين الأول (أكتوب)ر، دعاوى قضائية ضد شركة "ميتا"، متهمة منصتيها فايسبوك وإنستغرام، بالإضرار بـ"الصحة العقلية والجسدية للشباب".
وفي منتصف حزيران (يونيو)، دعا كبير المسؤولين الطبيين في الولايات المتحدة شبكات التواصل الاجتماعي إلى عرض تحذيرات حول المخاطر التي يواجهها الشباب الذين يمضون وقتهم على هذه المنصات، بما يشبه رسائل التحذير الإلزامية على علب السجائر.
وتحظى وسائل التواصل الاجتماعي أيضاً باهتمام متزايد خارج الولايات المتحدة. وفتحت المفوضية الأوروبية تحقيقا في منتصف أيار (مايو) الماضي يستهدف ميتا، للاشتباه في تطوير منصاتها سلوكاً إدمانياً لدى الأطفال.
وقدّم رئيسها مارك زاكربرغ، الذي استمع إليه الكونغرس في نهاية كانون الثاني (يناير)، اعتذاراً نادراً لأهالي ضحايا انتهاكات الشبكة. وقال: "لا ينبغي لأحد أن يمر بالأشياء التي مرت بها عائلاتكم"، مضيفاً: "أنا آسف على كل ما مررتم به".